في وقت يبدو أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، يتجه لوأد بقايا الثورة السورية وإحكام سيطرته على البلاد ، فإن ثمة نبأ بعينه يمكن أن يثير قلقه؛ إذ ستتولَّى قاضيةٌ فرنسيةٌ مخضرمة مهمة إعداد الأدلة التي قد تدين نظامه وتقدِّم الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبها، بعد 6 أعوام من الجرائم الشنيعة في سوريا، والتي وُثِّقَت باستفاضةٍ من قِبَل مُحقِّقين متخصصين.
واختار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، القاضية كاثرين مارشي أويل على رأس الفريق الدولي الجاري تأسيسه بمدينة جنيف في سويسرا، والذي سيجمع أدلة الجرائم ويحفظها لتستخدمها المحاكم أو المحكمة الدولية.
وقال تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إنه من المُتوقَّع أن تتضمَّن المعلومات التي ستقع تحت تصرف الفريق الدولي قائمةً أعدَّتها بعثة تقصِّي الحقائق الدولية بأسماء الأشخاص المُتَّهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومن المُؤكَّد أن تتضمَّن القائمة اسم بشار الأسد نفسه وبعض الشخصيات البارزة في حكومته، حسب الصحيفة.
وتعمل القاضية الفرنسية حالياً وسيطة في اللجنة التابعة لمجلس الأمن الدولي والمسؤولة عن تنظيمي "داعش" و"القاعدة".
وقد تم تشكيل هذا الفريق، الذي ستقوده القاضية الفرنسية، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2016 باسم فريق خاص "لجمع الأدلة وتعزيزها والحفاظ عليها وتحليلها"، ومن مهامه كذلك، الإعداد لقضايا بشأن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال الصراع في سوريا.
وحصل القرار آنذاك على تأييد 105 أعضاء، واعتراض 15 عضواً، وامتناع 52 عن التصويت. وسيعمل الفريق بالتنسيق مع لجنة الأمم المتحدة للتحقيق المعنية بسوريا، وقوبل القرار في ذلك الوقت بانتقاد روسيا وإيران، حليفتي سوريا.
وقبل ذلك، وفي عام 2011، أنشأ مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة ومقره جنيف، لجنة الأمم المتحدة للتحقيق المعنية بسوريا؛ لتحري احتمال حدوث جرائم حرب.
وقالت هذه اللجنة إن لديها قائمة سرية بأسماء أفراد من كل الأطراف، يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. ودعت مراراً مجلس الأمن الدولي لإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وفي 2014، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو)؛ لمنع محاولة من القوى الغربية لإحالة الصراع بسوريا إلى المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي.
لماذا أثار اختيارها دهشة المراقبين؟
ولفتت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن اختيار كاثرين أثار دهشة بعض الخبراء بمجال حقوق الإنسان؛ إذ كانوا يظنون أنه سيجري استبعاد المواطنين التابعين للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن والدول المنضمة إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وقال الخبراء إن روسيا، أو ناقدين آخرين للتحقيقات ضد جرائم الحرب بسوريا، قد يُشكِّكون في حيادية شخص قادم من دولةٍ مثل فرنسا بما أنها عضو دائم في مجلس الأمن وطرف بالصراع القائم.
لكن بعض الدبلوماسيين وأشخاصاً آخرين أشادوا بقرار تعيين محاميةٍ بخبرة كاثرين الدولية الواسعة؛ إذ كانت مستشارة قانونية للمحكمة الدولية في يوغسلافيا سابقاً، وعملت قاضيةً بمحكمة جرائم الحرب، المدعومة من الأمم المتحدة، في كمبوديا، والتي أدانت الجرائم التي ارتُكبت في أثناء حكم الخمير الحمر هناك. أما في فرنسا، فقد عملت بإحدى المحاكم التي حاكمت أخطر الجرائم، وكمستشارةٍ قانونيةٍ لوزارة الخارجية.
من يمول هذا الفريق؟
ومن المُقرَّر أن يصل عدد الفريق الدولي إلى 50 عضواً، لكن الفريق لم يحصل حتى الآن إلا على 13 مليون دولار؛ ما يُعد تقريباً نصف المبلغ المالي الذي سيحتاجه الفريق للقيام بمهامه في العام الأول.
أما المساهمات المادية لتمويل هذا الفريق، فقد جاءت من 29 دولة أوروبية، على رأسها الدنمارك وألمانيا. ومعظمُ المتبرعين دولٌ أوروبية، ولا يوجد سوى دولتين عربيتين على قائمة المتبرعين، هما قطر والكويت.
ولا تزال التحقيقات في جرائم الحرب تحشد زخماً حولها، لكن ببطء. وفي هذا الإطار، اتهمت السويد عضواً في إحدى جماعات المعارضة السورية المسلحة، وفتحت كلٌ من ألمانيا وفرنسا والدنمارك وسويسرا التحقيقات في جرائم الحرب بسوريا. وتعتزم المحكمة الوطنية في إسبانيا عقد جلسة استماع للتحقيق في قضية يُتَّهَم فيها مسؤولون بجهاز الأمن التابع لنظام بشار الأسد.
وسيُسهِّل الفريق الدولي في سويسرا مهمة المدَّعين العامِّين، ربما بتكاليفٍ أقل، بتحليل وتصنيف الحجم الهائل للأدلة المادية على الفظائع التي جمعتها الأمم المتحدة ومختلف التحقيقات الأخرى.
ويقول المحامون إن نتائج عمل الفريق لن تظهر أو تُوضَّح أمام العالم سريعاً، لكن إنشاء هذا الفريق يُعد خطوةً بارزةً وأساسية فيما يتعلَّق بالجهود المبذولة لكسر الحصانة التي تؤمِّن الحرية لمجرمي الحرب في سوريا.
وقال أندرو كلافام، أستاذ القانون الدولي بالمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف: "يبعث الفريق رسالةً لأولئك الذين يستمرون في ارتكاب الجرائم على هذه الأرض بأن العالم بأكمله شاهدٌ عليهم، وأنهم لن يستطيعوا النجاة بحياتهم ببساطة أو العيش في راحة وأمان".