يسطِّر الهجوم على مدينة الرقة، عاصمةِ تنظيم (داعش) على ضفاف نهر الفرات في سوريا، بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ محفوفة بالمخاطر، في واحدةٍ من أكثر ساحات المعارك خطورةً في العالم.
وسيكون لاستعادة عاصمة الخلافة الإسلامية المزعومة لتنظيم داعش فائدة رمزية جزئياً، وهي استئصال منبع الإرهاب، وفائدة مادية جزئياً، وهي أن الرقة ستوفِّر كنزاً دفيناً من المعلومات حول أنشطة التنظيم، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
ومن الجلي أنه عند إجلاء داعش عن المدينة، سيكون هناك سباقٌ للسيطرة على الأراضي التي أُخلِيَت. ويعني التنافس بين القوى المشاركة في الحرب أن الحرصَ مطلوبٌ حتى لا تسمح القوات المنتشية بالفرح على الأرض وفي الجو لنفاد صبرها بأن يطغى على حكمها الصائب.
مواجهة علنية
وتعد سوريا ساحةً للقتال بين النظام، والمعارضة المسلحة، وقوى إقليمية، وروسيا، والغرب. وقد دخلت في مرحلةٍ تُنذِر بالتشاؤم خلال حربٍ متفاقمة متعددة الأطراف، امتدت لنحو ست سنوات ودمَّرت البلد بأسره.
وربما ستكون أكثر المعارك المتعددة الدائرة بين القوات التي تحارب بالوكالة لدولٍ أخرى، إثارةً للقلق هي الصدامات المُحتَمَلة بين القوات المدعومة من الولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي والمجموعات المدعومة من إيران المؤيدة لنظام الأسد، بالإضافة إلى روسيا كحليفٍ قوي.
وهناك علاماتٌ تشير إلى أن الخمسة أشهر الأولى من رئاسة دونالد ترامب تزيد من خطر نشوب مواجهة علنية بين الولايات المتحدة والقوى الأخرى يوماً بعد يوم.
وفي يوم الإثنين، 19 يونيو/حزيران 2017، وفي ردٍّ على إسقاط طائرة حربية تابعة للحكومة السورية بواسطة الولايات المتحدة، أعلنت روسيا لأول مرةٍ منذ بدء الصراع أنها ستتعامل مع أيِّ طائرةٍ مقاتلة أو طائرة بدون طيار تحلِّق غرب نهر الفرات "كهدفٍ عسكري".
وقال مسؤولو البنتاغون إنهم تصرَّفوا "دفاعاً عن النفس"، بعد أن هاجمت قوات الأسد المقاتلين الأكراد والسوريين المدعومين من قبل الولايات المتحدة أثناء تقدمهم صوب الرقة.
وسواء كانت خُدعة أم لا، فإن التحذير الروسي يشير إلى التصعيد في حربٍ تقف فعلياً في طريقٍ مسدود. وأُعلِنَ اليوم، الأربعاء 21 يونيو/حزيران، أن طائرةً حربية روسية اقتربت إلى مسافةِ خمسة أقدام من طائرة حربية أميركية فوق بحر البلطيق.
وترسم هذه التطورات، إضافة للخلاف الذي بدأ يطفو على السطح، بين "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة أميركياً، وقوات النظام، سيناريوهات مفتوحة لتطور الوضع الميداني المتأزم جنوب غربي الرقة، مع اتهاماتٍ وجهتها القوات الكردية لنظام بشار الأسد، بمحاولة التقدم إلى مناطق سيطرتها وخاصة مطار الطبقة العسكري، حسب تقرير لموقع العربي الجديد.
واتهمت "سوريا الديمقراطية" قوات النظام بقصف مواقعها جنوب غربي مدينة الرقة خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدة أنها ستردُّ بالمثل في حال استمرار قوات النظام في هجومها.
واعتبر المتحدث باسم هذه القوات، طلال سلو، في بيان له، أن "هدف هجمات النظام المتكررة ضد (قوات سوريا الديمقراطية) هو إجهاض عملية تحرير مدينة الرقة"، على حد تعبيره.
وقد بدَّد تدخل "التحالف الدولي" بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الحاسم، محاولات تقدم قوات النظام باتجاه مدينة الطبقة التي باتت تحت سيطرة "سوريا الديمقراطية"، فيما بات من شبه المؤكد أن قوات النظام لم تعد تستطيع تجاوز منطقة الرصافة باتجاه الشمال، حيث باتت محافظة الرقة منطقة نفوذ أميركي تجسده "قوات سوريا الديمقراطية" الساعية إلى تشكيل إقليم واسع ذي صبغة كردية، يجد في المقابل رفضاً تركياً. وكانت قوات النظام وسَّعت نطاق سيطرتها داخل محافظة الرقة، ووصلت لتخوم بلدة الرصافة بريف الرقة الجنوبي الغربي، عقب تقدمها من مواقع لها في منطقة أثريا، شرقي حماة.
وتؤكد المعلومات المتقاطعة أن قوات النظام باتت تسيطر على نحو 1700 كيلومتر مربع من مساحة الرقة، البالغة نحو 20 ألف كيلومتر مربع.
صواريخ إيران
ورأت الغارديان أنه حدث تطورٌ آخر مثيرٌ للقلق وغير مسبوق، عندما أطلقت إيران 7 صواريخ كروز على المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في شرقي سوريا، يوم الأحد الماضي، 18 يونيو/حزيران، رداً على الهجوم الذي استهدف البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني.
ويجب وضع هذا بجانب حقيقة أن القوات الأميركية أسقطت مرتين خلال 12 يوماً طائرات بدون طيار مسلحة، إيرانية الصُّنع. واحتدمت المنافسة بين اللاعبين الرئيسيين: فكيف سيكون شكل سوريا ما بعد داعش؟ من ستكون له السيادة عليها؟ تمثل عناصر القوة الموجودة في الحرب وصفةً للمزيد، وليس القليل، من العنف.
ويتمنى نظام الأسد استغلال الدعم الروسي والإيراني لاستعادة السيطرة على المناطق التي ثارت ضده في 2011، والتي مارس نظام الأسد ضد سكانها مستوياتٍ غير مسبوقة من العنف.
وأشارت الغارديان إلى أنه يجب أن تتحمَّل موسكو وطهران المسؤولية عن دورهما في الكارثة الإنسانية للصراع السوري، الذي قُتل خلاله نحو 400 ألف شخص منذ 2011.
هل هناك استراتيجية أميركية في سوريا؟
ولا ينبغي غض الطرف عن الغياب الواضح لاستراتيجيةٍ أميركيةٍ متماسكة بشأن مستقبل سوريا ما بعد داعش، حسب الغارديان.
ويُقدِّم الرئيس ترامب رؤيةً محدودة بشأن الحرب، مُفضِّلاً ترك قادته العسكريين يديرون جدول الأعمال. وقد فشلت الضربات الجوية الأميركية، والتي تسبَّبَت في سقوط العديد من الضحايا بين المدنيين، في تبديد هذه اللامبالاة.
وبينما لا توجد خطةٌ واضحة بشأن سوريا، تبنَّت إدارة ترامب نهجاً أكثر عدوانيةً تجاه إيران، وقد ذُكِر أنها تسعى إلى قطع التحالف الدبلوماسي والعسكري بين روسيا وإيران لإنهاء حرب الأسد.
ويجب رؤية الوضع السوري المُعقَّد في ضوءِ جهود إعادة تخطيط المنطقة. وفي بداية الأسبوع الحالي، كان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهو حليفٌ هام لإيران، يزور الرياض في محاولةٍ لدعمِ جهود تسوية الخلافات بينهما.
وتُخطِّط السعودية وإسرائيل لإجراء مباحثات تجارية. وقد دفعت محاولات دول الخليج السُّنّية لعزل قطر -التي كانت داعمة لحركات الربيع العربي- تركيا إلى الإعلان عن إنزال قواتها إلى الإمارة الغنية، للقيام بتدريبات عسكرية مشتركة.
وتُزيد هذه الاضطرابات من احتمالية أن يتسبَّب التقديرُ الخاطئ أو الحوادث غير المقصودة في إشعال حريقٍ واسع المدى، والذي سيكون من الصعب على أي شخصٍ التحكم في تداعياته المتفاقمة. هذه أوقاتٌ محفوفة بالخطر. تحتاج أن تتحلى جميع الأطراف المتورطة في سوريا بالحصافة وهدوء الأعصاب.