“عين الشرق” في عين عاصفة النقد

أما آنجيل الشاعر، فلم تجد مَهرباً من الاعتراف باختلاق الاختلافات، بقولها: "لكن، لا بد من رأي آخر يخالف ما جاء في الرواية من آراء؛ لكي تتضح الجوانب الأساسية في الرواية، وهي التي تشكل محورها؛ كالحديث عن السلطة والسياسة والاستبداد الذي طغى على الجوانب الأخرى"

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/27 الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/27 الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش

عندما يصل النقد الأدبي لمرحلة اختلاق وابتداع جوانب للاختلاف فيها مع الكاتب، فإننا ندخل في متاهة الشخصانية والابتعاد عن النقد المنطقي، وهذا ما حدث لرواية "عين الشرق" لإبراهيم الجبين؛ إذ تعرضت الرواية، وبتواتر مريب، لنقدٍ متصيد مع التركيز على تهمة الطائفية، التي يبدو أن إلصاقها بالكاتب هو الهدف الذي بدأه نبيل سليمان، وتبعته آنجيل الشاعر.

نبيل سليمان، في مقال طويل مغرِق في الأمثلة التاريخية عن الألوهية والديكتاتورية بالأدب، تجده يناقش فجأة، وبشكل مبتسر وسطحي يوحي بأنه أصغى إلى من حدثه عن الرواية ولم يقرأها، فللديكتاتور حضور في الرواية، لكن وصم تأليهها طائفة بعينها وربط ذلك بإعلاء شأن ابن تيمية من قِبل الكاتب والغمز من قناة اليساريين وأنهم يدافعون عن ابن تيمية- أجد أنها خلطة من التناقضات لا تمنح الناقد مصداقية وتؤكد لمن قرأ "عين الشرق" أن المطلوب أن تكون في هذه الرواية بـ"عين العاصفة".

أما آنجيل الشاعر، فلم تجد مَهرباً من الاعتراف باختلاق الاختلافات، بقولها: "لكن، لا بد من رأي آخر يخالف ما جاء في الرواية من آراء؛ لكي تتضح الجوانب الأساسية في الرواية، وهي التي تشكل محورها؛ كالحديث عن السلطة والسياسة والاستبداد الذي طغى على الجوانب الأخرى".

وهذا يبدو دركاً كارثياً في عملية النقد؛ لأننا نختلق الاختلافات على مبدأ "خالف تعرف" ونحتمي بمقولة "الخلاف لا يفسد للود قضية".

منذ أن أنهيت قراءة رواية "عين الشرق" وأنا غارق في عالم من النوستالجي تتماهى فيه شخصية الكاتب وسيرته بسيرة المدينة التي نعشقها جميعاً. ورغم تفرُّد الأسلوب الروائي لدى إبراهيم الجبين وتداخل الزمان والمكان والتاريخ والأسماء المثيرة للجدل وحكايات الطبقة المثقفة- فإن "الجبين" حَافظَ على تماسك أدواته، ولم يترك للقارئ مَهرباً من اللهاث خلف السطور وما بين السطور.

آنجيل الشاعر تعتبر أن "الجبين" يدافع عن ابن تيمية، ويلمّع صورته عبر حوار مختلف معه في سجنه الذي قضى فيه بدمشق، مع اتهام واضح بفكر وتوجه طائفي يحكم الكاتب، لكن الحوار العميق بتفاصيله الدقيقة والخلافية مع ابن تيمية في الرواية لا يسوّق لأفكاره؛ بل يفتح باب التساؤلات عن الجهات التي أيقظت هذه الأفكار وصنّعت سدنتها وأمنّت لهم التغطية الأمنية والدينية والاجتماعية، ولا أدري ما الذي أزعج آنجيل الشاعر في هذا الأمر لتلقي بالتهمة الأسهل والأكثر رواجاً في هذا الزمن الرديء وهي تهمة الطائفية.

أما ما تجده آنجيل الشاعر تعريةً وقسوةً مارسها الكاتب بحق النخب المثقفة في سوريا، منوِّهة أيضاً إلى البعد الطائفي في طرحه بالرواية- فهذا إجحاف كبير بحق الرواية وكاتبها، فمن المدهش أن يُؤخذ على روائي سوري تعامله بشفافية حتى ولو كانت قاسية مع نخب ثقافية عاصرها وغرقت في الفساد أو تحولت لمجرد اداة طيِّعة بيد السلطة، فهل يبدو مستهجناً ان يتم تعرية المثقف الذي استسلم لميكانيكية الخطاب السياسي والإعلامي الساذج والمحنَّط؟!

في ابتداع الأخطاء وتهشيم اللوحات الجمالية ما زلنا مخلصين لثقافة كيدية عاشها الجميع في سوريا منذ عقود، ولربما كان على إبراهيم الجبين كتابة رواية دمشقية تلامس التاريخ ولا تجرؤ على الغوص في أسراره؛ لكي يبقى السرب هادئاً، متسقاً، كما يريد من يصطنع الاختلاف ليدّعي أن اللوحة ناقصة!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد