نقص الهيليوم القطري يهدد صناعات حساسة بالعالم ويقلق الدول.. هكذا تخطط الدوحة لإعادة تصديره بعد فرض الحصار

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/09 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/09 الساعة 12:50 بتوقيت غرينتش

لماذا يبدو العالم قلقاً لهذه الدرجة جرَّاء نقص الإمدادات من غاز الهيليوم، جراء الحصار الذي فرضته السعودية وحلفاؤها على دولة قطر، التي تنتج نحو ربع الإنتاج العالمي من هذا الغاز، وهل تعود الدوحة لتصدير هذا الغاز الثمين؟

يتمتع الهيليوم بقدرتين مميزتين، فهو عنصر خفيف للغاية، ويمكن تبريده لدرجة حرارة منخفضةٍ جداً دون أن يتجمَّد.

وهناك حاجة لهذا العنصر بشكلٍ كبير لهذه الأسباب، لاستخدامه في كل الأشياء تقريباً: أشباه الموصلات، ووقود الصواريخ، وأقراص الكمبيوتر الصلبة، ومصادم الهدرونات الكبيرة، والمغناطيس في آلات التصوير بالرنين المغناطيسي، والمناطيد، وخزانات الأكسجين للغوص، واللحام القوسي، وأي شيءٍ آخر يحتاج إلى أن يكون فائق البرودة، إضافة للبالونات أيضاً بالطبع، حسب مجلة ذي أتلانتيك الأميركية.

وقطعت السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين العلاقات الدبلوماسية وخطوط النقل مع قطر، في مطلع يونيو/حزيران 2017، متهمة إياها بدعم الإرهاب، وهو ما تنفيه الدوحة.

وفي بداية الأزمة، أعلن أن قطر، ثاني أكبر منتج للهيليوم في العالم، أغلقت مصنعيها لإنتاج الهيليوم بسبب المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها عليها بعض الدول العربية.

وقال مسؤول في قطر للبترول لرويترز آنذاك، إنه تم إغلاق مصنعي الهيليوم اللذين تشغلهما راس غاز، التابعة لقطر للبترول، المملوكة للدولة، لأن السعودية أغلقت حدودها مع قطر، وهو ما يمنع الصادرات بطريق البر.

وتبلغ الطاقة الإنتاجية الإجمالية للمصنعين ما يقرب من ملياري قدم مكعبة قياسية سنوياً من الهيليوم السائل، ويمكنهما تلبية نحو 25% من إجمالي الطلب العالمي على الهيليوم، وفقاً لموقع راس غاز على الإنترنت.

أخطر من البالونات

عندما حدث نقصٌ في الهيليوم بين عامي 2006 و2007 وبين عامي 2011 و2013، أمتدت عواقب ذلك النقص لأبعد من حفلات أعياد الميلاد.

ولفت تقرير "ذي أتلانتيك" إلى أن الهيليوم لا ينفد فعلياً من الأرض، لكن اختلال توازنات السوق، خاصةً فيما يتعلق باحتياطي الحكومة الأميركية من الهيليوم، تسبَّب في هذا النقص.

لكن، لحسن الحظ، حدثت الانفراجة سريعاً. وذلك ببدء الإنتاج من المصانع الجديدة لإنتاج الهيليوم في قطر، وتحولت هذه الدولة العربية سريعاً من إنتاج كميةٍ صغيرة إلى إنتاج 25% من إنتاج الهيليوم العالمي في 2016.

وتُعد قطر الآن في قلب أزمةٍ إقليمية، يبدو أنها حدثت لأسبابٍ كثيرة مختلفة لا تتضمن الهيليوم. ومع ذلك فقد أثرت هذه الأزمة على سلسلة إمدادات الهيليوم القادمة من الدوحة.

وتُرسل قطر عادةً إمداداتها من الهيليوم براً عبر السعودية لميناءٍ كبير في الإمارات، ومنه يُرسَل الهيليوم إلى سنغافورة، ثم إلى المصانع والمعامل في جميع أرجاء العالم. وقطعت السعودية والإمارات الطريق البري مع قطر كجزءٍ من النزاع.

كيف ستعود قطر لتصدير الهيليوم؟

أصبح الأمر سيئاً، ولأنَّ نقل الهيليوم أصبح صعباً، علَّقت الدوحة إنتاج الهيليوم، في أوائل شهر يونيو/حزيران 2018، وقال فيل كورنبلوث، المستشار بصناعة الهيليوم، إنَّ قطر استأنفت الإنتاج تقريباً في الثاني من يوليو/تموز 2017، وإنَّ نقل الهيليوم سيتم في الأغلب عبر طريقٍ أكثر تعقيداً وتكلفةً من ميناءٍ في سلطنة عمان.

والأكثر من ذلك هو أنَّ الأمر سيستغرق بضعة أسابيع إضافية ليعود إنتاج الهيليوم لمستواه الطبيعي بسبب الأمور اللوجستية المتعلقة بإعادة أسطوانات الهيليوم السائل الخاصة إلى قطر، وتبريدها ببطء قبل أن يمكن استخدامها مرةً أخرى.

وقال كورنبلوث: "الشيء الذي يبرزه هذا الأمر حقاً هو أنَّ سلسلة إمداد الهيليوم، حتى حين يكون الإنتاج وافراً عندما يكون كل شيء على ما يرام، غير مرنة وهشة". وهذه التحديات في التعامل مع الهيليوم السائل، وحقيقة أنَّه يُصنَّع فقط كمنتج ثانوي من الغاز الطبيعي في أماكن قليلة في العالم، تجعل من الهيليوم منتجاً من الصعب الحصول عليه. ورغم أنَّ قطر استأنفت إنتاج الهيليوم مرةً أخرى، فإنَّ الأزمة السياسية لم تنته بعد. وكان الأمر بمثابة تحذير، وفقاً لمجلة ذي أتلانتك.

هل يمكن إنتاج هيليوم دون غاز طبيعي؟

وكان القائمون على صناعة الهيليوم يحاولون جاهدين جعل إمداد الهيليوم عمليةً أكثر استقراراً. وقد يعني ذلك الفصل بين إنتاج الهيليوم واستخراج الغاز الطبيعي. ويشكل الهيليوم كميةً ضئيلة من الغاز الطبيعي.

ورغم أنَّ الغاز الطبيعي القطري لا يحتوي تحديداً على تركيزاتٍ عالية من الهيليوم (0.05%)، فإنَّ البلاد تنتج كميةً كبيرة من الغاز الطبيعي، لدرجة أنَّها جمَّعت كمياتٍ من الهيليوم الثانوي تكفي لبدء عملٍ تجاري ثانوي منتظم بجانب صناعة الغاز الطبيعي.

وتستخرج الولايات المتحدة الأميركية، أكبر منتجٍ للهيليوم في العالم قبل قطر، الهيليوم من حقول الغاز الطبيعي في جميع أنحاء ولاية تكساس.

وكون الهيليوم منتجاً ثانوياً للغاز الطبيعي يجعل من الصعب على موردي الهيليوم الآخرين زيادة إنتاجهم عندما يطرأ شيءٌ ما مثل أزمة الخليج. فإنتاج كمية أكبر بقليل من الهيليوم يتطلب إنتاج الكثير من الغاز الطبيعي، ولن تُقدِم شركات الطاقة على أمرٍ مُماثل من أجل تجارة الهيليوم الثانوية بالنسبة لها.

ولأجل هذا السبب كانت صناعة الهيليوم متحمسةً بشأن الاكتشاف الأخير لاحتياطي هائل من الهيليوم في تنزانيا. وليس لهذا الاكتشاف أي علاقة بالغاز الطبيعي، ولكن يُمثل الهيليوم 10% منه، بينما يُشكل النيتروجين كل المتبقي.

وقد أُنشِئت شركة تُسمَّى "هيليوم وان" للاستفادة من ذلك الاحتياطي. ويقول توماس أبراهام جيمس، المدير التنفيذي للشركة: "نظراً لأنَّ الموقع يحتوي على هيليوم نقي، يمكننا أن نساهم في تخفيف أزمات إمدادات الهليوم في العالم"، مضيفاً أنَّه في حال اشتعلت أزمةٌ سياسية في الشرق الأوسط أو أغلقت شركة إكسون موبيل الأميركية مؤقتاً مصنعها للهيليوم في الولايات المتحدة للصيانة، يُمكن أن تتدخل شركته لتوفير الهيليوم.

كيف يمكن إعادة تدوير الهيليوم؟

علَّمت أزمات نقص الهيليوم السابقة المستخدمين أيضاً الحفاظ على الهيليوم. ويقول ريتشارد كلارك، المستشار في صناعة الهيليوم، إنَّ "السياق الحالي هو القلق وعدم الاستقرار في السوق".

وبدأت المعامل، على سبيل المثال، في إعادة تدوير الهيليوم. ويميل الهيليوم إلى الارتفاع في الهواء، لكن بالإمكان استعادته بواسطة أنظمة التهوية. ويشير كلارك إلى أنَّ صُنَّاع أجهزة الرنين المغناطيسي، والتي تتطلب الهيليوم السائل لجعل المغناطيس الخاص بها بارداً بما يكفي ليصبح فائق التوصيل، يمكنهم أيضاً استعادة الهيليوم عندما يجري التخلص من الماكينات القديمة. فهذا العنصر (الهليوم) أهم بكثير من أن يتم التخلص منه بعد استخدامه.

ويُمثل الانقطاع في إنتاج الهيليوم في قطر، في السياق الأكبر لما يجري، مجرد جزءٍ صغير وغير متعمد من الأزمة السياسية الراهنة. لكنَّ سلسلة إمداد عنصرٍ واحد فقط تؤثر على الكثير من الصناعات، مثل الطاقة، والطب، والإلكترونيات، والصواريخ. ويمكن للعواقب أن تتخطى بكثير منطقةَ الخليج.

تحميل المزيد