مبادرة جريئة تنظم في جامعة كونستانس الألمانية، تتضمن جمع شباب متعلمين من كافة أطياف المجتمع السوري لمحاولة تأهيلهم ليصبحوا نخبة البلاد في مرحلة الإعمار، بصرف النظر عن تنوع انتماءاتهم المذهبية والسياسية، بين من يطالب بتنحي بشار الأسد وبين من يؤيده.
ويحاول أكثر من 200 سوري، في هذا البرنامج المصمم خصيصاً من أجلهم، تعلُّم أشياء جديدة، حسب تقرير لصحيفة زودويتشي تسايتونج الألمانية.
ويعيش هؤلاء الأشخاص حالةً من الانقسام الداخلي، تماماً كالتي يعيشها بلدهم سوريا.
وتوصف جامعة كونستانس بأنها جامعــــــــة النخبــــة الصغيرة، حسب تقرير لموقع دويتش فيليه الألماني.
ويقول تقرير دويتش فيليه إن ما يقدره طلاب جامعة كونستانس في جامعتهم، التي يدرس فيها عشرة آلاف طالب، أنها صغيرة وحديثة وهادئة.
ويشير التقرير إلى تميُّز الجامعة بالحلقات الدراسية الصغيرة التي تشجع على النقاش، وكذلك المكتبة التي تعمل على مدار الساعة فتفتح آفاق الفكر.
وأرادت جامعة كونستانس دائماً أن تُصنَّف في مستوى الجامعات الكبيرة. منذ البداية أطلق عليها أساتذة فيها "هارفارد الصغرى على بحيرة بودينزيه"، مع أن الأمر لا يخلو من بعض الإجحاف بحق جامعة هارفارد، التي تمتلك ميزانية ضخمة وسمعة عالمية كبيرة.
رغم ذلك هناك عدة أسباب تدفع الأساتذة للفخر بجامعتهم الصغيرة.
فقد تأسست الجامعة في عام 1966 من قبل عدد قليل من الأساتذة. ولم يقتصر الهدف حينها على إنشاء جامعة جديدة أكثر انفتاحاً في مجال البحث مقارنة بالجامعات التقليدية وحسب، بل أيضاً مؤسسة أكاديمية تعكس روح كونستانس.
وتصنف جامعة كونستانس كواحدة من جامعات النخبة في ألمانيا.
حلب
نعود لسوريا المدمرة وتحديداً لشمالها، حيث تقبع مدينة حلب التي اختفت بها مظاهر الحياة، على الرغم من شهرة جمال هذه المدينة، والقلاع التي تعود للقرون الوسطى، والبازار الأسطوري، وليالي الأنس في أزقة المدينة القديمة، حسب وصف صحيفة زودويتشي تسايتونج.
قصة أسامة مكنسي تعبِّر عن مأساة كثير من السوريين لاسيما الحلبيين.
جلّ ما أراده الشقيق الأكبر لأسامة مكنسي هو أن ينتقل من أحد أجزاء المدينة إلى جزئها الآخر. ولكن كان كل من شرق وغرب حلب في سنة 2012 منقسمين بسبب العداوة التي قسّمت سوريا. وقد أصيب برصاصة غادرة أثناء محاولته عبور الخط الفاصل، حيث توفّي في سن الخامسة والعشرين.
وبعد سنتين، سافر الشقيق الأصغر لأسامة من تركيا بغية العودة إلى مدينته. ولكنه لم يصل أبداً إلى وجهته، إذ إن عناصر ما يعرف بتنظيم الدولة "داعش" قاموا باعتقاله في شمالي سوريا، أثناء توجهه لحلب، واقْتادوه لوجهة غير معلومة.
وتم السماح لعائلته مرة واحدة برؤيته، ولم يسمعوا عنه أية أخبار منذ ذلك الوقت.
واليوم، يجلس أسامة مكنسي في المركب الجامعي بكونستانس، الذي بُني بتصميم مميز من الإسمنت والحديد والزجاج.
من على كرسيه الخشبي الذي وُضع قبالة النافذة، جلس مكنسي يشاهد المرج الأخضر أمام الجامعة.
وقال أسامة بلغة إنكليزية متعثرة: "لقد واجهت صعوبات كبيرة، ولكنني اليوم وجدت الطريق نحو الحل".
في الواقع، لا تحمل نبرة صوت أسامة بين طياتها أية ضغينة أو رغبة في الانتقام، وإنما تعكس فقط حالة الإرهاق الشديد التي يشعر بها جراء ما عايشه.
وما يفكر به أسامة حيال مسألة الانتقام يعد أمراً بالغَ الأهمية؛ نظراً لأن هذا الشاب الذي يبلغ من العمر 26 سنة، والذي يدرس علوم الكمبيوتر، يعدُّ واحداً من بين مائتيْ أفضل أكاديمي قادم من سوريا، وسيتلقّى تدريباً في جامعة كونستانس، من أجل أن يصبحوا نخبة بلادهم في المستقبل.
ملحدون وأسديون
يوجد طلبة في هذا المكان متميّزون من كل أنحاء سوريا من العرب، والأكراد، والأرمن من ديانات مختلفة. كما يوجد أيضاً بين صفوف الطلبة عدد من الملحدين، فضلاً عن سوريين مساندين لبشار الأسد، وآخرين معارضين له.
وعلى الرغم من هذا التنوع، فإن جميع هؤلاء الطلبة يتّفقون على أن مهمتهم تتمثل في إعادة بناء سوريا.
في المقابل، تُظهر أجواء اللقاء مدى صعوبة تحقيق المصالحة بين جميع الأطراف، الذي يعدُّ الهدف الحقيقي من هذه الدورة التدريبية التي يشرف عليها رئيس الجامعة وولفغانغ سيبل.
هل يعد نشْر الديمقراطية الغربية في سوريا أمراً ساذجاً؟
يقدم وولفغانغ سيبل محاضراتٍ في جامعة كونستانس، في مجال السياسة والإدارة العامة، وقد ألَّف كُتباً عديدة حول الفشل الإداري وكيفية تنظيم بعثات حفظ السلام في الأمم المتحدة.
وعندما قررت كلٌّ من وزارة الخارجية الألمانية، ولجنة التبادل الأكاديمي الألمانية وضعَ برنامج لتدريب السوريين؛ حتى يصبحوا قيادات فاعلة في بلادهم مستقبلاً، تم تكليفه هو بالإشراف على المحاولة.
ولكن ما الذي يعنيه تدريب النخبة؟ وما رأي سيبل في السياسيين الذين يسعون لفرض النموذج الديمقراطي في سوريا، التي عاشت عقوداً من الدكتاتورية المطلقة والاستبداد التام؟
بالنسبة لوولفغانغ سيبل، فإن نشر هذه الديمقراطية في الوقت الحالي هو ضرب من السذاجة، خاصة أن هذه الطريقة لم تنجح في العراق.
ولكن يبقى السؤال الذي يشغل بال سيبل هو إلى أين سيؤول الصراع في المنطقة؟ في حال اختفى كل الأشخاص المثقّفين، فإن وضع سوريا سيصبح أكثر سوءاً، بسبب الظاهرة التي يسميها العلماء هجرة الأدمغة.
لقد كانت سوريا في الماضي دولة تمتاز بمدارسها وجامعاتها، على الرغم من النظام الدكتاتوري المُستفحل فيها.
وفي سياق متّصل، يحتاج هذا البلد الذي لا يملك الكثير من النفط، إلى التعليم. كما يحتاج خاصة إلى أولئك الذين يملكون المواهب والخبرة اللازمة ليأخذوا بزمام الأمور، وليكُونوا قادة المستقبل.
وبالتالي، يُعتبر برنامج التدريب في جامعة كونستانس فريداً من نوعه.
وعلى العموم، عندما يفهم المتدرّبون البالغ عددهم 220 شخصاً معاني الديمقراطية، واليمين، واليسار، والدستور، فسيشْعر سيبل بالنجاح. وفي هذا السياق، صرَّح المُحاضر قائلاً: "نحن نعمل على مساعدة هؤلاء الشباب على بناء شيء يمكن أن يتطور في المستقبل ليصبح ديمقراطية".
ممنوع التحدّث بحرية عن الصراعات القائمة
قدّم أكثر من خمسة آلاف أكاديمي ترشيحاتهم لهذا التدريب، كان أغلبهم إما من طلبة سوريين، أو بلدان أخرى مجاورة أو أشخاص يعيشون بالفعل في ألمانيا منذ فترة بسبب الحرب الأهلية في بلدهم.
ومن النادر وجود لاجئين في جامعة كونستانس، ولكن تواجد في هذا الصباح في الحرم الجامعي الكثير من هؤلاء الشباب، بتسريحات شعرهم المنظمة وملابسهم الجديدة، مع فتيات يرتدين سراويل الجينز ويطلقن شعورهن، وأخريات يرتدين الحجاب.
وبالطبع، من المرجح أن يساعد تشكيل هذه النخبة الجديدة مستقبلاً على بناء البلاد. ولكن بحسب رأي كريستيان هولشوستر، رئيس برنامج المنح في مكتب التعاون الأكاديمي في ألمانيا، فإنه "من غير المنطقي إجبار الأشخاص على فعل شيء ما، ولذلك لا يفرض برنامج التدريب على هؤلاء الطلبة أي مقابل أو التزام مستقبلي".
درس أسامة مكنسي في حلب، ولكنه وجد نفسه غير قادر على تحمل الوضع.
يقول أسامة إنه "أصبح غير مسموح للناس بالحديث بحرية عن الصراع الدائر، وهو ما دفعني إلى الهجرة إلى تركيا والبحث عن عمل هناك. وقبل سنتين، تم السماح لي بالانضمام إلى برنامج تعليم الكمبيوتر في جامعة فرايبورغ".
عندما كان أسامة طفلاً كان يحلم بالسفر إلى الخارج، وكان معجباً بمدينة ميونيخ في مقاطعة بافاريا بجنوبي ألمانيا، ولكنه لم يكن حينها يتخيل أن حلمه سوف يتحقق في يوم ما بسبب الحرب الدائرة في وطنه.
وقال أسامة إنه "في حال سارت الأمور بشكل جيد، فإنني سأعود إلى بلدي".
ولا تزال عائلة أسامة، أو على الأقل ما تبقّى منها، تعيش في الجزء الغربي لمدينة حلب الخاضع لسيطرة نظام الأسد، حيث تعدُّ الأمور هناك أكثر أمناً مما هي عليه في الجزء الشرقي الذي كان خاضعاً لسيطرة الثوار.
وعلى الرغم من ذلك، يخشى أسامة كثيراً على عائلته، كما أن العائلة تعلق بدورها آمالاً كبيرة على أسامة.
آمال أسامة التي لم يحققها العمال المهاجرون
يبذل هذا الابن جهداً كبيراً لتحقيق النجاح في ألمانيا، حيث إنه يواظب على حضور برنامج تدريب النخبة.
ويدرس أسامة في الوقت الراهن مرحلة الماجستير في علوم الكمبيوتر، وعندما يحصل على هذه الشهادة، فإن الكثير من الشركات الألمانية سوف تعرض عليه وظيفة باعتبار أنها تبحث عن خبراء في هذا المجال.
لقد تزوج أسامة منذ وقت قصير من فتاة سورية جاءت للعيش في ألمانيا. وهما يعيشان الآن في مدينة فرايبورغ، التي تحظى بجاذبية كبيرة تجاه الأجانب بفضل ما يُعرف عنها من انفتاح وتنوع.
وتبقى فرايبورغ مختلفة جداً عن سوريا، ولكن أسامة يشعر أنه يحظى بالقبول في هذا المجتمع، ما جعله يطمح للحصول على شهادة الدكتوراه، ويريد أن يمضي مسيرته المهنية كباحث جامعي.
وفي هذا الصدد، قال أسامة: "أحلم أولا بالانْدماج بشكل تام في المجتمع الألماني، ثمّ بالعودة إلى سوريا. فخلال ستّ سنوات من الحرب الأهلية، بدأ الناس هناك يكرهون بلدهم. وفي الوقت الحالي، لا أتوقع أن تعود الأوضاع كما كانت عليه قبل الحرب".
يبدو أسامة هنا مثل كل العمال المهاجرين الذين يأتون إلى ألمانيا والذين يؤكّدون أنه "خلال السنة القادمة، سيعودون إلى بلدهم على الرغم من أنه لا أحد منهم يرغب في ترك ألمانيا في ظل الأجور المرتفعة، ليعود إلى المشاكل السياسية والأمنية".
أما باسل أيوب، فهو لا يخفي تفكيره المثالي، إذ أفاد قائلاً: "أنا أحلم بالعمل مع المنظمات التنموية في المستقبل، حيث أريد أن أسهم في بناء الدول الفقيرة".
وهذا الشاب البالغ من العمر 26 سنة درس اختصاص إدارة المياه والهندسة المائية في جامعة ديوسبورغ إيسن، وهو يشعر بفرح شديد؛ إذ إنه على وعي تام بأنه كان أوفر حظاً من مجموع 99% من الشعب السوري في بلاده.
وينحدر أيوب من منطقة فقيرة وسط سوريا، فهو يعلم جيداً معنى الفقر وغياب البنية التحتية، على غرار غياب الطرقات المعبّدة وشبكات توزيع المياه والتيار الكهربائي.
ويقول أيوب: "من خلال توفير التنمية، يمكننا تجنب الصراعات".
وقد فكَّر هذا الشاب في الحصول على فرصة عمل في بلد أجنبي، لكنه يشعر بنداء الواجب تجاه بلده الذي يحتاجه في الوقت الحالي.
وجراء الدمار الهائل الذي تعرَّضت له سوريا يصعب حصر المنازل والطرقات والمدارس التي تعرضت للقصف.
وفي هذا الإطار، أعلنت منظمة الأمم المتحدة، في مارس/آذار 2017، عن تقديرات تفيد بأن إعادة إعمار البلاد قد تكلف 350 مليار دولار، خاصة أن المدينتين الأكثر تضرراً هما حلب وحمص، وهما مدينتان كبيرتان.
وعند انتهاء الحرب، سوف تكون هناك حاجة ماسة لتوفير فرص عيش للسكّان بشكل سريع.
انقسام في صفوف السوريين بجامعة كونستانس
سيتوجب على السوريين أنفسهم تحمل المسؤولية وإعادة بناء الثقة فيما بينهم، بعد سنوات من الإعدامات العشوائية والبراميل المتفجرة التي تتساقط على المناطق السكنية، والخوف الذي سيطر على الجميع.
ولكن في جامعة كونستانس الألمانية يمكن للمرء أن يستشعر مختلف القناعات والمواقف الموجودة في سوريا.
ففي إحدى الطاولات، يدور نقاش حول كيفية تنحية بشار الأسد من السلطة. أما في إحدى الطاولات الأخرى، فيتمّ تفسير تداعيات الثورة التي أدت لإفساد الأمور.
ووقد كان لسيبل رأي حول هذا الموضوع، إذ قال: "نحن لا ننظم نقاشات حول الصراع في سوريا، ولكننا في نفس الوقت نمْنح المشاركين فرصة لخوض هذا النقاش بأنفسهم".
وفي الواقع، يُفترض أن تكون جامعة كونستانس بمثابة "المدينة الفاضلة" التي يُسمح فيها للشباب بالتحدث بمنطقية حول أوضاعهم وآرائهم.
علاوة على ذلك، يمارس المشاركون بعضَ الأنشطة الهادفة المعروفة في الندوات والدورات التدريبية، حيث يقومون بمشية البطة، التي تقوم على الوقوف في صف واحد ونقل الإشارات إلى بعضهم البعض عبر لمس الكتف.
فضلاً عن ذلك، يلعب هؤلاء المشاركون لعبة خيْط العنكبوت، حيث يقوم كل شخص بجذب طرف الخيط حتى يقوموا مع بعضهم البعض برفع بعض القطع الخشبية المتّصلة به بغية تكوين عمود طويل، إذ لن يحدث ذلك إلا عندما يشارك الجميع ويتحركون بكل تناغم وتكامل. وبالتلي، تعدّ هذه اللعبة مسلية حيث لا يخفي الشباب حماسهم وفرحتهم عند نجاحهم في المهمة.
وكلما نجحوا في إنجاز لعبة ما، يتم تقديم أخرى أكثر صعوبة، وفي كل مرة يصبح الأمر أكثر تعقيداً.
وفي فترة الظهيرة، يتم تقسيم الطلبة إلى مجموعات، ثم يذهب هؤلاء السوريون إلى مختلف أنحاء المركب الجامعي في كونستانس، حيث يبحثون على الطريق الصحيحة بين مختلف الجدران والأجنحة التي تختلف ألوانها من الأخضر إلى الأصفر والأحمر، وتوجد بها طوابق عديدة وردهات لا تؤدي إلى أي مكان، كما لو أن المهندس الذي صممها كان يرمز من خلالها إلى الوضع في سوريا، الذي يتسم بالقتامة والضياع.
وفي خط النهاية، وقف خمسة طلبة أمام لوح أسود، حيث يتوجّب عليهم كتابة شعارات سياسية.
ومن هذا المنطلق، كتب خالد: "يجب على الأسد أن يتنحى، كما نحتاج لفرض منطقة حظر للطيران، فضلاً عن تنظيم انتخابات حرة وشفافة".
أما نبيل فكتب: "هذا لن يحدث أبداً". في المقابل، تعالى صوت شخص ثالث قائلاً: "يجب القضاء على تنظيم الدولة، إنهم إرهابيون يجب تدميرهم بالكامل". إلى جانب ذلك، قال شخص رابع: "يجب على كل أطراف النزاع الوصول إلى أرضية مشتركة".
وفي هذا الإطار، صرَّح أسامة أنه "في الوقت الحالي لا توجد أي نقطة من شأنها أن تتفق عليها جلُّ الأطراف".
لا للمسيحيين
وجد بعض الحاضرين الجرأة للتطرق إلى الأسباب العميقة للصراع الدائر في سوريا، إذ يعتبر أحد المشاركين، وهو مسلم، أنه من المنطقي طرد كل المسيحيين.
وفي هذا الصدد، قال لاثنين من زملائه: "يجب عليكم الذهاب إلى بيروت" الأمر الذي استنكره أحد المسيحيين في المجموعة، ودفعه إلى مغادرة القاعة باكياً. لكن مسلماً آخر سارع بالتدخل واعتذر نيابة عن زميله من أجل استعادة الأجواء الإيجابية التي كانت طاغية ضمن المجموعة.
في هذه الحالة، يبدو أن هذه المجموعة التي يفترض أنها ستشكل النخبة منقسمة هي أيضاً على نفسها، حتى قبل أن تنتهي الحرب وتتشكل ملامح سوريا الجديدة.
أما هناك على الأراضي السورية، فإن الناس لم يتعلموا أبداً كيفية إدارة النقاش والتحاور بشكل حضاري، إذ إن الدكتاتور الحاكم لطالما "أخرس" الأصوات وسيطر على كل شيء في كنف الصمت، حسب الصحيفة الألمانية.
على الرغم من أن جلّ الاختلافات التي تميّز سوريا تنعكس على جامعة كونستانس، إلا أن الطلبة يشعرون بالحنين لذلك الزمن الجميل، الذي لم يكن أحد فيه يطرح تساؤلات حول من هو مسلم أو مسيحي، كردي أو درزي.
ويقول أحد المشاركين، الذي ينحدر من ضواحي دمشق إنه "في الماضي لم تكن مسألة العرق والطائفة مهمة، بل كانت الاختلافات أمراً عادياً". علاوة على ذلك، كانت السياسة في سوريا تحكمها العلمانية، ولم يكن الدين هو الذي يحدد نمط الحياة اليومية.
ولكن خلال سنة 2011، اندلعت الحرب وظهرت بوادر الانقسام على أنقاض التنوع الثقافي الذي كانت تمتاز به سوريا.
وبشكل مفاجئ، أصبح الناس أعداء بعد أن كانوا جيراناً. وفي نفس الورشة الحوارية، اقترح أحد الطلبة أن أفضل خيار من أجل مستقبل سوريا هو وضع حد لتأثير الدين في الحياة العامة، وهو رأي حاز على الكثير من التأييد.
وفي حزيران/يونيو 2017، قال بشار الأسد خلال تصريح صحفي قام به: "إنَّ الفترة الأسوأ من الحرب السورية، أصبحت شيئاً من الماضي. فالأمور الآن بدأت تتحسَّن شيئاً فشيئاً، حيث أصبحت سوريا تسير على الطريق الصحيح، خاصة أننا بصدد النّيل من الإرهابيين".
وخلال الأشهر الأخيرة، كان النظام السوري، بالاستعانة بحلفائه، قد حقق مكاسب هامة على الأرض، من بينها استعادة السيطرة على حلب بالكامل في ديسمبر/كانون الأول 2016.
وفي الأثناء، عمل أسامة مكنسي على تعلم اللغة الألمانية، كما أنه عثر على شقة للإيجار في ضواحي مدينة فرايبورغ بين الحقول ومزارع الكروم، حيث ينعم بالهدوء والسكينة.
وأشار أسامة إلى بعض النقاط التي يعتبرها مهمة بالنسبة له، فهو يسأل عن كيفية حصوله على الجنسية الألمانية، حتى لو كان يعدّ ذلك صعباً في ظل عدم تمكّنه من اللغة المحلية. أما فيما يتعلّق ببلده، فإنه يرى أن عودته منوطة بتحسّن الأوضاع في سوريا.