حين تطوعت لخدمة اللاجئين اللبنانيين

كان ذلك في صيف حارق في المدينة الجامعية بحلب، كنت حينها طالباً في العطلة الصيفية التي تلي امتحانات الفصل الثاني، كان هناك عدد قليل جداً من الطلاب الذين يقدمون امتحانات الدورة التكميلية الثالثة، وبعضهم لا يزال يقيم في المدينة الجامعية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/13 الساعة 00:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/13 الساعة 00:42 بتوقيت غرينتش

كان ذلك في صيف حارق في المدينة الجامعية بحلب، كنت حينها طالباً في العطلة الصيفية التي تلي امتحانات الفصل الثاني، كان هناك عدد قليل جداً من الطلاب الذين يقدمون امتحانات الدورة التكميلية الثالثة، وبعضهم لا يزال يقيم في المدينة الجامعية.

قررت حينها باندفاع إنساني أن أقدم شيئاً للاجئين الذين بتنا نراهم على الشاشات، وسمعت عن مركز لاستقبالهم أُقيم في المدينة الجامعية، وإلى هناك توجهت، التقيت صدفة بصديق سبقني، وانضممت له لأعمل من الصباح حتى المساء دون استياء أو تعب، وكيف يتعب مَن يستمع عبر مكبرات الصوت لجوليا بطرس تصيح: "يا ثوار الأرض"، وتارةً أخرى تصيح: "منرفض نحنا نموت"، و"نحنا الثورة والغضب نحنا أمل الأجيال"، و"قاوم فيداك الإعصار"، كان ذلك في ذروة سنام شعبية المقاومة وحزب الله، الذي يخوض حرباً ضد العدو الإسرائيلي.

عملت في عدة مهام كـ"مساعد" في كل مرة، حتى إنني عملت في تنزيل الصناديق الإغاثية وتحميلها، فمرة كنت أسجل أسماء العوائل الواصلة حديثاً وبعدها لهم حرية البقاء أو المغادرة لأقرباء، أو لبيت استأجروه، ولهم أيضاً حرية تسلّم سلة إغاثية أو عدم تسلّمها، ومرة أخرى عملت بتسليم مفاتيح بيوت من أهالي حلب وتسجيل عنوان البيت ووضعه ورغبة صاحب البيت بالعدد الذي يريده، فبعضهم كان يريد عائلة واحدة، وبعضهم لا يمانع بأن يستخدم بيته من أكثر من عائلة.

بعضهم كان لا يسكن هذا البيت مثل أن يكون هذا لبيت مزرعة في خان العسل لا يزورها إلا في العطلات للاستجمام، وبعضهم خرج مع عائلته؛ ليسكن عند والديه في بيت العائلة؛ ليترك بيته لعائلة لبنانية نازحة.

نعم نازحة، فلم نكن حينها نستخدم تعبير "لاجئين"، ليس مئات بل ألوف البيوت، حتى إن الكثير كان يأتي بالحافلات لكي يقلهم من المركز حتى البيت بيده.

كل مَن سكن المدينة الجامعية بحلب يعرف كيفية هندسة أبنيتها، فبدخولك للبناء الذي يسمى بالوحدة السكنية، ستطالعك صالتان عن يمينك وشمالك تدعيان "صالات المطالعة أو الدراسة"، قمنا حينها بإفراغها من المقاعد، وحولناها لسوبرماركت مجاني للقادمين كان يتوافر فيها حتى علب الدخان "الكوتا" بشكل مجاني، وهي أفخر أنواع التبغ في سوريا.

وأعرف أن كثيراً من أهل حلب كانوا يظنون أن المدينة الجامعية كانت لإسكان هؤلاء النازحين، ولكن ذلك غير صحيح، فهي كانت مجرد مركز استقبال وتوزيع إغاثي، أما السكن فلم يسكن أحد في غرفها الضيقة سوى الشباب الوحيدين دون عوائل؛ حيث إن العوائل كلها سكنت في بيوت ولم تنصب لهم خيمة واحدة.

اللبنانيون القادمون كان معظمهم من الجنوب، وبعضهم من بيروت، ومناطق أخرى، ولم نكن ننتبه أو نسأل عن انتماء هذا اللبناني أو ذاك، أو عن طائفته وحتى انتمائه السياسي.

كانت لجنتي التي تطوعت بها تحوي كلا الجنسيتين من متطوعين سوريين ولبنانيين، وبحكم أنني أنتمي لإحدى القرى في إدلب، فإن لهجة قريتي تشبه لحد كبير لهجة بعض قرى لبنان في الجنوب، فكنت أتحدث بها لقربها بلهجتهم.

تعرضت بسبب حديثي بها حينها لموقف محرج، ففي أحد الأيام وقد كنا نجتمع عصراً بعد تعب وجهد، تحديداً بالفترة التي تلي توزيع الوجبات الجاهزة لكل الحاضرين، هناك كنا نجتمع عصراً في مجموعات شباب وفتيات خارج الوحدة السكنية ندخن ونرتاح في الهواء والظل من الحر الشديد، انقسام المجموعات يتم بشكل عشوائي، فانضممت لإحدى الحلقات التي تحوي لبنانيين نازحين ومتطوعين ولا يوجد سوري غيري، لم تعرف المجموعة كلها أنني سوري حين بدأت إحدى اللبنانيات النازحات بشتمنا كسوريين، وأننا السبب في هذه الحرب، وكيف أننا ورطناهم ليتلقوا القصف ولم نحرك ساكناً.

حاول العديد من الجالسين تدارك الموقف والدفاع لكنها في كل مرة كانت تزداد حدة، إلى أن قال لها أحد المتطوعين: إن هذا سوري وهو قد تطوع لمساعدتنا، ليس لمدحي طبعاً بل لإيصال الفكرة لها لتتوقف، حينها سكتت لبرهة ثم بدأت بالبكاء والاعتذار، وأن ما مرت به يجعلها تقول ذلك وأكثر، فهي لم تستطع القول إنها تقصد الحكومة أو الرئيس، فهذا يخيفها أكثر، وهنا بادرتها أنا بالاعتذار، وكشاب صغير حاولت أن أوصل لها فكرة كيف أننا كسوريين لا ذنب لنا فيما يحصل، ولا نمتلك قراراً لتغييره!

مضت الأيام وتوقفت الحرب وعادوا بجموع غفيرة من الحدود لبلادهم، وفي أثناء عودتهم قاموا برمي الحجارة على العساكر السوريين، وأصابوا العديد منهم، كانوا جميعاً من الجنوب، ويكرهون النظام السوري، ويعرفون أنه هو مَن ورّطهم بحرب لا قِبَل لهم بها، كان ذلك حينها، أما اليوم فلا أفهم لماذا يقفون إلى جانب هذا النظام الذي كرهوه حينها؟!

إلى تلك السيدة اللبنانية: إذا كنت تقرئين هذه الكلمات، أود أن أكرر لك اعتذاري عن ذنب لم نقترفه، وأخبرك أننا كسوريين ما زلنا لا ذنب لنا فيما يحصل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد