الحساسية المُفرطة

حين يصبح الإحساس بالآخرين مرضاً، حين تصبح تُهمتك الوحيدة أنك حساس جداً، كأنك تتحدث عن مرض خبيث، وباء معدٍ، أو أزمة نفسية حادة تحتاج تدخلاً طبياً سريعاً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/15 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/15 الساعة 10:25 بتوقيت غرينتش

حين يصبح الإحساس بالآخرين مرضاً، حين تصبح تُهمتك الوحيدة أنك حساس جداً، كأنك تتحدث عن مرض خبيث، وباء معدٍ، أو أزمة نفسية حادة تحتاج تدخلاً طبياً سريعاً.

ذكرهم، فربما هم قد نسوا للحظات أنه لأنك حساس جداً فأنت تهتم جداً، وتتغاضى كثيراً، وتفوت كثيراً، وتتناسى بكامل إرادتك، وأنك لست أهبل، أو سهل الاستغلال، أو هشاً ضعيف الشخصية.

ولأنك حساس جداً، أنت تتذكر كل أعيادهم ومناسباتهم دون الحاجة لمنبه أو مذكرة.

ولأنك حساس جداً، فأنت تهتم بأدق التفاصيل؛ لذا تعرف جيداً ما يسعدهم، وعلى دراية تامة بكل ما يعجبهم دون الحاجة لأن تسأل، فتجهز المفاجآت، وتختار أحلى الهدايا، وتفاجئهم في كل مرة.

ولأنك حساس جداً، أنت موجود دائماً قبل أن يطلبوا منك المساعدة، حتى وأنت في قمة انشغالاتك تهب لنجدتهم، ولمواساتهم، ولكفّ دموعهم، ولا تنتظر جزاء ولا شكوراً.

ولأنك حساس جداً، تنتقي كلماتك بشكل دقيق؛ لذا تصمت أمام عصبية أحدهم، وتتحمل جنون الآخر، تقدر ظروفه، ولا تحمل كلامه على محمل الجد، ولا تجيب حتى لا تجرحه، أو توجعه دون قصد.

ولأنك حساس جداً، قد يبكيك ببساطة نفس المشهد في فيلم تعيد رؤيته للمرة الخامسة، أو حتى العاشرة، وقد تتأثر لموت شخص لا يقربك، ولا يمت لك بصلة، وقد يجافيك النوم وينشغل بالك بسبب أزمة يمر بها صديق، أو مرض ألم بقريب… كل هذا لا يعني أبداً أنك كئيب وتعشق مشاهد الحزن، وتخلق الدراما من لا شيء، كما يصفونك.

لأنك حساس، أنت لا تتقبل التعقيد في العلاقات، ولا التمثيل في المشاعر، ولا الخطط، ولا الأقنعة، فأنت من هواة الخط المستقيم في كل شيء.
وفقط لأنك حساس جداً تعطي وتعطي ولا تنتظر المقابل، لكن تفضل الابتعاد حين تشعر أن المكان لم يعُد مكانك.

لأنه بما أنك حساس جداً، فلديك رادار خفي يخبرك أن هناك تغييراً ما حين يؤكدون أن كل شيء على ما يرام، فتجد نفسك بين خيارين؛ إما أن تتقبل وتكتم بداخلك ويستمر الآخر في استغبائك واستغلالك، أو أن تواجه، فيقال عنك: أنت فقط حساس جداً.

ولأنك حساس جداً، موقف بسيط يفرحك، وموقف أصغر قد يبكيك، تقدر الاهتمام جداً، ولا تنسى من ساندك يوماً ما، بل تحمل الجميل فوق رأسك، وتضعه نصب عينيك، وتصبر كثيراً، وتتغاضى أكثر، لكن حين تقرر أن تبتعد، فلن تلتفت وراءك مهما بلغت درجة ألمك، وتقطع كل حبال الوصل.

كل هذا وأكثر ليس لأنك مزاجي جداً؛ بل لأنك ببساطة إنسان جداً.

الشخص الذي يعاني من الحساسية المفرطة ليس ضعيفاً قليل الحيلة، وليس ملاكاً لا يخطئ، ولا غبياً، هو واحد منا، أنا أو أنت، أو شخصٌ يقربنا: أخوك سندك الذي مهما غضب عليك تجده بجانبك، أختك الطيبة الحساسة هي مرآتك التي تكشف لك كل أخطائك؛ لأنها فقط تريدك أن تكون الأفضل، صديقك الصدوق الذي تتأثر كل حياته؛ لأنك تمر بأزمة ويعادي كل مَن يعاديك، وغيرهم كثيرون،

هؤلاء الناس مثل أعلى في الشهامة والرقي، في المشاعر والمواقف، هم أنفسهم أولئك الأشخاص الذين يعتذرون كثيراً؛ لأنهم يدركون قيمة الاعتذار، ويشكرونك بأكثر من طريقة؛ لأنهم يقدرون المعروف، فحينما يمرون بضيق لا يجدون أحداً بقربهم، وحين يدخلون في دوامة الاكتئاب لا يخرجون منها بسهولة؛ لأنهم ببساطة لا يتكلمون، لا يشتكون، ويعتبرون أي طلب للمساعدة أمراً ثقيلاً صعباً، فيه إزعاج للآخرين.. فلا يشعر بهم أحد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد