"لن يستطيع أن يوفي بما وعد ورؤيته الاقتصادية محض أحلام وأمنيات"، هكذا ترى صحيفة الغارديان البريطانية مستقبل ولي العهد الجديد، الأمير محمد بن سلمان، الذي تقلد المنصب قبل يومين، مطيحاً بسلفه "مهندس مكافحة الإرهاب" محمد بن نايف.
واعتبرت الغارديان، في تقرير لها الجمعة 23 يونيو/حزيران 2017، أن وصول بن سلمان بهذه السرعة لمنصب ولي العهد كان أمراً معلوماً ومعروفاً للجميع في السعودية، فمنذ تولي أبيه عرش المملكة منذ عامين وهو يتخذ الخطوة بعد الأخرى في ترفيع ابنه وتقليده المنصب تلو الآخر تمهيداً لجعله ذا شأن، حتى إن البعض رأوا فيه الحاكم الفعلي الحالي للبلاد، ولكن على أية حال يظل هذا الانتصار العام الذي أحرزه في الـ31 من عمره قد بكّر أكثر بكثير من التوقعات.
وأضافت الصحيفة البريطانية أنه بهذه الترقية لولي العهد الجديد تكون المملكة العربية السعودية قد محت صورتها الماثلة في الأذهان: تلك المملكة الحذرة الرصينة التي يتعاقب على حكمها شيوخ كهول في رتابة مملة (حيث نظام انتقال الحكم الأفقي يورث العرش من أخ لأخيه، وحتى منافسه السابق ذو الـ57 عاماً كان شاباً حسب مقاييس حكام الدولة).
لكن التغيير آن أوانه منذ زمن، والبعض هلل مرحِّباً بولي العهد الجديد وتوسموا فيه مصلحاً ذا حيوية وطاقة متجددة، ولكن من الواضح أن لا نية لديه كي يغير من طبيعة المملكة ونظام حكمها الملكي المطلق الذي لا يقبل الانشقاقات؛ كذلك يبدو أنه لا يبيِّت أي نية لتحدي الشراكة التأسيسية للبلاد التي قامت بالتفاهم بين آل سعود والشيوخ الوهابيين المحافظين. تقول تقارير إن القيادة السعودية الدينية تنادي جهراً في الأيام الأخيرة بحماية الأوتوقراطية وحكمها الفردي من شرور الديمقراطية؛ أما المبادرات الجريئة الأجنبية والاقتصادية التي ترأسها محمد بن سلمان، فقد لقيت فشلاً ذريعاً، بحسب الغارديان.
والأربعاء 21 يونيو/حزيران 2017، أصدر العاهل السعودي أمراً ملكياً بإعفاء الأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد وتعيين الأمير محمد بن سلمان خلفاً له، ومساء هذا اليوم استقبل بن سلمان في قصر الصفا بمكة المبايعين له.
رؤيته محض أحلام
وتعتبر الغادريان أن خطة بن سلمان التي أطلق عليها اسم (رؤية 2030) لترميم وإصلاح الاقتصاد السعودي ووضع حد لاعتماده واتكاله التام على النفط- كلها كانت في معظمها محض أحلام وتمنيات رافقتها طبول الإعلام ومزاميره، لا ترتكز إلا على الخصخصة والتقشف فوق كل شيء وكانت بمثابة بطاقة دعوة للمتاعب؛ بسبب ما نجم عنها من توتر اجتماعي شعبي في الدولة التي عُرفت بسخاء دعمها لأسعار السلع والخدمات.
والعام الماضي، أعلن الأمير محمد بن سلمان رؤيته لمستقبل السعودية والتي أطلق عليها رؤية 2030، وهي تقوم بالأساس على تقليل الاعتماد على النفط والبحث عن موارد اقتصادية أخرى للمملكة تعزز فرص الاقتصاد وترفع الضغط من على كاهل الميزانية السعودية، لا سيما بعد انخفاض أسعار النفط بشكل كبير خلال الأعوام السابقة.
وترى الغارديان أن رؤية 2030 قد قوضت الاتفاق المبرم بين آل سعود ومواطنيهم السعوديين والذي يقضي بتشديد التحكم السياسي مقابل ضمان رغد العيش؛ فبدلاً من أن يقدم لهم الخبز قدم لهم محمد بن سلمان صالات وعروض سيرك، لا افتتاحه لصالات السينما ولا سماحه بحفلات الموسيقى للذكور فقط قد يعوضان النقص، وحتى مقترحاته بإتاحة المزيد من الحريات الشخصية، للنساء مثلاً، قد تكون لها جاذبيتها، إلا أنها على الأغلب لن تكفي.
وكانت السعودية قد تراجعت في أبريل/نيسان عن قرار كانت اتخذته بخفض وتقليص البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة.
وبحسب محللين ومراقبين، فإن هناك تراجعاً جديداً في أسعار النفط، سيطول الدول المصدِّرة في الفترة المقبلة؛ ما تسبب في انخفاض حاد بالاحتياطيات الأجنبية لدى السعودية والذي وصل إلى 36 مليار دولار في الأشهر الـ4 الأولى من هذا العام.
وبحسب الغارديان، فإن الميزانية السعودية لن تستطيع تحمُّل تبعات حرب اليمن التي قتلت آلاف المدنيين وأدت إلى مجاعة ولا تزال تسير نحو وجهة مجهولة، فيما تستنزف خزائن الرياض بمليارات الدولارات كل شهر، حسبما قيل. إن ولي عهد البلاد الجديد (الذي كان وزير دفاعها) هو الذي تعجل وزج بالبلاد في معمعة تلك الحرب، مبتلعاً طُعم المنافسة الشديدة التي بين بلده وبين إيران.
عدوانيته ظهرت جلية في تصريحاته العلنية حول إيران التي حملت إشارات إلى احتمال المزيد من التصعيد، وكذلك جاء الحصار المفاجئ على قطر هذا الشهر، في أكبر أزمة دبلوماسية ضربت الخليج منذ سنين طويلة. إن حجر الأساس فيما يجري هو التصارع على القوة الإقليمية وقربه الشديد من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لكن لا يملك المرء إلا أن يرى أيضاً عنصري قلة الصبر وقلة الخبرة.
وكان بن سلمان قد ذكر في أحد اللقاءات التلفزيونية الأخيرة التي ظهر فيها، أنه لا يمكن أن يتعاون مع إيران والتي يراها عدوه الأول، كما هددها بنقل المعركة إلى قلب طهران؛ الأمر الذي أغضب الإيرانيين وجعلهم يوجهون أصابع الاتهام للسعودية بعد أول هجوم تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في إيران الشهر الجاري.
وتقول الغارديان إن من شابه أباه فما ظلم؛ لأنه اتضح أن الأب كذلك لا يتمتع بطول الصبر، فرغم أنه ناهز الـ81 من العمر فإنه لم يستطع أن يصبر أكثر ليمهد الطريق لابنه كما يجب؛ كي يضمن وراثته للعرش، كذلك لم ينس الملك أن يكرم أبناءه الأصغر ويغدق عليهم العطايا؛ فأحدهم حصل على المنصب الهام بتولي سفارة السعودية في واشنطن.
في الماضي، لعل الولايات المتحدة كانت ستشجع الملك على التمهل والتريث؛ لأن ولي العهد المعزول كان يعداً صديقاً لأميركا، ولطالما ترأس مساعي مكافحة الإرهاب سنين طويلة في منصبه كوزير فاعل للداخلية. لكن البيت الأبيض هذه المرة رحَّب بالبديل الأصغر ضمن حملته في تقديم الدعم الكامل للرياض. قد ينمّ هذا الترحيب عن قلة حصافة وتهور من جانب البيت الأبيض نفسه، أو لعله قبل به؛ لكونه أمراً واقعاً حصل وتم، فالشعب السعودي بالطبع يتلقى ما يُعطى.
عادة ما ينظر الكبار إلى الشباب المستعجل نظرة يشوبها الحذر، لكن هذه المرة لدى العديدين من داخل المملكة وخارجها كذلك سبب وجيه يدعوهم إلى القلق.