هل يعتبر تلفزيون الواقع نموذجاً مشروعاً من الفنون؟

تبني عروض تلفزيون الواقع مواقف تسبر أغوار النفس البشرية، فما الذي يحدث إذا وجد اثنان، يكره كل منهما الآخر، أنهما محبوسان في غرفة سوياً؟ وكيف سيكون رد فعل ملكة الجمال عندما تسرق البطة القبيحة رجلها؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/13 الساعة 01:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/13 الساعة 01:05 بتوقيت غرينتش

تبني عروض تلفزيون الواقع مواقف تسبر أغوار النفس البشرية، فما الذي يحدث إذا وجد اثنان، يكره كل منهما الآخر، أنهما محبوسان في غرفة سوياً؟ وكيف سيكون رد فعل ملكة الجمال عندما تسرق البطة القبيحة رجلها؟

وفي الوقت الذي قد تكون سيناريوهات هذه العروض شبه مكتوبة أو حتى منظمة برمتها داخل إطار مسرحي، أليس حرياً بالاحتمالين السابقين وحدهما أن يجعلاها أقل مصداقية من أي عمل خيالي؟ وإن لم يكن كذلك، لماذا ينظر معظم الناس إلى برنامج تلفزيون الواقع "الأخ الأكبر" (Big Brother) على أنه عملٌ أقل فناً من رواية 1984 للكاتب جورج أورويل؟

يمتلك كل منا تعريفه الخاص لما يرى أنه يمكن أن يؤسس فناً، ولذا فإن السؤال القائل: "ما هو الفن؟" لا يستوجب الإجابة عليه حقاً. إلا أن السؤال الذي يقول "ما هو الفن الجيد" قد يكون ملائماً أكثر.

أرى أن الفن في ذاته ليس سوى ضرب من الإبداع، وفي الوقت ذاته يستحضر "الفن الجيد" شعوراً كامناً داخلي.

وعلى الرغم من أنني أمقت الاعتراف بهذا، فإن تلفزيون الواقع خليقٌ بأن يفعل ذلك تماماً، على الرغم من أن جميعها لا تنطلي عليّ بسهولة، فحتى أنا يمكنني أن أشعر بالعاطفة خلال لقطات المونتاج لبرنامج "ذا إكس فاكتور"، أو بالغضب من أقرب صديقة للورين كونراد، بطلة برنامج "لاجونا بيتش: ذا ريل أورنج كونتري" الواقعي، عندما كانت تغازل خليل صديقتها.

إننا نشاهد تلفزيون الواقع وتعترينا فكرة مسبقة من عدم التصديق، كما نستوعب ونعترف بأن الشخصيات الميلودرامية والممتلئة بالنشاط والإثارة يمارسون لعبة مصغرة من جراء سعيهم البائس وراء تحقيق الشهرة.

ولا يبالي أحد بالشخصيات المبالغ فيها، والإطار الدرامي، والتلاعب الذي يتم خلف الكواليس؛ إذ إننا لسنا ساذجين، لكننا ببساطة لا نجد الإثارة في الحقيقة.

ولكن لماذا حقاً تثير لدينا هذه العروض ردَ فعلٍ عاطفياً؟
يُعرف تلفزيون الواقع في جوهره بأنه تعبيرٌ عن الحقيقة؛ لذا فهو لا يختلف كلياً عن إحدى اللوحات السيريالية؛ رغم أن عالم الإبداع من المحتمل ألا يُقدّر ما نقول إن بدأت مقارنة أعمال بيكاسو بالتوأم جدوارد.

بيد أنه تماماً مثلما تنبثق الشخصيات الخيالية الجيدة من القوالب النمطية المتصاعدة وتيرتها، فإن تلفزيون الواقع الجيد هو الذي يكشف جميع الآراء والسمات الشخصية المحرجة التي نميل إلى الاحتفاظ بها داخلنا، على الأقل يميل الجزء "ذو الوعي الاجتماعي" داخلنا إلى اتباع ذلك؛ لذلك بينما نحن نحقر من نجوم عروض تلفزيون الواقع، فإنهم يجعلوننا نشعر أننا طبيعيون.

سوف يستمر تلفزيون الواقع في النمو

تحولت برامج تلفزيون الواقع إلى صناعة ضخمة، وقد استخدمت باريس هيلتون وربيبات كارديشيان منصة تلفزيون الواقع، جنباً إلى جنب مع مراكزهم الاجتماعية، كي يحشدوا إمبراطورية سوف تسيل لعاب أي رجل أعمال وراءها، وهذا يستحق الثناء.

يمكننا أن نلوي رقابنا وندير أعيننا، ونضحك، ونشعر بالاشمئزاز من أنماط حياتهن، ولكن ما يفعلونه ليس مختلفاً عما نفعله جميعاً بمواقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وتويتر، وإنستغرام. إذ إننا نوثّق حياتنا كي يراها الجميع، ثم نلوي رقابنا عندما يفعل الآخرون على التلفاز مثلما نفعل تماماً، ونشعر بالغضب من أنهم يستغلون الشهرة في إدرار المال.

على الرغم من أن كثيرين منا يأملون أن تكون عروض تلفزيون الواقع برمتها مجرد موضة عابرة، فالحقيقة ليست مقصورة على أنها أكبر من أي وقت سابق وحسب، بل إن البيئة الرقمية تخلق تربةً خصبةً لهذا السبيل.

أعلنت شركة إيه تي آند تي الأميركية للاتصالات في العام الماضي عن استراتيجية جديدة لنشر التلفاز في كل مكان، تهدف إلى إتاحة المحتوى على جميع المنصات (عبر الشبكات اللاسلكية، والأقمار الصناعية، وكابلات الحزم العريضة).

سيتيح ذلك التقاط صور من برنامج الواقع المفضل لديكم على مدار اليوم، وبدون الحاجة إلى تلفاز أو إلى تثبيت مؤشر التلفاز على محطة معينة في وقت محدد؛ وهو شيء من قبيل ألف ضعف مما يُعرض في برنامج "الأخ الكبير".

وهذا هو ما نحن مقدمون عليه، في ظل خدمات البث، مثل البث الحي من فيسبوك، وإمكانية الدخول إلى المحتوى عبر الجوال على مدار الساعات الأربع والعشرين من اليوم، لن يقتصر تلفزيون الواقع على برنامج "غوغل بوكس".

وفي واقع الأمر لم تعد كلمة "تلفزيون" الواقع مناسبة بعد الآن؛ إذ سيكون من الأنسب تسميتها "جوال" الواقع، أو "البث" الواقعي، أليس كذلك؟

يمتلك تلفزيون الواقع قراءةً متماسكة للثقافة المعاصرة

يعتبر تلفزيون الواقع في الغالب أدنى أشكال التسلية التلفزيونية، لكنه حقاً قوةٌ لا يمكن إيقافها بتأثيرها الكبير على المجتمع، فعندما أجرت شركة الاستفتاءات البريطانية Into the Blue استفتاءً سألت فيه 1000 مراهق يبلغون من العمر 16 عاماً "ما الذي تريد أن تفعله في مسيرتك المهنية؟"، أجاب 56% منهم بأنه "يرغب أن يصير نجماً"، وتضمنت هذه النسبة 25% يقولون إنهم يأملون أن يصلوا إلى غايتهم عبر أحد عروض تلفزيون الواقع.

فضلاً عن ذلك، سجلت نسبة 70% من السكان متابعتهم لتلفزيون الواقع (ولاحظ عبارة "سجلت")، ودعونا لا ننسَ قائد العالم الحر، الرئيس ترامب، الذي يدين بالفضل في جزء كبير من شهرته إلى ظهوره في برنامج "المتدرب" (The Apprentice).

وسواء كنت تحب هذه العروض أو تمقتها، فلا يمكن إنكار حقيقةٍ مفادها أن تلفزيون الواقع لديه قراءة متماسكة للثقافة المعاصرة، بل وربما يكون ذلك بدرجة أكبر من أي صورة أخرى.

وفي الواقع، لن نكون مبالغين إذا قلنا إنه قد غيّر العالم.. ومن المؤكد أن ذلك يعطيه مشروعية، أليس كذلك؟

– هذه التدوينة مترجمة عن النسخة البريطانية لـ "هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد