الذعر من هيروشيما جديدة.. اليابانيون يستعدون للحرب مع كوريا الشمالية بشراء ملاجئ سعرها آلاف الدولارات

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/17 الساعة 06:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/17 الساعة 06:56 بتوقيت غرينتش

هل أصبح اليابانيون مصابين بالذعر النووي أم أن الحكومة تستغل مخاوف الناس من زعيم كوريا الشمالية واختباراته النووية لتمرير زيادات في الإنفاق العسكري وتغيير الدستور السلمي للبلاد.

حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية رصد ردود فعل اليابانيين الذين كانت بلادهم الدولة الوحيدة في التاريخ التي تعرضت لقصف ذري على التجارب النووية الكورية الشمالية.

يشير التقرير لتجربة مواطن ياباني يدعى يوشيهيكو كوروتوري كانت رحلة بحثية قصيرة إلى الساحل الشمالي الشرقي لليابان لمشاهدة الدمار الذي أحدثه فيضان تسونامي في مارس/آذار 2011، كفيلةً بإقناعه ببناء ملجأ في الحديقة الخلفية لمنزله.

ويوجد منزل يوشيهيكو كوروتوري في حي يقع على بعد كيلومترٍ واحدٍ فقط من امتداد ساحل المحيط الهادئ، والذي يقول العلماء إن زلزالاً قوياً وتسونامي جديداً سيضربانه خلال العقود القادمة، مما سيتسبَّب في حوالي 320 ألف حالة وفاة.

يقول كوروتوري: "لقد شاهدت أساسات البيوت التي كانت قائمةً ومملوكةً يوماً ما للناس هناك، وفكرت حينها أنني بحاجةٍ إلى حماية نفسي. وعندما وصلت آلات الحفر، سألني جيراني ما الذي تفعله بحق الجحيم. كانوا يعتقدون أنني أُهدر مالي، لكنك لا تستطيع أن تقايض على سلامتك".

فتح كوروتوري الباب الحديدي الثقيل للملجأ، كاشفاً عن حجرةٍ صغيرة مغطاة بحوائط أسمنتية مدعومة بطبقةٍ من الحديد الصلب، والتي يصل سمكها إلى 35 سنتيمتراً. والقطعة الرئيسية في هذه الغرفة عبارة عن وحدة تهوية، تبلغ تكلفتها 1.8 مليون ين (حوالي 16 ألف دولار)، ومُصمَّمة لإبقاء قاطني هذا الملجأ على قيد الحياة، بينما تعمل على تنقية الهواء من جزيئات الإشعاع وغازات الأعصاب السامة مثل "في إكس" و"سارين".

كارثة من صنع البشر


لكن اليوم، أصبحت احتمالية وقوع كارثة من صنع الإنسان لا الطبيعة كفيلةً بإقناع المُعلِّم المتقاعد أنه كان محقاً عندما أنفق 8 ملايين ين لبناء هذا الملجأ الصغير، حسب تقرير الغارديان .

وتسبَّبت تجارب إطلاق الصواريخ المُتعدِّدة لكوريا الشمالية خلال العام الجاري، 2017، والتي بلغت ذروتها حين أُطلِقَ صاروخٌ باليستي عابر للقارات، في إثارة القلق داخل اليابان وإعطاء إشارة البدء لتكثيف نشاط الدفاع المدني لدرجةٍ لم يُر لها مثيلٌ منذ الحرب العالمية الثانية.

ودعت الولايات المتحدة لتحرك عالمي بعد اختبار كوريا الشمالية لصاروخ باليستي عابر للقارات طورته في الآونة الأخيرة واصفة إياه بأنه تصعيد للتهديد النووي لبيونغ يانغ، ورداً على ذلك انطلقت مناورات أميركية كورية جنوبية، وفقاً لما ورد في تقرير لموقع دويتش فيله الألماني.

وحذر وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في بيان الثلاثاء (الرابع من يوليو/تموز 2017) من أن أي دولة تستضيف العمال الكوريين الشماليين أو تقدم دعماً اقتصادياً أو عسكرياً لبيونغ يانغ أو تتقاعس عن تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة فإنها بذلك "تساعد وتعين نظاماً خطيراً". وقال "على جميع الدول أن تظهر علانية لكوريا الشمالية أن هناك عواقب لسعيها إلى حيازة أسلحة نووية".

وأطلقت القوات الأميركية والكورية الجنوبية الأربعاء الرابع 5 يوليو/تموز 2017 صواريخ بالستية خلال مناورات تحاكي هجوماً على كوريا الشمالية في "رسالة تحذير قوية" إلى النظام الشيوعي الذي أطلق صاروخاً عابراً في أول تجربة من نوعها، بينما أكد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أن التجربة الناجحة هي "هدية للأوغاد الأميركيين".

ويشكل امتلاك كوريا الشمالية صاروخاً بالستياً عابراً للقارات يمكن تزويده برأس نووية منعطفاً مهماً للنظام الشيوعي الذي أجرى حتى اليوم خمس تجارب نووية ويمتلك ترسانة صغيرة من القنابل الذرية.

إخلاء للسكان


وأشار تقرير الغارديان إلى أن تسع بلدات يابانية قد نفَّذَت أعمالَ حفرٍ لإخلاء السكان منذ أن سقطت صواريخ لكوريا الشمالية في البحر داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة باليابان في مارس/آذار 2017 وسط توقعات ببدء 12 بلدة أخرى أعمال الحفر قريباً.

وناشد مقطع فيديو تحذيري، مدته 30 ثانية بثّته الحكومة على التلفاز في وقت الذروة، الناس اللجوء إلى مباني صلبة للاحتماء بها أو اللجوء إلى ملجأ تحت الأرض في حالة شن هجومٍ على اليابان. بينما ينبغي على الأشخاص العالقين في بيوتهم الاحتماء خلف حواجز صلبة والاستلقاء على الأرض والبقاء بعيداً عن النوافذ.

وترتفع مبيعات الملاجئ النووية وأجهزة تنقية الهواء وقناعات الغاز باستمرار.

ويقول سييتشيرو نيشيموتو، الذي شيدت شركته ملجأ كوروتوري، إن طلبات الاستفسار عن الملاجئ ارتفعت بنحو حادٍ منذ بداية العام الحالي. وباعت شركته، ومقرها مدينة أوساكا، أكثر من 12 ملجأً خلال الشهرين الماضيين، وهو ضعف عدد مبيعاتها السنوية المعتادة.

يقول نيشيموتو، البالغ من العمر 80 عاماً: "يشعر غالبية عملائنا بالقلق من الغبار النووي الناتج عن هجوم كوريا الشمالية. أعتقد أنه ينبغي على الجميع امتلاك ملاجئ في كل مكان في اليابان. يشكو الناس من التكلفة، لكن سعر أصغر الملاجئ مساحةً أقل من تكلفة شراء سيارةٍ عائلية".

وأضاف نيشيموتو أنه تلقى ثلاثة طلبات لبناء ملاجئ خلال الأسبوع الماضي، وأنه يتفاوض مع ملاك مبنى سكني لبناء ملجأ مشتركٍ للسكان.

وتقول نوبوكو أوريب، مديرة شركة أوريب سيكي سيساكوشو، أنها تلقت طلباتٍ لبناء ملاجئ خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيَّار 2017، يصل عددها إلى ضعف عدد الطلبات التي تلقتها شركتها خلال عام 2016 بأكمله.

وتضيف: "لكن هناك حداً أقصى لعدد الناس القادرة على بناء ملاجئ، ولن تفعل الحكومة هذا من أجلهم. لقد عايشنا تجربة هيروشيما وناغازاكي، واليوم وبعد مرور 70 عاماً، يشعر الناس بالقلق إزاء شن هجومٍ نووي مجدداً".

وتُقدِّم الشركة، التي أسَّسَها والد أوريب، مباشرةً بعد أزمة صواريخ كوبا والتي كانت تُهدِّد باندلاع مواجهة نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي آنذاك، عدداً متنوعاً من الملاجئ، من بينها ملجأ يكفي لـ13 شخصاً وتبلغ تكلفته 25 مليون ين (222 ألف دولار).

استغلال حكومي


واتهم البعض رئيس الوزراء الياباني المحافظ شينزو آبي بالسعي إلى استغلال مخاوف الناس من اندلاع حربٍ مع كوريا الشمالية لتبرير نفقات الدفاع التي وصلت إلى مستوياتٍ قياسية، علاوة على خططه المثيرة للجدل الرامية إلى تعديل الدستور الياباني والمعروف باسم "الدستور السلمي".

في أبريل/نيسان 2017، ساهم آبي في إشاعة القلق بين السكان عندما زعم أن كوريا الشمالية ربما تمتلك التقنية التي تُمكِّنها من تزويد صواريخها الباليستية برؤوسٍ تحتوي على غاز الأعصاب "السارين"، وهي المادة التي اُستُخدِمَت في الهجوم الذي شنَّته جماعة "أوم شنريكيو" الدينية في مترو الأنفاق في طوكيو في عام 1995.

وفي نفس الشهر، اندلعت انتقاداتٌ ضد الحكومة بعد إيقاف حركة قطارات مترو أنفاق طوكيو لوقتٍ قصير بعد إذاعة تقارير عن تنفيذ كوريا الشمالية تجربة إطلاق صاروخ، وهو إجراء لم تلجأ إليه مدينة سيول، التي تقع على بعد 35 ميلاً فقط من الحدود الملغمة بالأسلحة مع كوريا الشمالية.

لكن مخاوف العديد من اليابانيين ليست خاطئة بالكامل. فعندما بدأت كوريا الشمالية تسعى إلى امتلاك أسلحة ردع نووية منذ عقدين، أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً في عام 1998، ليعبر فوق الأراضي اليابانية ويسقط في المحيط الهادئ. وانتهت رحلة الصاروخ الباليستي العابر للقارات، الذي أطلقته بيونغ يانغ خلال الأسبوع الجاري، في البحر داخل المنطقة الاقتصادية الخاصة باليابان.

وتقول الحكومة اليابانية إن الأمر يستغرق 10 دقائق فقط حتى يقطع أي صاروخٍ مسافة 1600 كيلومتر من موقع إطلاقه في كوريا الشمالية إلى القاعدة العسكرية الأميركية في جزيرة أوكيناوا في جنوب اليابان.

الخوف من الغبار النووي


بات الخوف من الغبار النووي مُتجذِّراً في الوجدان الجمعي لليابان، التي اُستُهدِفَت بقنبلتين نوويتين. لكن كوروتوري يقول إن سبعة عقودٍ من السلام جعلت أبناء بلده يشعرون بالرضا.

ويضيف: "إن مشكلة الشعب الياباني أنه يعتبر السلام أمراً مُسلَّماً به. يعتقدون أن الحكومة ستعتني بكل شيء وأننا سنكون بخيرٍ طالما لدينا دستور مناهض للحرب. لكن انظر حولك، وستجد اليابان محاطة باضطرابات في شبه الجزيرة الكورية وفي بحر الصين الجنوبي".

ومع بلوغه الـ75 من عمره، بات كوروتوري غير واثقٍ من بقائه على قيد الحياة لرؤية زلزال نانكي والفيضان المصاحب له، والذي يتوقع الخبراء أنه سيضرب المنطقة في غضون ثلاثين عاماً مقبلة. ويرفض كوروتوري اتهام البعض له بأنه يبث مخاوفه غير المُبرَّرة إزاء صواريخ كوريا الشمالية بين الناس.

ويضيف: "إن الحياة بأسرها قائمةٌ على الحظ. لا تدري أبداً ما قد يحدث قريباً. يتعلَّق الأمر كله بوجودك في المكان الخطأ وفي التوقيت الخاطئ".

وأضاف: "لا أعلم أين سأكون عندما تشن كوريا الشمالية هجماتها. أتفهَّم لِمَ يعتقد جيراني أنني أبالغ فيما أفعله. لكن كل ما أريده هو تعزيز فرص نجاتي. لا أرى أي خطأ في هذا".

تحميل المزيد