بعد إعلان تونس الحرب على منظومة الفساد.. تعرَّف على حصيلتها المبدئية!

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/02 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/02 الساعة 17:03 بتوقيت غرينتش

هل نتائج الربيع العربي كلها مظلمة، هل الخراب هو النتيجة الحتمية لهذا الربيع العربي؟ في تونس مهد الربيع يبدو الأمر مختلفاً عن الدول التي انتصرت فيها الثورة المضادة، نعم هناك مشكلات متعددة، ولكن يبدو أيضاً أن هناك محاولة لحل أبرز هذه المشاكل فبعد أكثر من 5 سنوات على ثورة الياسمين بدأت البلاد تشهد محاولة لشن حرب حقيقية ضد الفساد.

وفِي هذا الإطار، نُظّم مؤخراً مؤتمر في باريس تحت عنوان "مكافحة الفساد في تونس بين الوضع الحالي واختلاف وجهات النظر". وقد كان من بين الحضور، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، شوقي الطبيب.

ويأتي ذلك في وقت تواصل فيه حكومة يوسف الشاهد تحركاتها نحو ملاحقة الفاسدين في تونس، حسب تقرير لمجلة جون أفريك الفرنسية.

وقال شوقي الطبيب إنه "قبل ثورة سنة 2011، عاشت تونس تحت ظلم نظام المافيات، حيث كان بن علي عراب هذه العصابات. وبالطبع، كان هذا النظام الفاسد من بين الأسباب التي دفعت بالتونسيين نحو الثورة. ومن المفارقات أن بن علي وقّع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2008".

وخلال تظاهرة نظمت في قصر لوكسمبورغ في باريس، يوم 29 يونيو/حزيران 2017، أكد الطبيب أنه "بعد الإطاحة ببن علي ورحيله، أضفي على الفساد في تونس لمسة من الديمقراطية قبل أن يتفشى في صلب مكونات المجتمع إلى حدود سنة 2015، وفي نفس الوقت، لم يتحرك أحد لمحاربته".

وشهدت هذه التظاهرة حضور ممثلين عن "جمعية الحقيقة والعدالة من أجل فرحات حشاد التونسية"، وعضوة مجلس الشيوخ الفرنسي، ألين أرشينبو.

كما كان من بين الحضور كل من المدير العام للجمارك التونسية، عادل بن حسن، ونائب الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، بوعلي المباركي. وقد حضر الرجلان بهدف الحديث عن التقدم الذي أحرزته مسيرة مكافحة الفساد.

تونس والفساد

وكان رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قد أعلن الحرب على الفساد والفاسدين في تونس". وقال الشاهد "إما تونس وإما الفساد.. وأنا اخترت تونس"، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقده الأربعاء 24 مايو/أيار 2017، أعلن خلاله شنّ حرب بلا هوادة على الفساد وكبار الفاسدين من رجال الأعمال وكبار المهربين وموظفي الدولة، في خطوة وُصفت بغير المسبوقة بتاريخ تونس ولاقت دعماً شعبياً وسياسياً لها حتى من أحزاب معارضة ومنظمات حقوقية.

وقبل المؤتمر بيوم واحد انطلقت سلسلة اعتقالات طالت رجال أعمال اتُّهموا بالفساد وبتمويل سياسيين وإعلاميين ونواب في البرلمان وحتى أحزاب في الحكم.

وأبرز المتهمين الذين أُلقي عليهم القبض، ياسين الشنوفي، وهو رجل أعمال ومرشح سابق للرئاسة، وشفيق الجراية رجل الأعمال النافذ، الذي طالما أثار الجدل بتصريحاته التي تفاخر خلالها بـ"شرائه ذمم سياسيين ونواب وإعلاميين"، متحدياً في أحد البرامج التلفزية رئيس الحكومة في قدرته على إدخاله للسجن.

رجل الأعمال شفيق الجراية الذي تم القبض عليه، عُرف أيضاً بعلاقاته الوطيدة بحزب "نداء تونس" وبنجل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وكان أحد أهم الداعمين للحملات الانتخابية لهذا الحزب بشهادة قياديين في "نداء تونس".

تطاير الرؤوس

انتظر التونسيون سنة 2016 ليتأكدوا أن موجة مكافحة الفساد جدية بالفعل، بعد أن اتخذت صعيداً وطنياً. ومن جهته، أقر الطبيب "لقد وصل إلى مكتب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قرابة 9000 ملف سنة 2016، بعد أن كانت الهيئة تدرس فقط 25 ملف فساد سنة 2015".

ومنذ تعيين الطبيب على رأس الهيئة، خلال شهر يناير/كانون الثاني من سنة 2016، تم تحويل قرابة 180 ملفاً يتعلق بقضايا الفساد إلى يد العدالة، كما أحيلت 140 ملفاً أخرى إلى الحكومة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت الرؤوس تتطاير وتسقط، لتكرر عمليات الاعتقال والإيقاف في حق مسؤولين محليين، وموظفين عموميين، ورجال أعمال.

وفي سياق متصل، وضعت الدولة يدها على ممتلكات سبعة أشخاص، من بينهم رجال أعمال، وتجار، وموظفون في الجمارك، بتهمة التورط في قضايا فساد إبان حكم الدكتاتور بن علي. وقد تمت عملية المصادرة بصفة رسمية، يوم 30 يونيو/حزيران 2017، تحت إشراف الدولة. ومن بين الذين صودرت ممتلكاتهم أشخاص "حققوا الربح بطريقة غير مشروعة" مستغلين علاقاتهم المقربة بعائلة الرئيس المخلوع وعائلة زوجته ليلى الطرابلسي.

وفي إطار "الحرب على الفساد" بقيادة يوسف الشاهد، فُرضت الإقامة الجبرية على عشرة رجال أعمال ومهربين عقب اتهامهم بقضايا تتعلق بالفساد، والتآمر ضد أمن الدولة، وتمويل حركات احتجاجية في البلاد.

2016 و2017 سنتان تاريخيتان

عبر شوقي الطبيب عن سعادته بما أطلق عليه اسم "النهضة الوطنية". وقال "نتمنى ألا تقتصر الحكومة فقط على التوقيفات، فالحرب على الفساد تتطلب أيضاً سياسة واضحة وصريحة لتفكيك النظام الفاسد الذي لم يُحارب بجدية بعد الثورة".

ومنذ تولي حكومة الشاهد قيادة البلاد خلال شهر أغسطس/آب سنة 2016، أعلنت أن مكافحة الفساد على رأس أولوياتها. ومع حلول شهر فبراير/شباط 2017، تبنَّى مجلس نواب الشعب قانوناً لمكافحة الفساد، يتمتع من خلاله المبلغين عن هذه الظاهرة بحماية الدولة.

ووصف شوقي الطبيب سنوات مكافحة الفساد، أي سنتي 2016 و2017، بالسنوات الهامة في تاريخ تونس. لكنه اعتبر أن هناك الكثير من العمل لا يزال في طور الإنجاز لوقف هذه الظاهرة، رغم موجة الاعتقالات التي طالت الفاسدين.

وشدَّد الطبيب على ضرورة تحديث الإدارة وتطهير الحياة الاجتماعية من ظاهرة الفساد، كما ألمح إلى إيلاء المزيد من الأهمية لرقابة مصادر تمويل الأحزاب السياسية، وهو ما يعد في حد ذاته موضوعاً شائكاً.

وفي سياق مغاير، دعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى الإسراع في سن قوانين لحماية التراث التونسي من النهب، كما شدَّدت على ضرورة محاربة ظاهرة الثراء بطرق غير مشروعة. كما دعت الهيئة إلى وضع حد للتكالب على المصالح الشخصية في صلب القطاع العمومي. والجدير بالذكر أن هذه الهيئة سيتم تعويضها بهيئة دستورية مستقلة تواصل مسيرة الحرب والكشف عن الفساد.

لا حصانة اليوم

أورد شوقي الطبيب أن رحلة قطار مكافحة الفساد قد بدأت، بما أنه في السابق لم يكن هناك قطار ولم تكن هناك رحلة. وفي هذا السياق، وضعت الهيئة رقماً مجانياً لكي يستخدمه المواطنون للإبلاغ عن شبهات الفساد "22221080".

علاوة على ذلك، تم إطلاق حملة توعية على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام (التلفزيون والراديو)، كما تم إنشاء مركز للدراسة والتدريب في مجال مكافحة الفساد. ويتمثل الهدف من كل ذلك في تذكير بعض الفاسدين بأن الحصانة لن تحميهم، وهو ما سيبث الرعب في نفوس الفاسدين وكل من يفكر في التورط في أعمال أو نشاطات مشبوهة.

تحميل المزيد