الإسكندر الأكبر “السعودي”.. اللقب المفضل لمحمد بن سلمان والملهم لمغامراته السياسية والعسكرية

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/16 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/16 الساعة 11:05 بتوقيت غرينتش

قالت مجلة الإيكونوميست الأمريكية إن ولي ولي عهد السعودية الشاب، الأمير محمد بن سلمان، يُفضل أن يسميه الأشخاص في الدائرة المقربة منه بـ"الإسكندر الأكبر".

ولكن، لماذا يفضل الأمير البالغ من العمر 31 عاماً، تسميته بـ"الإسكندر الأكبر" تحديداً؟! ربما يكون ذلك مثار تكهنات قد يجيب عليها صعوده المفاجئ الذي أثار دهشة وحيرة الكثيرين، والسطوة الواسعة التي وصلت له "بالوراثة" ورغبته في دخول معارك وتوسيع ملكه شأنه شأن الإسكندر المقدوني.

فبعد تنصيبه بوقتٍ قصير في يناير/كانون الثاني عام 2015، أصدر العاهل السعودي الملك سلمان قراره بتعيين الأمير محمد نجل الأمير نايف، ولي العهد السابق، في منصب ولي العهد، لكنَّه قرر أيضاً تعيين ابنه الشاب، الأمير محمد بن سلمان، في منصب ولي ولي العهد. ومنحه أيضاً منصب وزير الدفاع في خطوةٍ لم يكن المراقبون يحسبون حسابها.

ويرجح كثيرون أن يُغيِّر الملك سلمان في لحظة ما وصيته ويمنح ابنه الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد بدلاً من الأمير محمد بن نايف. عموماً وعلى أرض الواقع، يتصرف الأمير محمد بن سلمان وكأنَّه الملك الفعلي للبلاد، وهو الحلم الذي لا يكاد يخفيه عن أعين المتابعين.

ولكن المفارقة التي تدفع إلى التشاؤم هي أن الإسكندر الأكبر، ترك ملكه سريعا عندما توفي وهو في أوائل الثلاثينيات ثم ما لبث رجاله أن دخلوا في معارك طاحنة مزقت الإمبراطورية التي تمدد فيها وذهب ملكه أدراج الرياح.

وبصورة عامة، فسيرة السنوات القليلة التي قضاها الأمير الشاب في مركز الأحداث منذ وصول والده للحكم وتنصيبه وليا لولي العهد ووزيراً للدفاع، تكشف أنه شرع في العمل على عددٍ من "المشاريع" ليضع بصمته. وبنظرةٍ فاحصةٍ لهذا الرجل، يتبيَّن أن هناك أكثر مما تراه الأعين، كما أن هناك أيضاً ما يتعدَّى حكاية الحرب المأساوية على اليمن التي اشتهر بها، بحسب ما ذهب إليه تقريره كتبه غسان قاضي ونشره موقع صقر المهتم بالتحليلات السياسية، قبل عام من الآن.

وبحسب الكاتب، كان الأمير محمد بن سلمان شديد الجدية منذ صباه، إذ قضى قسطاً كبيراً من سنين المراهقة بصحبة والده مُحتكاً بكبار الأمراء ورجالات السلطة.

من الناحية الاقتصادية، يروج الأمير محمد بن سلمان لإيجاد حلولٍ جديدةٍ تُقلِّل من اعتماد ثروة المملكة على عائدات النفط. وأول هذه الحلول هو "رؤية 2030" التي يتكون عمودها الفقري من خطته في خصخصة شركة نفط المملكة العربية السعودية "أرامكو". ويُعتَقَد أن أرامكو هي أغنى شركةٍ في العالم بأصولٍ تُقدَّر بين 1.5 إلى 10 تريليون دولار أميركي. ويرغب الأمير في استغلال التمويل الناتج عن خصخصة الشركة من أجل بناء اقتصادٍ متنوع.

ويسعى الآن لتأسيس تحالفاتٍ اقتصاديةٍ واستراتيجيةٍ مع دولٍ مثل مصر، وباكستان، وأوزبكستان من أجل تقوية نفوذه وسط عمالقة السلطة في العالم السني.

وبحسب الكاتب غسان قاضي، لا تُشكِّل حداثة سن الأمير محمد بن سلمان أزمةً كبيرة. إذ كان الإسكندر الأكبر يحكم العالم القديم وهو في نفس عمره الآن.

ولكن إذا كان الأمير محمد بن سلمان يمتلك الرؤية والأفكار والنوايا السليمة، فهل يمتلك الأرضية التي تُمكِّنه من إحداث التغييرات التي يرغب بها داخل السعودية؟

في الواقع، لم ينجح الأمير محمد بن سلمان في تحقيق أي انجازاتٍ فعليةٍ على أرض الواقع بعد. وحتى الآن، لم نسمع سوى الكلام المعسول غير المقرون بأية أفعال. وفي الواقع أيضاً، لا يمتلك الأمير وقتاً كافياً لتنفيذ القليل من وعوده حتى.

وقصص النجاح التي يُروج لها لا يُمكن رؤيتها على أرض الواقع حتى الآن.

خصخصة أرامكو.. حلم السعوديين المهدَّد!


وبالنظر إلى مشروع الأمير محمد بن سلمان لبيع شركة أرامكو التي يتطلع إليها السعوديون بكثير من الإعجاب ويعتبرونها ثروة قومية، فإنه يبدو ظاهرياً فكرةٍ مُبتكرةٍ رائعة. لكنَّ عملية البيع ليست بهذه السهولة على الإطلاق. إذ يرى العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أنَّ هذا المشروع لن يخرج بالصورة التي رسمها مهندسوه. فعند تأسيس أرامكو، لم يكن من المفترض إطلاقاً أن تدخل الشركة إلى السوق المفتوح، ولهذا فإنَّ الهيكل التنظيمي للشركة يفرض العديد من التعقيدات التي تجعل من خصخصتها أمراً يكاد يكون صعباً على مستوى قطاع الأعمال.

فقد ظهرت خلافات بين الأسرة الحاكمة في السعودية والمديرين التنفيذيين للشركة النفطية حول مكان إدراج أسهمها، الأمر الذي يُبطئ السير نحو تنفيذ الطرح العام الأولي المُخطط له عام 2018.

فالمديرون التنفيذيون يمارسون الضغوط على العاهل السعودي بشأن مزايا إدراج الشركة في سوق لندن للأوراق المالية، ويشعرون بالقلق من أن إدراجها في أميركا ما سيُعرِّض الشركة لمخاطر قانونية أكبر، بما في ذلك دعاوى قضائية جماعية ضد المملكة من قبل ضحايا 11 سبتمبر، ما قد يكلفها مئات الملايين.

لكن ولي ولي العهد السعودي يفضل بورصة نيويورك وقد ساعدت الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية الشهر الماضي تفضيله هذا.

هذا التردد حول مكان إدراج أسهم الشركة يسلط الضوء على الطبيعة المتفردة لجهد بيع حصص في أكبر شركة منتجة للنفط في العالم. فانخراط العائلة المالكة المتكتمة في صنع القرار، والارتباط الوثيق بين الأسرة، والشركة وحكومة المملكة، كل ذلك يجعل الصفقة تتميز عن باقي الجهود حول العالم لخصخصة الأصول الحكومية.

عاصفة الحزم.. النكتة المضحكة


وبالحديث عن أفكار ومشاريع الأمير محمد بن سلمان، لا يمكن تخطي الحديث عن الحرب على اليمن. حصلت تلك الحرب على اسمٍ يُشبه الأسماء التي تمنحها القوى العظمى لعملياتها العسكرية الخاطفة. وفي محاولةٍ لإعادة أصداء الحرب الأميركية على العراق، أطلق الأمير محمد بن سلمان على عمليته في اليمن اسم "عاصفة الحزم". وكان المفترض أن تستغرق العملية بضعة أسابيع. وبعد أكثر من عامين، اليمن الآن تُعاني من كارثةٍ إنسانيةٍ ضخمة اختار العالم تجاهلها، أما من الناحية العسكرية، تحولت العملية العسكرية -بحسب مقال غسان قاضي- إلى "نكتةٍ مُضحكة تسخر من الجيش السعودي الذي يمتلك ميزانيةً تتخطى ميزانية الدفاع الروسية".

ومن يعرف السعودية، يشعر بأنَّ المملكة تحتاج إلى معجزةٍ من أجل أن تتغيَّر وتصبح أكثر "واقعية" على الأصعدة التي تسمح لها بالوقوف على قدم المساواة مع الدول الأخرى.

لذا، مهما امتلك الأمير محمد بن سلمان من روح واصرار وموارد الإسكندر الأكبر، فإنَّ السعوديين كما يقول غسان قاضي "ليسوا المقدونيين الذين ذكرهم التاريخ ولا الروس المعاصرين".

فعندما عانت روسيا من أسوأ فتراتها في عصر بوريس يلتسن، كانت الروح الروسية التي لا تعرف الهزيمة في انتظار القيادة السليمة. وعندما أخذ بوتين موقفاً، وقف إلى جانبه الروس. لكن أي شخصٍ يعرف المملكة والسعوديين سيخبرك إن هذا لا يُمكن أن يحدث في السعودية، ولن يحدث في المستقبل القريب حتى.

حصار قطر وعلاقة الثنائي بن سلمان وبن زايد


وربما تكون الحملة المفاجئة والمثيرة لعزل قطر، والاستقطاب منقطع النظير الذي أحدثه فيما بين الخليجيين الذين تربطهم علاقات قبائلية معقدة، هي أحدث قصص الأمير الذي يبشر الإعلام المؤيد له بـ"شرقٍ أوسط جديد أفضل".

غير أن شبه الجزيرة العربية ليست كبيرةً بما يكفي لاحتواء جميع طموحات حُكَّامها. فقد تأججت الخصومات في المنطقة وسط كفاح كلٍ منها لإقامة مراكز شحن عالمية، وشركات طيران، وأذرعٍ إعلامية، وقوات استطلاع، وأحياء المال والأعمال في مدنهم الحديثة. فمنذ جيلٍ مضى، كان الخليج تحكمه مجموعةٍ من بُناة الوفاق المجتمعي، الذين تمحور اهتمامهم حول الحفاظ على الاستقرار. لكنَّ أموال النفط، والترسانات العسكرية الضخمة، ودعم ترامب، كل هذه الأمور تُنذر بتحويل أحفادهم -بحسب مجلة إيكونوميست الأمريكية- إلى "حكامٍ مُستبدِّين متعالين يميلون لتأجيج الخلافات بدلاً من التوصِّل إلى تسويات مُرضِية".

وبالتأكيد، فإن أهم علاقات المنطقة حالياً ربما تكون علاقة الثنائي الذي يتكون من الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي البالغ من العمر 56 عاماً. فالأميران -بحسب ما ذهبت إليه مجلة بوليتيكو– لا يتشاركان فقط الرغبة في شن حربٍ مزدوجةٍ ضد إيران والإسلاميين فقط، بل يمتلكان أيضاً الامتنان والتقدير العميقين لاعتماد الدول الخليجية المحافظة على الولايات المتحدة. فقد تعاون كلاهما بدهاءٍ على صقل صورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يتوق لعرض ما يبدو وكأنه استراتيجيةٌ جديدةٌ لهزيمة الإرهاب والتصدِّي لإيران.

إلا أن انعكاسات المغامرة الأخيرة لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد في الأزمة الخليجية بدأت تظهر على السطح؛ فقد نشر وكالة Bloomberg الأميركية تقريراً كشف أن هذه الدول لم تعد رهاناً مضموناً للمستثمرين في أسواق الشرق الأوسط النامية.

فبعد أن قطعت السعودية وحلفاؤها العلاقات الدبلوماسية ووسائل النقل البرية والجوية مع قطر، تراجعت مكانة دول الخليج كاقتصادات ثرية في مجال تجارة السلع وذات تصنيفات ائتمانية مرتفعة.

محمد بن سلمان ومحمد بن زايد كانا يأملان أن تتكلل حملتهما على قطر بنصر سريع وحاسم. إلا أن أن قطر بدورها تعرف كيف تلعب بالأوراق وتتبادل الأدوار بحسب ما تتطلبه الضغوط. ومع استمرار هذه الأزمة، فإن الدور المستقبلي لمحمد بن سلمان ومحمد بن زايد في الشرق الأوسط، سيصبح -سواء كانا معاً أم بشكل منفصل إذا فرقتهم المصالح- أكثر وضوحاً، بحسب بوليتيكو التي أضافت إن "الثقة الزائدة بالنفس ليست وصفة ناجعة للنصر، وأي خطأ قد يكون له عواقب مروعة على المنطقة، والعالم على حد سواء".

السعودية تحتاج إلى أكثر من مجرد قائدٍ عظيم


وإذا كان الأمير محمد بن سلمان يرغب في أن يحدث تغييرات، عليه أولاً أن ينهض بالسعودية، لكنَّ السعوديين بحاجةٍ إلى أكثر من مجرد قائدٍ عظيمٍ حتى يتمكنوا من المشاركة في العالم الحقيقي. وعملياً، بعد سنواتٍ من الثراء والاستقرار، لم تُقدِّم السعودية للعالم -بحسب ما ذهب إليه غسان قاضي- شخصيةً فذَّة واحدة "في أي مجالٍ من مجالات التميُّز. ولم تُقدِّم عالماً، أو طبيباً، أو فناناً، أو موسيقياً، أو حتى رياضياً واحداً. وعوضاً عن ذلك، أغرقت مملكة الرمال العالم بالمدارس الدينية التي تُدرِّس وتدعو للتشدد، ولا يبدو أن الأمير محمد بن سلمان يمتلك الأرضية المناسبة لتغيير ذلك."

وأكثر ما يريده الأمير -أمام الحشد الذي يحشده في العالم السني- أن يُصبح قائداً سنياً عالمياً، واضعاً إردوغان نصب عينيه كمثالٍ للنجاح؛ بالرغم من أنَّ إردوغان في هذا السياق هو منافسه الأكبر على زعامة العالم الإسلامي السني."

ويُحاول الأمير محمد بن سلمان تصوير نفسه، أمام الشباب السعودي تحديداً "في هيئة المُصلح والمُنقذ الوطني. لكنَّه لا يُدرك أن بُناة الأمم عليهم التنفيذ، وليس الاكتفاء بالكلام المعسول".

وهذا الطريق يتطلب أمرين. فمن أجل أن يُنفِّذ وعوده، يحتاج إلى مهارات القيادة، والدعم الشعبي. ويحصل الأمير محمد بن سلمان حالياً على دعمٍ يتخطى الأمنيات الطيبة، لكنَّ الأداء الذي يقدمه فهو بمثابة مقامراتٍ فاشلة أو أكثر من ذلك بقليل.

"فأي فتحٍ ذاك الذي سيعود به بن سلمان إلى أرض الوطن؟" بحسب ما يختتم الكاتب غسان قاضي مقاله، و"وأي ملوكٍ وأمراء سيتبعون ركبه إلى روما بعد مرور الزمن؟".

تحميل المزيد