انقشع دخان حريق برج غرينفل في لندن، وبدأت تتكشف معه قصص وحقائق هذا المبنى الذي اشتعل ليلاً، مودياً بحياة ما لا يقل عن 12 شخصاً.
أسباب الحريق ومغامرات الإنقاذ، ومن كان المسؤول، ومن كان الضحية، كلها خيوط بدأت تتكشف شيئاً فشيئاً، فقد علَّق الكاتب والفنان أكالا، الحائز جائزة موبو، والذي يعيش بالمنطقة التي وقع فيها الحريق، قائلاً إنَّ الناس الذين ماتوا في الحريق ماتوا "لأنَّهم كانوا فقراء"، بحسب ما نشرته صحيفة The Independent البريطانية.
وقال أكالا: "إنَّ الناس الذين ماتوا وفقدوا منازلهم، إنَّما حدث ذلك لهم لأنَّهم فقراء. نحن في واحدةٍ من أغنى الأماكن، لا في لندن فحسب، وإنَّما في العالم كله. ومع ذلك، تجاهلت السلطات طلباتٍ متكررة. مستحيل أن يعيش الأغنياء في مبنى دون وسائل مكافحة حريق مناسبة! كل الناس الذين تكلمت معهم لم يسمعوا إنذار الحريق، ولم يكن هناك نظام رش لإطفاء الحريق..".
وأرسلت السلطات مئات من رجال الإطفاء إلى المبنى ذي الـ24 طابقاً القابع شمال كينسينغتون، حيث قال شهودٌ عيان إنَّهم رأوا مناظر "مروعة".
وكان العديد من السكان قد حوصِروا في منازلهم بعد امتلاء الممرات بالدخان، وقال البعض إنَّهم لم يسمعوا أي إنذارٍ عندما بدأ الحريق.
أحد السكان، ويُدعَى جوي ديلاني، والذي نجح في الهرب من النيران وساعد بعض جيرانه على الخروج من المبنى بأطفالهم، دعَّم مزاعم أكالا بأنَّه "لم يكن هناك صوت إنذار".
وقال أكالا، رداً على تعليق المُعلِّق جون سنو بإنفاق الأموال على تجديد المبنى العام الماضي: "كان المبنى مزعجاً لأعين الأغنياء الذين يسكنون مقابله. لذا فقد وضعوا لوحات، لوحات جميلة بالخارج؛ حتى لا يضطر الأغنياء الذين يسكنون في الناحية الأخرى إلى النظر لذلك المجمع السكني البشع".
قصص مروعة
وتروي أمٌ ثكلى اللحظات الأخيرة لابنها، البالغ من العمر 5 سنوات، والذي فُقِدَ في خضم جحيم الدخان الأسود المنبعث من البرج بينما كان يحاول يائساً الهرب من شقة أسرته في الدور الـ18 مع أقاربه، وفقاً لما نشرته صحيفة The Daily Mail البريطانية.
وكان إيزاك شاو (5 أعوام) يمسك يد واحدٍ من جيرانه، لكنَّه اختفى عندما تعثر والده وأخوه لوكا (3 أعوام) على أحد سلالم الحريق. وكُشِفَ النقاب عن هذه القصة المروعة عندما تم تأكيد أول ضحايا الحريق.
وتأكد كذلك موت اللاجئ السوري محمد الحاج علي (23 عاماً)، الذي جاء إلى بريطانيا سعياً وراء حياةٍ أفضل، في الحريق بعد أن افترق عن أخيه عندما اندفعا للهرب من النيران.
وقد أكدت الخميس 15 يونيو/حزيران 2017، أسرة محمد الحاج علي، طالب الهندسة الذي فر منذ 3 أعوام من بلدة درعا السورية التي مزقتها الحرب، وكذلك أكد أصدقاؤه، أنَّه مات في حريق الأربعاء الذي خلَّف ما لا يقل عن 17 قتيلاً.
لكنَّ أخاه الأكبر عمر، (25 عاماً)، طالب التجارة، نجا من الحريق، وهو الآن في حالة مستقرة بالمستشفى. وكانت أسرتهما قد قالت في وقتٍ سابق إنَّها "قلقة للغاية" على الشقيقين.
وأكد المؤسس المساعد لحملة التضامن مع سوريا عبد العزيز الماشي هذه الأخبار، قائلاً إنَّه التقى الحاج علي بينما كان يعمل مع المنظمة التي تروج للحرية والسلام والديمقراطية في سوريا. وقال الماشي: "كان الحاج علي طيباً، وخيِّراً، ومليئاً بالحب لأسرته. لا أصدق أنَّه لم يعد هنا". وكان محمد الحاج علي قد درس الهندسة المدنية بجامعة غرب لندن، وكان يريد أن يعود إلى سوريا يوماً ما ليساعد بلاده.
كانت شقق هذا البرج ذي الـ24 طابقاً سكناً لما يصل إلى 600 إنسان، تأكد موت 17 منهم. وهناك 37 شخصاً يتلقون العلاج، بينهم 17 لا يزالون في حالة حرجة. وهناك ما لا يقل عن 40 شخصاً مفقودين. ويخشى البعض أن يكون العشرات من الأشخاص قد ماتوا عندما التهمت النيران البرج في الساعات الأولى من صباح الأربعاء. وأولئك الذين نجوا من الحريق كانوا يحاولون بعدها معرفة ما إذا كان أقاربهم وأصدقاؤهم وجيرانهم قد نجحوا في الخروج.
ضغوط على الحكومة
وتتعرض حكومة تيريزا ماي للضغط للرد على المزاعم بأنَّها أهملت طلباتٍ وردتها لتحسين نظام الأمن ضد الحرائق في المباني على الرغم من التحذيرات المتكررة من احتمالية حدوث كوارث مشابهة لحريق برج غرينفل، صحيفة The Independent البريطانية
وقد استدعى جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال المعارض، جافين بارويل، المدير الجديد لمكتب ماي، ليخضع للاستجواب؛ وذلك لأنَّه لم يُعطِ الأمر ببدء مراجعة إجراءات الأمن خلال الفترة التي شغل فيها منصب وزير الإسكان.
وقد حظيت الكسوة التي أضيفت إلى البرج من أجل تحسين مظهره جزئياً خلال التحسينات التي جرت العام الماضي، باهتمامٍ خاص بعد الحريق.
وكانت وثيقة للتخطيط لأعمال التجديد نُشرت عام 2014 قد أشارت عدة مرات إلى "مظهر المنطقة"، واستُخدِمَت لتبرير استخدام المادة التي استُعمِلَت لتغطية الجزء الخارجي من المبنى.
ويقول الخبراء الآن إنَّ هذه الكسوة ربما تكون قد ساعدت على انتشار النيران أسرع في الجزء الخارجي من المبنى.
وقال مايك بينينغ، وهو عضوٌ محافظ بالبرلمان البريطاني، وعمل سابقاً كرجل إطفاء ثم وزيراً للدولة لجهاز الشرطة والإطفاء: "من الواضح أنَّ هذه الكسوة قد نشرت النيران. نحتاج إلى أن نعرف ما الذي جرى".