مثَّلت الأزمة الخليجة الراهنة نقطة مهمة في العلاقات الخليجية البينية، لا سيما أن كل الأطراف الواقعة في الأزمة والوسطاء أيضاً داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي الذي لا يلعب أي دور في هذه الأزمة؛ ما يوحي بتصدع كبير في هذا التجمع الخليجي، وربما يكون المسمار الأخير في نعشه، وهو ما دفع الكويت وسلطنة عمان للتوسط لحل هذه الأزمة النادرة.
وقال معهد دراسات الشرق الأوسط الأميركي إن الأزمة الخليجية الجارية باتت تشكل معضلة كبيرةً بالنسبة للكويت وعُمان؛ نظراً لأنهما الطرفان المحايدان في الأزمة واللذان حافظا على علاقتهما بالدوحة، فضلاً عن سعيهما لحل أخطر نزاعٍ داخلي بمجلس التعاون الخليجي منذ تأسيس المنظمة في عام 1981.
وبحسب المعهد الأميركي، يخشى المسؤولون بالكويت العاصمة ومسقط أن يؤدي الفشل في تسوية الأزمة القطرية إلى حل المجلس؛ الأمر الذي من شأنه أن يقوض المصالح الوطنية الكويتية والعمانية الحيوية بشكل مباشر، وذلك بالنظر لاحتمالات أن يؤدي حدوث سيناريو كهذا إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي الإقليمي.
وفي جهوده لحل الخلاف داخل بيت الخليج الموحد، انخرط أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في دبلوماسيةٍ مكوكية، وتجوَّل بين العواصم القطرية والسعودية والإماراتية بعد وقتٍ قصير من اندلاع الأزمة. وكان وزير الخارجية العماني، يوسف بن علوي بن عبد الله، توجه إلى الدوحة في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، في إطار جولة كان مخططاً لها قبل قطع العلاقات مع قطر. وبحسب ما ذكرته صحيفة ذا ناشيونال ومقرها دولة الإمارات، فقد تطلع المسؤولون بالدوحة في اليوم التالي إلى نظرائهم بمسقط؛ للمساعدة في التوسط بهذا الخلاف، ووافقت عُمان على ذلك.
سجل الدولتين في الوساطة
وأضاف معهد الشرق الأوسط أنه بالنظر لسجل دولتي الكويت وعمان في العمل كوسطاء خلال الأزمة اليمنية، بين أعضاء التحالف العسكري بقيادة السعودية من جهة والحوثيين من جهة أخرى، وكذلك بين الرياض وطهران- فلا يُعد موقفهما من أزمة قطر محل استغراب. وفضلاً عن ذلك، لم يحدث أن واجَهت دولة الكويت وسلطنة عمان أبداً مشكلاتٍ مع سياسة الدوحة الخارجية من نفس نوعية تلك المشكلات التي أثارت غضب الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
إنَّ احتمال تصاعد أزمة قطر يزيد من تفاقم التوتر بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي والدول غير المنتمية إليه -وعلى رأسها تركيا وإيران- علاوة على البيئة الأمنية المتقلبة أصلاً في الخليج العربي. وباعتبارها دولاً مجاورة للعراق واليمن على التوالي، تشعر دولتا الكويت وعُمان بالفعل بوطأة الأزمات التي لم تحل عند عتباتهم. ومن المؤكد أنَّه كلما استمرت هذه الأزمة، كان من الأصعب على جميع الأطراف القبول بأية تسوية.
ويرى المعهد الأميركي، بصورةٍ جيوسياسية أكبر، أنَّ النزاع المستمر هو حصيلة عدة توجهات سائدة في الشرق الأوسط من شأنها زعزعة استقرار الكويتيين والعمانيين؛ إذ يحاول السعوديون الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي الصغرى للتحالف بشكلٍ وثيق مع الرياض عن طريق قطع العلاقات مع طهران. إلا أنَّ الدبلوماسيين الكويتيين والعمانيين، جنباً إلى جنب مع نظرائهم في الدوحة، كانوا يسعون هذا العام إلى تهدئة التوتر بين السعودية وإيران، في محاولةٍ لحمل القوتين الرئيستين في الخليج على تحقيق انفراجٍ سلمي.
ويرى الكويتيون والعمانيون أنَّ مصالحهم المستقبلية ستُخدم على أفضل وجهٍ عن طريق توزيع وتنويع رهاناتهم بين كلٍ من السعودية وإيران بينما يحاولون السعي لتحقيق توافقٍ أكبر بين البلدين؛ إذ لا تتناسب أجندة الضغط السعودية على دول مجلس التعاون الخليجي الصغرى من أجل دفعها لتبنّي الموقف السعودي الصارم المعادي لإيران، مع أيٍ من دولتي الكويت وعمان.
الكويت لديها فرصة أكبر
وفي حالة عمان، أعربت السعودية عن استيائها من علاقات السلطنة المتنامية مع إيران عبر مجموعة من القطاعات، ومن ضمنها الطاقة والتجارة والدفاع والاستثمار. وعلاوة على ذلك، فربما تتسبب مخاوف الرياض وأبوظبي بشأن العلاقات العمانية-الإيرانية المتنامية، في منع السعوديين والإماراتيين بنهاية المطاف من النظر لمسقط باعتبارها دولة "محايدة" في أزمة مجلس التعاون الخليجي المستمرة. ولهذا السبب، فإنَّ الكويت، التي لا تزال أكثر تحيزاً إلى الرياض من مسقط، قد تكون لديها فرصٌ أفضل في رأب الصدع الناتج عن الفجوة بين مطالب الطرفين المختلفة وشروط إعادة العلاقات عبر المفاوضات.
ويضيف معهد الشرق الأوسط أنه بسبب عوامل الطاقة والجغرافيا، قد تشعر سلطنة عمان بضغطٍ أكبر من تصاعد التوتر داخل مجلس التعاون الخليجي على خلفية الأزمة القطرية. ومع غلق المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين حدودها البرية والبحرية مع قطر، أصبحت الدوحة تعتمد بشكل متزايد على إيران وسلطنة عمان؛ لضمان التدفق الحر لصادراتها الهيدروكربونية عبر مضيق هرمز. ففي النهاية، إذا تمكن القطريون من الحفاظ على مبيعاتهم للغاز إلى آسيا، قد تفشل إجراءات الحكومات العربية المناوئة للدوحة في تحقيق أهدافها بمعاقبة الإمارة القطرية بشكل كافٍ.
وقد سبق للسعوديين والإماراتيين اتهام مسقط بتقويض الأمن الجماعي للمجلس عن طريق التعاون الوثيق مع طهران، لا سيما في اليمن، الأمر الذي نفاه وزير خارجية عمان. ومما لا شك فيه أنَّه إذا استمر العمانيون في المساعدة على إخراج قطر من عزلتها عن طريق الشحن من ميناء صلالة إلى الدوحة والسماح للسفن القطرية بالإبحار في المياه الدولية للسلطنة، فإنَّ هذا الاستياء من موقف مسقط سيهدد بانقساماتٍ أكثر داخل مجلس التعاون الخليجي.
أما بالنسبة للكويت، فالتاريخ الحديث هو ما يحدد وجهات نظر الدولة بشأن الأزمات الأمنية الخليجية. فالأمير الذي سبق أن شغل منصب وزير الخارجية بين عامي 1963 و2003، ثم منصب رئيس الوزراء، قبل أن يصبح أميراً في عام 2006، يتخذ قرارات السياسة الخارجية بناءً على عدة دروس مؤلمة تعلمها الكويتيون من حروب الخليج الكثيرة، ومن ضمنها الغزو العراقي للكويت. ويعد الدرس الرئيس المتعلَّم هو أنه عندما تستهدف البلدان الكويت و/أو جيرانها، فإنَّ العواقب غير المقصودة دائماً ما ستلاحق الدولة التي تبدأ مثل هذا العمل، جنباً إلى جنب مع الجميع في المنطقة.
ويختم المعهد الأميركي: "اليوم، تسعى الكويت إلى منع تصاعد التوتر الإقليمي الذي قد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات عسكرية ضد قطر أو إلى تغييرٍ قسري للنظام في الدوحة. وهناك قلقٌ خاص إزاء الردود المحتملة لكلٍ من تركيا وإيران على أي تحرُّكاتٍ من هذا القبيل ضد الدوحة. أمَّا الخطر الكبير على الكويتيين، فيكمن في أنَّه كلما طال هذا المأزق، ازداد ملوك مجلس التعاون اقتناعاً بأن شرعيتهم مستمدة من قدرتهم على البقاء أقوياء في ظل هذا الخلاف. ومن شأن ذلك أن يقلِّل من إمكانية التوصل إلى تسوياتٍ ضرورية في المستقبل. وهكذا، بات الكويتيون على دراية بأن الوقت قد حان الآن لحل سريع للأزمة القطرية.
ورغم قيادة الكويت لجهود الوساطة، تدعم عمان بطبيعة الحال هذه الدبلوماسية من جانب الكويت. وتتقاسم هاتان الدولتان الخليجيتان الهموم نفسها فيما يتعلق بالحيلولة دون إطالة الأزمة القطرية، وتحجيم آفاق الجهات الفاعلة المعنية؛ وذلك لحل نزاعها. وفي حالة ثبات عدم جدوى هذه الجهود، سيصبح أمام الكويت وعمان الكثير لخسارته".