هل لعبت “الغيرة” دوراً في مقاطعة دول خليجية لقطر؟ تقرير يقدم تفسيراً جديداً لأزمة الخليج

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/08 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/08 الساعة 15:49 بتوقيت غرينتش

يكمن السر وراء ثروة قطر في امتلاكها آلاف الأطنان من الخرسانة ومئات الكيلومترات من الكوابل الكهربائية. من جهة أخرى، يتدفق الغاز في قطر من حقل رأس لفان، وهو أكبر حقل للغاز في العالم، يوجد على بعد 60 كلم من العاصمة الدوحة.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحقل يخيل من بعيد بأنابيبه وأعمدته الضخمة كمصفاة عملاقة. ويتم هناك تصفية الغاز الطبيعي ومعالجته ثم ضخه في حالة سائلة في سفن خاصة ليتم توزيعه فيما بعد في كافة أنحاء العالم، وفق ما ذكرت صحيفة Suddeutsche Zeitung الألمانية.

في الواقع، أصبحت قطر، بفضل المنطقة الصناعية بمدينة رأس لفان، التي تأسست منذ 20 سنة، أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم. ولعل المخزون الضخم من الغاز الطبيعي الذي تملكه قطر من أهم دوافع الأزمة القطرية الأخيرة.

والجدير بالذكر أن قطر قد لعبت دوراً هاماً في مجال تحويل الغاز الطبيعي إلى مصدر طاقة متداول عالمياً، حيث كانت عملية نقل الغاز في البداية خلافاً للنفط مقتصرة على الأنابيب فقط. وقبل ظهور الأنابيب، عمد المنتجون والعديد من الأطراف إلى إبرام عقود طويلة الأمد قصد تمويل الاستثمارات الضخمة في مجال الغاز الطبيعي.

وقبل سنوات، كانت سوق الغاز الطبيعي تقتصر على أسواق جهوية موزعة على أميركا الشمالية وأوروبا. وفي الوقت الذي أصبح فيه الغاز الطبيعي المسال متداولاً عالمياً، انخفض سعره وبات ثاني مصدر للطاقة مكان الفحم.

ووفقاً لشركة تحليل البيانات "إي إتش إس"، تستورد 39 دولة حول العالم الغاز الطبيعي، علماً بأن عدد الدول التي كانت تستورد هذا النوع من الغاز كان محدوداً منذ 10 سنوات. وفي الأثناء، تتنقل سنوياً 170 ناقلة غاز طبيعي مسال بين البحار.

وفي سنة 2015، شكل الغاز الطبيعي المسال 40% من تجارة الغاز العالمية. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، سيتم الاعتماد على نقل الغاز عن طريق السفن بدل الأنابيب في أفق سنة 2040، وبالتالي سيصبح الغاز في المستقبل سلعة متداولة.

وقد دشنت قطر قبل سنوات بمدينة راس لفان مشروع اللؤلؤة لتحويل الغاز إلى سوائل – وهو الأكبر من نوعه في العالم – بطاقة إنتاج تصل إلى 2600 ألف برميل يومياً. وتصل تكلفة المشروع الذي تقيمه شركة شل 18.5 مليار دولار، وفق تقرير لقناة الجزيرة الإخبارية.

إيكسون موبايل وقطر

ساهمت الولايات المتحدة الأميركية في تحوّل قطر إلى أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم. فخلال التسعينات عمل أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني على تحويل شبه الجزيرة القطرية إلى أكبر مورد لهذا المصدر الطاقي في العالم. ويعود الفضل في ذلك إلى شركة "إيكسون موبيل" التي ساهمت عن طريق استثماراتها في ارتقاء الإمارة القطرية إلى القمة.

في سنة 2002، نجحت قطر في إنتاج كمية ضخمة من الغاز الطبيعي. وبحلول سنة 2007، أصبحت هذه الإمارة المصدر الأول للغاز الطبيعي المسال في العالم. وفي الوقت الراهن، تغطي قطر، التي يقدر عدد سكانها بحوالي 2.7 مليون ساكن، قرابة 30% من الطلب العالمي من الغاز الطبيعي المسال.

وفي هذا الإطار، تعد اليابان أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال نظراً لشحّ مواردها الطاقية، مع العلم أن هذه الدولة لم تكن تملك خطوط أنابيب خلال الستينات عندما كانت تكلفة إنتاج هذا الغاز باهظة للغاية. أما اليوم فقد أصبحت أسعار الغاز الطبيعي مقبولة.

في حقيقة الأمر، لعبت أميركا دوراً هاماً في اكتساح الغاز الطبيعي للأسواق العالمية. ففي سنة 2005 تواترت التحذيرات في الولايات المتحدة بشأن تدهور الاقتصاد الأميركي على خلفية ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وذلك نتيجة تراجع احتياطي البلاد من الغاز.

وبعد فترة قصيرة، حدث العكس تماماً، فقد بادرت الشركات الأميركية بتوظيف الصخور الزيتية العملاقة الموجودة في باطن الأرض لتصبح الولايات المتحدة من أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم.

علاوة على ذلك، تم استخدام المحطات المنتشرة على طول السواحل الأميركية التي كانت مُعدة في السابق لتوريد الغاز الطبيعي المسال، بهدف تصدير الغاز. وفي غضون سنة فقط، أصبحت قطر من أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال.

من ناحية أخرى، ساهم اكتشاف المزيد من حقول الغاز في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وآسيا في زيادة الطلب على هذا المصدر الطاقي، في حين اشتدت المنافسة على مستوى الأسواق العالمية.

في الواقع، ستظل قطر مسيطرة على سوق الغاز الطبيعي المسال رغم حملة المقاطعة التي شنتها ضدها دول الجوار. فقد عمدت قطر إلى إنشاء أنبوب غاز بغرض تغطية احتياجات كل من الإمارات وعُمان من هذا المصدر الطاقي. وفي الأثناء، قد تكتفي هذه الإمارة بتركيز كل اهتمامها على عملائها في آسيا وأوروبا وأميركا.

أسباب دفينة

وعلى ضوء هذه المعطيات، يمكن الجزم بأن حملة المقاطعة الأخيرة التي استهدفت قطر كانت لها أسباب دفينة لعل أبرزها الشعور بالغيرة بشأن المخزون الضخم من الغاز الطبيعي الذي تملكه قطر الذي أهّلها لأن تصبح المورد الرئيسي للغاز الطبيعي منذ 20 سنة.

عموماً، بإمكان قطر أن تستغني عن جيرانها بفضل ثروتها من الغاز الطبيعي. في المقابل قد يؤدي إلى ذلك إلى دفع الدوحة لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع العديد من الأطراف في الشرق الأوسط، فضلاً عن أميركا وروسيا، بالإضافة إيران التي تشترك مع قطر في الحدود على مستوى حقل رأس لفان. وفي خضم كل هذه الأحداث والتجاذبات لابد من الإشارة إلى أن دول الجوار تسعى إلى تقليص النفوذ القطري في المنطقة.

تحميل المزيد