يبقى أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي خسر، الأحد 9 يوليو/تموز 2017، معقله العراقي في الموصل، متوارياً عن الأنظار منذ ثمانية أشهر، ما دفع أنصاره إلى تسميته بـ"الشبح" لندرة ظهوره.
وفي 16 يونيو/حزيران الماضي، أعلن الجيش الروسي قتل البغدادي على الأرجح في سوريا، بغارة شنَّتها طائراته على اجتماع لقياديي التنظيم بالقرب من الرقة بشمال سوريا، في 28 أيار/مايو الماضي. لكنه أشار لاحقاً إلى أنه يواصل التحقق من مقتله، فيما لم يؤكد أي مصدر ثانٍ ذلك.
ومنذ العام 2014، سرت شائعات ومعلومات كثيرة عن مقتل البغدادي، لكن لم يتم تأكيدها.
وكان الظهور العلني الوحيد للبغدادي، في يوليو/تموز 2014، لدى تأديته الصلاة في جامع النوري الكبير بغربي الموصل، حيث بدا خطيباً ذا لحية كثة غزاها بعض الشيب، مرتدياً زياً وعمامة سوداوين. وأعلن حينها إقامة "الخلافة" في مناطق واسعة من العراق وسوريا.
وفي حين يترنَّح التنظيم أمام الهجمات العسكرية في العراق وسوريا، لم يتم العثور على من نصَّب نفسه "خليفة"، الذي رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 25 مليون دولار لمن يساعد في الوصول إليه.
ولم يظهر البغدادي أي مؤشر حياة بعد التسجيل الصوتي الذي بثه له التنظيم، في نوفمبر/تشرين الثاني، بعيد انطلاق عملية استعادة الموصل، الذي دعا فيه مقاتليه إلى "الثبات" و"الجهاد حتى الشهادة".
وأفادت تقارير أنه يمكن أن يكون زعيم التنظيم الجهادي غادر الموصل بداية العام الحالي، باتجاه الحدود العراقية السورية.
ويقول الباحث في مجموعة "صوفان غروب"، باتريك سكينر "من اللافت أن يكون زعيم أكثر تنظيم إرهابي إدراكاً لأهمية الصورة، مقلاً جداً فيما يتعلق بدعايته الخاصة".
ويتناقض هذا التصرف السري مع ذاك الذي كان ينتهجه أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، ومعلم الجهاديين خلال العقد الماضي (2000-2010).
"مخطط سري"
وذكرت الصحفية صوفيا أمارا، في فيلم وثائقي أعدَّته عن البغدادي، أن اسمه الحقيقي إبراهيم عواد البدري، مشيرة إلى أنه كان "انطوائياً وغير واثق من نفسه".
ولد البغدادي في العام 1971 لعائلة فقيرة في مدينة سامراء شمال بغداد. وهو متزوج من امرأتين، أنجب أربعة أطفال من الأولى وطفلاً من الثانية. ووصفته إحدى زوجتيه بأنه "رب عائلة طبيعي".
وكان البغدادي مولعاً بكرة القدم، ويحلم بأن يصبح محامياً، لكن نتائجه الدراسية لم تسمح له بدخول كلية الحقوق.
وأبدى أيضاً طموحاً للالتحاق بالسلك العسكري، لكن ضعف بصره حال دون ذلك، لتقوده الأمور في نهاية المطاف إلى الدراسات الدينية في بغداد.
وذكرت أمارا أن البغدادي "يعطي انطباعاً بأنه رجل غير لامع، لكنه صبور ودؤوب". وأضافت: "بدا أن لديه رؤية واضحة جداً حول ما يريد، والتنظيم الذي يريد تأسيسه".
وكان دخول البغدادي إلى سجن بوكا الواقع على بُعد عشرات الكيلومترات من الحدود العراقية الكويتية، نقطة حاسمة في حياته.
فقد اعتقل البغدادي الذي كان شكَّل مجموعة جهادية ذات تأثير محدود لدى اجتياح العراق في العام 2003، في فبراير/شباط 2004، وأودع في سجن بوكا الذي كان يؤوي أكثر من 20 ألف معتقل.
وكان السجن يضم معتقلين من قادة حزب البعث في عهد صدام حسين وجهاديين سنة، وتحول فيما بعد إلى "جامعة الجهاد".
وأوضحت أمارا أن الجميع "أدركوا تدريجياً أن هذا الشخص الخجول الذي لم يكن شيئاً، أصبح عقلاً استراتيجيا في النهاية".
"دين القتال"
وبعد إطلاق سراحه، في ديمسبر/كانون الأول 2004، لعدم وجود أدلة كافية ضده، بايع البغدادي أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقود مجموعة من المقاتلين السنة تابعة لتنظيم القاعدة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2005، أعلنت الولايات المتحدة أن قواتها قتلت "أبو دعاء"، وهو اسم حركي كان يعتقد أن البغدادي يستخدمه.
لكن تبيَّن أن هذا الأمر لم يكن صحيحاً، بما أن البغدادي تسلم مسؤولية "دولة العراق الإسلامية"، في مايو/أيار 2010، بعد مقتل زعيمها أبو عمر البغدادي، ومساعده أبو أيوب المصري في غارة جوية عند الحدود السورية العراقية.
وتمكن البغدادي بعد ذلك من تعزيز موقع الجهاديين في العراق. وتحت قيادته، أعادت هذه المجموعة تنظيم صفوفها، وتحولت في العام 2013 إلى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، بعدما استغل الجهاديون النزاع في سوريا المجاورة، قبل أن يشنوا هجومهم الواسع في العراق في السنة التالية.
وأعلن التنظيم، في يونيو/حزيران 2014، إقامة "الخلافة الإسلامية" بعد نحو ثلاثة أسابيع من هجوم كاسح سيطر خلاله على مناطق واسعة في شمالي العراق وغربيه وفي شمالي سوريا وشرقيها.
وفي تسجيل صوتي تم بثّه، في 14 مايو/أيار 2015، دعا المسلمين إما إلى الانضمام إلى "الخلافة" وإما إلى "الجهاد" في بلدهم. وأكد أن "الإسلام ما كان يوماً دين السلام. الإسلام دين القتال".