حذّر عقيد متقاعد في الجيش الأميركي، من أن هذا الجيش سيخسر المعركة الأولى من الحرب المقبلة. وقد لا يحصل الأميركيون في القرن الحادي والعشرين على فرصةٍ لخوض معركةٍ ثانية.
وعرض دوغلاس ماكغريغور: العقيد المتقاعد في الجيش الأميركي، والمستشار والذي له العديد من المؤلَّفات في المجال العسكري في مقال بمجلة National Interest الأميركية صورة صادمة عن الجيش الأميركي.
وأشار إلى أن السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، قال لمُرشَّح الرئيس دونالد ترامب لمنصب وكيل وزارة الدفاع، ريان ماكرثي، وهو مدير شركة لوكهيد مارتن، أكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم، والمساعد السابق لوزير الدفاع بوب غيتس، إنَّ "الجيش الأميركي يواجه أزمة".
كما لفت أعضاء مجلس الشيوخ الانتباه إلى الاستحواذ المتزايد من جانبِ الجيش على مليارات الدولارات، بما يشمل مشروع نظام القتال المستقبلي الهائل ذا الـ20 مليار دولار، وشبكة معلومات الحرب التكتيكية، وهو برنامج الاتصالات الذي فشل بعدما وصلت تكلفته إلى 6 مليارات دولار.
وقال الكاتب لا يستلزم الوضع عالم صواريخ حتى يدرك الحاجة الماسّة لضخ دماء جديدة مؤهَّلة ضمن صفوف القيادة العليا في الجيش، فضلاً عن مكتب وزارة الجيش الأميركية.
ليست مشكلة ماليةً
ورأى أن الجيش الأميركي في طريقه ليخسر أكثر من مجرد المال إذا لم يُعيِّن الرئيس دونالد ترامب وزير جيشٍ قوياً ومُطَّلِعاً يكون مستعداً لفرض نظام المحاسبة على جنرالاته ويطالب بتغييرٍ شامل، إذ سيخسر الجيش المعركة الأولى من الحرب المقبلة. وفي القرن الحادي والعشرين، قد لا يحصل الأميركيون على فرصةٍ لخوض معركةٍ ثانية.
ونبه إلى أن مشكلات الجيش الأميركي ليست مالية. فبفضل قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي 2017، سيحصل الجيش الأميركي على ما يتراوح مجموعه بين 137-149 مليار دولار، وهو مبلغ أكبر كثيراً من ميزانية الدفاع الوطني الروسي.
ولكنه رأى أن الإخفاقات في تحديث وجاهزية الجيش ترجع إلى المقاومة المُتعصِّبة من جانب جنرالاته للإصلاح التنظيمي الجذري، والتحديث المُتعقِّل، والطريقة التي يجب أن يقاتل بها الجيش في المستقبل.
وأشار إلى أن قائد الاستقلال الأميركي الجنرال جورج واشنطن قال لجنوده: "إذا كُنَّا حكماء، فدعونا نجهِّز للأسوأ"، ويتجاهل الجيش بطريقةٍ ممنهجة كلمات واشنطن الحكيمة.
انتحار
وضرب نموذجاً لتوقعاته المتشائمة قائلاً " أنه في 18 يوليو/تموز 2017، سيجري اللواء 173 المنقول جواً، إلى جانب الوحدات المنقولة جواً الحليفة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مناورات "الدخول القسري المشترك – Joint Forcible Entry" قرب قاعدة بزمير الجوية في بلغاريا.
ويتمثَّل هدف تلك المناورات في عرض عملية للسيطرة على مطارٍ سيسمح فيما بعد لفوج الفرسان الثاني "المنقول بالمركبات" بـ"بناء قوة قتالية" والتجهيز لعمليات متابعة.
واعتبر أن تلك المناورات تماثل التدرُّب استعداداً للانتحار. قائلاً "يعلم شركاؤنا في شرق أوروبا والروس ذلك. فأي عملية دخولٍ مشترك تتطلَّب تفوقاً جوياً وبحرياً أميركياً، فضلاً عن التفوق الشامل في المنطقة المستهدفة".
ورأى أنه من شأن محاولة هذا "الدخول القسري" ضد مطارٍ روسي، أو صيني، أو كوري شمالي محميّ أن يُنهي تلك "المناورة" في دقائق مع إبادةٍ كاملة للمظلِّيين ولواء الشاحنات الخفيفة المُدرَّعة.
وواصل هجومه على جنرالات الجيش الأميركي قائلاً "إنَّ جنرالات الجيش ذوي الأربع نجوم لا يزالون عالقين في خيالات الحرب العالمية الثانية (الجنرال ذو الأربع نجوم أعلى رتبة يمكن الوصول إليها عادةً في الجيش قبل رتبة جنرال الجيش الأميركي).
افتراضات وهمية عن الجنرالات؟
ويفترض المدنيون عادةً أنَّ الجنرالات هم أشخاصٌ قُساة منزوعو العاطفة حين يتعلَّق الأمر بالتخلّي عن التكتيكات، أو التنظيمات، أو التقنيات التي عفا عليها الزمن. لكنَّهم ليسوا كذلك. وإلا فكيف دخل الجيش الأميركي إذن الحرب العالمية الثانية بأفواج الفرسان بعد فترةٍ طويلة من اجتياح الجيش الألماني معظم أوروبا بقواته المُدرَّعة؟، حسب الكاتب.
ولكن الجنرالات ذوي الأربع نجوم يكونون قُساةً حين يتعلَّق الأمر بسحق الابتكار، الذي يُهدِّد الوضع القائم، داخل الجيش النظامي. فهم أكثر راحة بإنفاق المليارات على تقنياتٍ غير مُختَبَرة تعد بقدرات النصر في الحروب في المستقبل البعيد غير المؤكَّد، فضلاً عن إنفاق المال على تطوير المنصات والأنظمة القديمة المُصمَّمة في السبعينيات. ومن الواضح أنَّ قلة فقط في الكونغرس هي التي تعارض تلك الأعمال.
الانتشار يضعفه
ويقول العميد المتقاعد إنه إلى جانب الكوارث المذكورة آنفاً، تجب إضافة الالتزام الصارم بإرسال ما يقارب مائتي ألف من جنود الجيش النظامي البالغ عددهم 475 ألفاً إلى الخارج للإشراف على "التدريب وتقديم المشورة"، و"التواجد"، وكذلك بعثات دعم العمليات الخاصة في إفريقيا، والشرق الأوسط، وآسيا.
ويضيف أنه "ليس سراً أنَّ عمليات مكافحة التمرُّد قد قوَّضت بشكلٍ خطير قدرة الجيش الأميركي فيما يتعلَّق بالحرب التقليدية المُعقَّدة، لكنَّ تشتيت مائتي ألف جندي حول العالم هو أمرٌ أخطر حتى من ذلك".
وأشار إلى أنه في عام 1932، قال الجنرال دوغلاس ماكآرثر، الذي كان رئيساً لأركان الجيش في ذلك الوقت، لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ إنَّ "تشتيت الجيش النظامي في مفارز صغيرة في أنحاء البر الأميركي يجعل من المُتعذِّر توفير قوة متوازنة، وكفؤة بدرجة مناسبة من القوات النظامية لمواجهة المراحل الأولى من أي حالة طوارئ على الفور".
بيد أنَّ الكونغرس خاض المقامرة، وتقاعد ماكآرثر، وبعد 10 سنوات من ذلك في 1942، حاول الأميركيون مجاراة خصمهم في حربٍ لم يكن الجيش الأميركي مستعداً لخوضها.
وقال الكاتب "تكمن القوة القتالية لأي جيشٍ في تشكيلاته القتالية، وليس في العدد الإجمالي للجنود.
وينتشر الجيش الأميركي اليوم في مختلف أنحاء العالم بشكلٍ أكبر من اللازم، وتشكيلاته القتالية لا تزال هي تلك الباقية منذ الحرب الباردة.
وإذا ما واجهت فرق الألوية القتالية تهديداً من الدفاعات الجوية، أو المدفعية الصاروخية، أو الأسلحة الحائمة (أي الطائرات بدون طيار التي تحوم فوق ميدان المعركة لساعاتٍ وتهاجم الأهداف بالطيران نحوها). ناهيك عن جيشٍ خصم كفؤ، فآنذاك ستواجه هزيمة مؤكَّدة، حسب الكاتب.
الحل
ووفقاً لرؤيته تحتاج الولايات المتحدة إلى تشكيلاتٍ قتالية جديدة مُصمَّمة لحربٍ مشتركة ومتكاملة تُستخدم فيها كافة الأسلحة في بيئة قتالٍ أكثر فتكاً من أي شيءٍ شهدناه منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال إنَّ العالم الذي عرفه الأميركيون على مدار 50 عاماً يتداعى الآن. وبمرور كل شهر، تتزايد إمكانية حدوث حالةٍ طارئة على غِرار الحرب الكورية في عام 1950. وقد يصبح اختيار وزير الجيش القادم هو المعيار الذي يحكم التاريخ من خلاله بدقة على رئاسة ترامب.