تنامت ظاهرة تربية الحيوانات المفترسة في الكويت، رغم أنها ممنوعة، وقد حدَّدت السلطات سابقاً عقوبات بحق من يستوردها ويقتنيها تصل إلى السجن سنة كاملة، لكن ماذا لو كانت "الواسطة" هي أحد أبرز أسباب انتشارها؟
على الأقل، هذه طريقة شهد الجابر (32 عاماً)، التي تربي فهدين إفريقيين تمتلكهما منذ سنوات في منزلها بالكويت، يبلغ طول كل منهما 80 سم.
وتقول الجابر وهي تبتسم في حديثها لصحيفة ميدل إيست آي، "إنهما طفلاي، ولعلي كنت سأفضلهما على أطفالي لو كان عندي أطفال، بكل تأكيد".
وتحظى الجابر بأكثر من 15 ألف متابع على إنستغرام، حيث تتفاخر بفهديها مارك وشهد، فتنشر لهما صوراً بشكل دائم.
وتزعم الجابر أنها تنفق شهرياً ما متوسطه 350 دولاراً للاعتناء بهما وإطعامهما.
وتضيف الجابر "في الماضي كان لدي قطط وكلاب، لكني أردت شيئاً أطول وأكبر. في البداية أردت نمراً، فقد كان ذلك حلماً راودني منذ كنت في الـ6، بيد أن الفهد أسهل، فالجلوس على الأريكة ومشاهدة التلفزيون مع نمر أمرٌ أصعب من مشاهدته مع فهد".
وتفسر الجابر ذلك بأن النمور أكبر وأثقل وأصعب ترويضاً من الفهد.
وتعيش الجابر العزباء وحيدة مع فهديها، وتقر بأنها تجد صعوبة في العثور على رجل يشعر بالراحة مع الحيوانات البرية، وهي تجوب البيت وتجلس على الأرائك وتشاهد التلفاز.
وتقول إنها تحتفظ بمرافقيها البريين في قفص معظم الوقت، إلا أنها تطلق سراحهما يومياً لفترة ما.
وتتابع: "ما زالت أمي تخاف من المجيء للزيارة"، بيد أنه ليس لدى الجابر ذرة خوف واحدة من حيواناتها "الأليفة" المحببة؛ حيث تقول إنها تعودت على العيش مع الحيوانات البرية في المكان نفسه، خصوصاً أن العديد من أصدقائها يمتلكون أسوداً، وهكذا تعلمت كيف يتم الاعتناء بهذه الحيوانات.
التمتع بـ"الواسطة"
ولا تخشى الجابر من تملك حيوانات برية، رغم أنه أمر ممنوع في الكويت، لأن لديها "واسطة".
وتقول "الواسطة مهمة جداً في الكويت، إن كنت تعرف شخصاً صاحب مركز عالٍ فهو أمر جيد، عندها سيحميك هذا الشخص".
وتروي الجابر قصة حدثت معها، في يناير/كانون الثاني 2017، عندما كانت في مصر تتلقى تدريبات من أجل شهادة الماجستير، وقتها طلبت من أحد أصدقائها المقربين الاعتناء بفهديها في غيابها، لكن حريقاً شبَّ في الشقة، وعندما وصلت فرقة الإطفاء شاهدوا هذه القطط المتوحشة البرية في المكان فما كان منهم إلا أن أبلغوا الشرطة.
وتضيف "اتصلت مباشرة بشخص رفيع المستوى في قسم شرطة الحي لكي يستبدل لفظ فهد في المحضر بلفظ قط كبير. من المهم جداً التصرف بسرعة لكي يتسنى لـ"الواسطة" أن تعمل عملها".
شبكة تهريب
واشترت الجابر الفهدين، في أبريل/نيسان 2013، وفي فبراير/شباط 2014، بسعر فاق 3000 دولار لكل منهما، حيث كانا بعمر بضعة شهور فقط، وذلك عن طريق شبكة تهريب نشطة في مطار الكويت الدولي.
وقد أكد موظف يعمل في إدارة المطار اشترط عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية في حديث لميدل إيست آي "يكفي للصندوق أن يكون مكتوباً عليه "قطط"، ثم تدفع لأشخاص معينين أعرفهم. الأمر سهل علي لأنني أعمل هناك وأعرف من سيأخذ النقود. أعطيهم بين 500-1000 دينارٍ كويتي (أي حوالي 1600-3200 دولار) للسماح لحيوانات ممنوعة قانوناً بدخول البلاد".
ورداً على المزاعم، قال متحدث باسم المطار في تصريح لميدل إيست آي، إن "الأمر قيد التحقيقات" إلا أن الاتهام خطير ولا يمكن الإدلاء بجواب "قبل التحقق من كافة المشتبه بهم".
وتقول باتريشيا تريكوراش مساعدة مدير مركز حماية تجارة الفهود البرية غير القانونية، إنها لطالما أجرت تحقيقات مطولة في تهريب الفهود عبر شبه جزيرة العرب.
وتتابع حديثها لميدل إيست آي، "في كل عام يتم تهريب حوالي 300 فهد صغير بشكل محظور غير قانوني من إثيوبيا والصومال وشمالي كينيا عبر اليمن، قبل أن تتجه الحيوانات إلى الكويت أو غيرها من دول الخليج".
وتقول إن "شبكة تهريب الحيوانات البرية هذه تشكل رابع أكثر تجارة تهريبية رائجة تدر المال بعد المخدرات والبشر والسلاح، حيث تقدر قيمة هذه التجارة حالياً بأكثر من 20 مليار دولار".
أما المعالج النفسي عدنان الشطي، الذي يتخذ من منطقة السالمية في الكويت مقراً لعيادته، فيقول إنه يعرف تمام المعرفة جميع المخاوف وأنماط الفوبيا والهوايات الغريبة التي لدى مواطنيه.
ويتابع: "كثيرون هنا يحبون تحدي الصعاب، فهم لا يريدون حيواناً أليفاً كلاسيكياً عادياً، بل حيواناً غير عادي يقاومهم.
للأمر أيضاً علاقة بالظهور بمظهر يميزهم عن بقية الناس العاديين، فهم يقولون لأنفسهم "إن كنت أستطيع التعامل مع حيوان كهذا، فهذا يعني أني متفوق على الجميع".
ويضيف الشطي "كذلك ثمة في الكويت ثقافة عدم الانضباط، يعني أننا لا نملك ضوابط أو عوائق في وجداننا، فكل شيء ممكن طالما أننا نملك المال".
السلطات الكويتية
القانون الكويتي الذي يحظر تملك وحيازة الحيوانات البرية يبدو غامضاً ومعمماً تنقصه العقوبات الرادعة ضد من لا يتورع عن ارتكاب المخالفة.
وتنص المادة 100 من قانون حماية البيئة الكويتي، على أنه "يحظر صيد وقتل وإمساك وجمع وإيذاء وحيازة ونقل الكائنات البرية التي تعيش على اليابسة أو في البحر، سواء كانت حية أو ميتة".
وكان قسم حماية التنوع الحيوي في الهيئة العامة للبيئة بالكويت، قد تقدم بمقترحات ضوابط تنظيمية أكثر تشديداً على تملك الحيوانات البرية في البلاد، إلا أن مسودة هذا القرار لم يوافق عليها البرلمان الكويتي بعد.
مأساة توشك أن تقع
في نهاية عام 2014، عضَّ أسدٌ يملكه شخصٌ شهيرٌ بتملكه الحيواناتِ الغريبةِ، خادمة فلبينية، ما تسبب بوفاتها بعد بضعة أيام متأثرة بجراحها، وقد أثار موتها عاصفة غضب في الكويت.
ويقول محمد، وهو صديق رب عمل الخادمة، إنه خبّأ ذاك الأسد في المنزل بعد الحادثة، لأن السلطات ضغطت على الأخ والأب لتسليم الأسد لها.
ووفقاً لرواية محمد، فقد حمل الأسد من منزل صديقه، ثم أطلق عليه النار في الصحراء، بعدما خاف من توريط نفسه إن هو سلم الأسد إلى السلطات بيده.
ويتابع محمد أن صديقه "لم يأخذ (الأسد) إلى قسم الشرطة لأن أحد معارفه هناك في الشرطة أخبره أنه لو فعل فسيكون قد سلم الشرطة أداة الجريمة. عندئذ ذهب إلى الصحراء وقتل الأسد".
وليس محمد نفسه غريباً عن عالم الحيوانات البرية فهو نفسه يملك 7 أسود ونمراً ونمر جاغوار مرقطاً، لكنه شعر بالخوف ونظَّم من فوره عملية نقل لحيواناته الغريبة إلى عقار يملكه في الإمارات العربية المتحدة القريبة.
ويقول "أخرجتها من البلاد واحداً تلو الآخر عبر السعودية وعبر الحدود إلى الإمارات، حيث نومتهم بالكلوروفورم. هناك (في الإمارات) على الأقل يحظون بمساحة أكبر مع الغزلان ويتسنى لهم تصيد طعامهم بأنفسهم".
ووفقاً لتقرير نشرته مجموعة لحماية الحيوانات تدعى Born Free USA فإنه بين عامي 1990 و2011 سجلت 1610 حالات هاجم فيها حيوان منزلي صاحبه، وأن عدد القتلى منها بلغ 75.
ومن المعروف أن القطط البرية تُربى في الكويت وفي جيرانها من دول الخليج، حتى إن البعض منها شوهد في نزهة مع أصحابها وسط المدن الكبيرة.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، منعت الإمارات الحيازة الخاصة والتملك لحيوانات برية كالفهود والنمور بعد تزايد الضغوط من مجموعات حماية الحيوانات، فأضحت العقوبات تصل الحبس 6 أشهر وغرامة تصل 136 ألف دولار.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، سجل مقطع فيديو لنمور تركض وتتهادى على شاطئ قرب فندق برج العرب الشهير بدبي.