أصدرت المحكمة الجنائية ببروكسل، الجمعة 23 يونيو/حزيران 2017، حكماً قضائياً غيابياً بالسجن 15 شهراً موقوفة التفيذ، وغرامة مالية تُقدر بـ165 ألف يورو ضد 10 سيدات من الأسرة الحاكمة في الإمارات العربية، اتُّهِمن بممارسة التعذيب والعبودية والاتجار بالبشر في حق خادمات من جنسيات تونسية ومغربية وفلبينة وإندونيسية إبان وجودهم مدة سنة كاملة في أحد الفنادق الراقية ببروكسل.
جون بيير جاك، أحد محامي الخادمات، وهو بلجيكي الجنسية، اعتبر في تصريح لـ"عربي بوست" الحكم القضائي بمثابة "الانتصار الكبير ضد الاستغلال الاقتصادي للخادمات".
وقال إنه "يعيد لضحايا الاستعباد الأمل في محاكمة عادلة حتى ولو كان الطرف المشغِّل يحظى بحماية أو نفوذ"، مشيداً في الوقت ذاته بـ"استقلال ونزاهة القضاء البلجيكي وعدم خضوعه لأي نوع من الضغوط"، على حد تعبيره.
وأضاف: "لأول مرة تعتبر المحكمة البلجيكية أن استغلال خادمات منازل للقيام بالدور نفسه في فندق فاخر يعد شكلاً من أشكال العبودية، فضلاً عن وصف المعاملة التي حظيت بها الخادمات بالمهينة، وبأنها ترتقي لجرائم الاستعباد؛ نظراً لحجم الإذلال الذي تعرضت له هاته الخادمات من الشيخات الإماراتيات (أميرات)".
المثير في الحكم -كما يقول محدثنا- هو أن القضاء البلجيكي لم يوجه التهم للشركة المسؤولة عن الخادمات وعن الجانب اللوجيستي للعائلة المالكة في الإمارات؛ بل وجهت مباشرةً أصابع الاتهام في جرائم التعذيب واستغلال البشر والامتناع عن دفع أجور الخادمات.
القصة
وتعود أطوار القضية -بحسب المحامي- إلى 29 يونيو/حزيران 2008؛ حينما داهمت الشرطة البلجيكية الطابق الرابع لنزل كونراد الفاخر في بروكسل، حيث تقيم شيخة اماراتية وبناتها السبع رفقة 23 خادمة جُلبن لخدمتهن لمدة سنة كاملة، بعد أن تلقت الشرطة شكوى من خادمة فلبينية استطاعت الهرب من النزل في شهر مايو/أيار من السنة نفسها، لتكشف للسلطات عن "استعبادها" رفقة خادمات أخريات من جنسيات مختلفة يعملن في ظروف غير إنسانية ومهينة.
المحامي أكد أن 12 خادمة من بين الموجودات قمن بتقديم قضايا ضد الشيخات الإماراتيات، تتعلق أغلبها بالاستعباد والإذلال والإهانة الجسدية والمعنوية، من بينهن تونسية ومغربية وإندونسيات وفلبينيات.
"تعذيب ممنهج وإذلال للخادمات"
ويروي محامي الخادمات شهادات صادمة لكيفية تعامل الشيخات مع الخادمات، والتي لا ترتقي إلى المعاملة الإنسانية وفق قوله، حيث "حُرمن من النوم والراحة طيلة فترة مرافقتهن الأميرات".
وأضاف: "كانت الخادمات ينمن على الأرض رغم وجود العديد من الغرف الإضافية في الجناح المخصص للأميرات، وكنّ يُعاملن معاملة الكلاب وينمن تحت السرير ووراء الأبواب وفي الممرات الخاصة بالأجنحة".
وأكد أيضاً، نقلاً عن شهادة إحدى موكلاته، أنهن حُرمن من الأكل من دون إذن من الشيخات الإماراتيات "وكنّ في غالب الأحيان يأكلن فضلات الطعام التي تقدمها العائلة الإماراتية. كما حُرمن من الخروج بمفردهن خارج النزل إلا برفقة الشيخات اللاتي يستغللن إياهن في حمل الحقائب الثقيلة بعد التبضع من المحلات الفارهة ببلجيكا، في ظروف أشبه بالاعتقال والسجن القسري"، وفق تعبيره.
حالة العبودية التي عاشتها هذه الخادمات، وفق قول المحامي، وصلت أيضاً للاستيلاء على جوازات سفرهن وحرمانهن من أبسط حقوقهن المادية والمعنوية، "وقد وصل حجم الإذلال لإجبار إحدى الخادمات على صب الماء في الحمام مباشرة بعد خروج الشيخات منه وقضائهن حاجتهن البشرية".
بعض الخادمات، وفق المصدر نفسه، استطعن الهروب من "السجن القسري"، وأخريات فشلن، حيث "تم اصطيادهن من الأجهزة الأمنية المكلفة حماية الأسرة الحاكمة، في بلجيكا، وإعادتهن للإمارات رفقة الشيخات".
يذكر أن الشيخات الإماراتيات عيَّن من ينوب عنهن لحضور جلسات المحكمة مساء الجمعة 23 يونيو/حزيران، وهم محاميان بلجيكيان وفرنسي، "بعد تمكنهن من الهروب من بلجيكا منذ أشهر بشكل سري رفقة السفير الإماراتي هناك، الذي مارس ضغوطاً على السلطات البلجيكية؛ حتى لا يتعرضن للايقاف القضائي، لكنه فشل في ذلك أمام إصرار القاضي على مثولهن أمام المحكمة وتقديمهن للعدالة"، وفق قول المحامي جون بيير جاك.