يواجه النيل -مصدر الحياة للملايين- خطراً محدقاً، أو أنه هو نفسه قد يصبح خطراً محدقاً على الناس الذي يعيشون على ضفافه.
فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، يُفتَرَض أن يتضاعف مجموع سكان بلاد حوض النيل حتى عام 2050 ليصل إلى مليار شخصٍ تقريباً، واضعاً مصادر المياه النادرة تحت ضغطٍ غير مسبوق.
وتدلِّل تقارير جديدة على أن تغيُّر المناخ سيضيف الكثير إلى الأزمة سريعة النمو التي تحل بأحد أعظم أنهار العالم، وفقاً لما ذكره تقرير لـ"ميدل إيست آي".
ويقول تقرير، أعدَّه أكاديميون من معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا، إن الاحتباس الحراري العالمي يعني أن مستويات مياه النهر تصير غير مُتوقَّعة على نحوٍ متزايد، ما قد ينتج عنه فيضانات مُدمِّرة لعامٍ واحدٍ، ثم جفافٌ مُهلِك في العام الذي يليه.
ولقد بدأت الزيادة المُتغيِّرة في مستويات المياه تحدث بالفعل. ففي عام 2015 وبدايات 2016، ضرب جفافٌ شديدٌ العديد من دول حوض النيل، تلتها بعد ذلك فيضاناتٌ غامرةٌ واسعة النطاق.
ويقول البروفيسور الفاتح الطاهر، أحد كاتبي التقرير: "هذا ليس أمراً مُجرَّداً، بل إنه حدث بالفعل الآن".
المحيط الهادئ.. ليس هادئاً إلى هذا الحد
يقول الطاهر وزملاؤه الباحثون إن السبب الرئيسي وراء تنامي التغيُّر في مستويات مياه نهر النيل يقع بعيداً جداً في المحيط الهادي.
ويتسبَّب الاحتباس الحراري العالمي، الناتج بشكلٍ أساسي عن انبعاثات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري، في زيادة مدة وشدة ظاهرة تحدث في المحيط الهادئ تسمى ظاهرة النينو.
وظاهرة النينو هي التأثير الكبير الذي يقع على معدلات هطول الأمطار السنوية على مرتفعات إثيوبيا والمناطق المجاورة، وهي المناطق التي تعد مسؤولةً عن 80% تقريباً من مياه النيل.
ولآلاف السنين، كانت فيضانات النيل السنوية، بما تجلبه من طمي للأراضي الخصبة في دلتا النيل وباقي الأماكن، جزءاً من إيقاع الحياة. وفي العصور القديمة، صمَّمَ كبار الكهنة في معابد مصر مجموعةً من أدوات القياس لتوقُّع وقياس مستويات المياه.
والاحتباس الحراري الآن يُفسِد تلك الطرق القديمة.
ويقول التقرير إن العالم إذا استمر في مساره كما هو مُعتاد، وكأن الأشياء لا تزال على عهدها، دون تخفيضٍ حقيقي في حجم انبعاثات الغازات الدفيئة في السنواتِ المقبلة، فسيؤدي التغيُّر في معدلات الهطول إلى زيادةٍ ما بين 10 إلى 15% في أحجام الفيضانات السنوية.
قد يكون هذا إيجابياً لدولٍ تعاني من ندرة مواردها المائية مثل مصر، بتعداد سكانها الذي يصل إلى 91 مليون نسمة، والذين يعتمدون بشكلٍ أساسيٍّ على النيل كمصدر لمياه الشرب. ويُعد النيل حيوياً للحفاظ على قطاعات الزراعة والصناعة في الدولة.
ومع ذلك، إن لم تجر إدارة مستویات المیاه، وكذلك تنسیق التخزین والإطلاق من مختلف السدود والخزانات على طول نهر النیل، بشكلٍ صحيح، فستكون هناك فيضانات في العديد من المناطق.
ما وراء السد
ويحذِّر تقرير معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من أنه سيكون هناك عددٌ أقل بكثير من السنوات "العادية" عندما تتفق فيضانات النيل مع الأنماط التقليدية، ويقول الباحثون إنه سيكون هناك المزيد من المخاطر والمزيد من سنوات الجفاف.
ويأمل البروفيسور الطاهر وزملاؤه أن يؤدي ما وجدوه من نتائج إلى سياساتٍ طويلة المدى لإدارة النهر.
لكن المعارك بشأن السيطرة على النيل كانت مستمرةً لسنواتٍ، فالنهر الأطول في العالم يسري عبر عشر دول، ويُبنَى عليه الآن أكبر سد في إفريقيا- سد نهضة بإثيوبيا، قرب الحدود الإثيوبية السودانية.
ويُسبِّب سد النهضة خلافاً بين إثيوبيا، التي تبرز كواحدٍ من أهم اقتصادات إفريقيا النامية، وبين مصر، التي يخشى الفلاحون بها المستقبل، ويعتقدون أن سد النهضة سيحرمهم من مياه ري محاصيلهم.
ويقول التقرير إنه يجب التركيز أكثر على التأثير المحتمل لتغير المناخ والنمو السكاني على طول حوض النيل، بدلاً من الجدال حول السد.
ويقول الطاهر: "نعتقد أن تغيُّر المناخ يشير إلى احتياجٍ إلى طاقةٍ أكبر في المستقبل. والمشكلة التي تواجه النيل أكبر من مجرد خلافٍ حول سدٍّ".
دلتا النيل في خطر
وكان تقرير لموقع fairobserver.com "قد حذَّر من أن تغير المناخ يخلق شروطاً في مصر كانت قد عجلت من قبل بالحرب الأهلية السورية.
ونبه الموقع إلى أن دلتا النيل التي تضم 40 مليون نسمة وتشكل مصدر ثلثي إنتاج مصر الغذائي تتعرض للاختفاء التدريجي، وهذه نتيجة مباشرة لتغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحر، فالدلتا شبه مسطحة تماماً وارتفاعها عن سطح البحر حوالي متر أو مترين على الأكثر، وأرضها نفسها تغوص بينما مستوى سطح البحر يرتفع بسرعة أكبر بمعدل يبلغ حوالي سبعة مليمترات في السنة.
وأشار التقرير إلى أنه قبل الانتهاء من السد العالي في عام 1970، كان النيل يحمل معه 100 مليون طن من الرواسب الجديدة للدلتا كل عام، والتي كانت تعوض عن الأرض التي تغوص. كما أن السد منع تجديد أحزمة الرمال الواقية السريعة التي تحول دون التآكل قبالة الساحل.
ولفت التقرير إلى أن مشاكل النيل لا تتوقف عند هذا الحد. فسد النهضة الإثيوبي، وهو سد ضخم للطاقة الكهرومائية من المقرر أن يكتمل في عام 2017، سيؤدي إلى تقليل تدفق نهر النيل بمقدار الربع لمدة تتراوح بين 15 سنة و15 عاماً حتى يملأ خزانه المائي.
والمزارعون المصريون الذين لم يعد لديهم ما يكفي من المياه العذبة للري مباشرة من نهر النيل يسحبون مياه الآبار من خزان المياه الجوفية بالدلتا، والنتيجة هي أن مياه البحر والمياه المالحة تتوغل أكثر فأكثر نحو الداخل. وفي بعض المناطق التي تصل إلى 30 كيلومتراً تقريباً بعيداً عن الساحل، أصبح الماء المستخرج من طبقة المياه الجوفية مالحاً جداً للشرب.