فوضى ترامب.. لماذا أثار الرئيس الأميركي قلق الكويت وعُمان، واستغرق يوماً كاملاً لإدانة هجوم داعش في طهران؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/08 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/08 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش

تبدو الأمور في الشرق الأوسط معقدة أكثر مما كان يتخيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويبدو أن طريقة تحليلها بالأبيض أو الأسود، ومن ليس معنا فهو ضدنا غير ملائمة.

فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن سلطنة عُمان والكويت قلقتان من تأييد ترامب الشامل لموقف السعودية والإمارات حيال قطر.

ويأتي هذا كإحدى النتائج العرضية الخطيرة للحملة ضد قطر التي تورّط فيها ترامب الذي وجد نفسه مضطراً في الوقت ذاته لإصدار بيان إدانة للهجوم الذي نفّذه أخطر خصومه "داعش" ضد خصمه الآخر إيران، بينما التحالف الذي يفترض أن يقوده ضد هذين العدوين ممزق بشكل غير مسبوق.

واعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية أن ترامب "أشعل الشرق الأوسط وسيصنع التاريخ بسوء الإدارة على المستوى العالمي"، من خلال دوره في الحملة السعودية الإماراتية المصرية ضد قطر.

على من الدور؟

ونقلت "نيويورك تايمز" عن مُحلِّلين قولهم إنَّ تأييد ترامب الشامل الذي تحظى به السعودية جرَّأها، وتسبَّب في قلقٍ لبعض الدول الخليجية الأخرى، ومن بينها عُمان والكويت، خوفاً من أن تواجه أي دولةٍ تتحدى الإمارات والسعودية مصير النبذ كما حدث مع قطر.

وقال جيرالد فيرشتاين، وهو سفيرٌ أميركي سابق لدى اليمن، وكان دبلوماسياً من الدرجة الثانية في وزارة الخارجية الأميركية، ومسؤولاً عن الشؤون السياسية بمنطقة الشرق الأوسط من عام 2013 حتى 2016: "تشعر كل دولةٍ في المنطقة بالقلق إزاء كارثةٍ محتملة، وتظن أنَّ الدور عليها".

وقال فيرشتاين، الذي يشغل الآن منصب مدير شؤون الخليج بمعهد الشرق الأوسط: "بالنسبة للدول الخليجية، يكمن هدفها الأهم في الخروج من كل هذه الأزمة بتوافقٍ في الآراء حول مكافحة تمويل الإرهاب، وعدم تمزيق مجلس التعاون الخليجي إرباً صغيرة".

وأشارت الصحيفة إلى أن مجلس التعاون الخليجي هو رابطةٌ مُفكَّكة تجمع الدول السُنِّية العربية.

وبعد تغريدات ترامب المثيرة للجدل يوم الثلاثاء 6 يونيو/حزيران 2017 التي بدا فيها منحازاً للسعودية والإمارات، أخبر ترامب القادة السعوديين والقطريين بأنَّ الحملة ضد تنظيم داعش ستكون أكثر فاعلية مع وجود تحالفٍ متحد.

وتحدث ترامب، أمس الأربعاء، أيضاً مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، مؤكداً أهمية وحدة مجلس التعاون الخليجي لتعزيز الاستقرار الإقليمي، "شريطةُ ألا يأتي ذلك أبداً على حساب القضاء على التطرف الراديكالي، أو استئصال جذور الإرهاب"، وفقاً لتصريح أحد مسؤولي الإدارة الأميركية.

وداخل الإدارة الأميركية، لطالما أشار تيلرسون، ووزير الدفاع جيم ماتيس، مراراً وتكراراً إلى أنَّ الولايات المتحدة لا يمكنها تحمُّل انقسامٍ بين السعودية وقطر، إذ يتمركز حوالي 11 ألفاً من القوات الأميركية في قاعدة العديد الجوية، خارج الدوحة، حيث تُدار الحرب الجوية ضد داعش.

صدمة قطرية

وحسب "نيويورك تايمز" فإن المسؤولين القطريين قد صُدِموا من التناقض بين التصريحات الحيادية الصادرة عن وزارة الخارجية والبنتاغون، وتغريدات ترامب التي انتقد فيها دولتهم الخليجية الصغيرة. وبدأوا في سؤال المسؤولين الأميركيين عمَّا إذا كان هناك خطرٌ يهدِّد تحالفهما القائم منذ أمدٍ بعيد.

وانتقد العضو الجمهوري روبين جاليجو تغريدات ترامب عبر تويتر، مؤكداً أنها تظهره كأنه "غير كفء" لمنصبه، مضيفاً أن ترامب كشف عن "جهله" بهذه التعليقات.

وتابع جاليجو: "الأمر معقد مثل باقي المواقف الدبلوماسية، وترامب غير كفء لتمثيل سياسات أميركا الخارجية".

لكن ترامب عاد يوم الأربعاء 7 يونيو/حزيران 2017، وعَرَض لأن يدعو كلا الجانبين إلى البيت الأبيض، واقترح تأدية تيلرسون دور الوسيط.

وأشارت "نيويوك تايمز" إلى أنه بينما يُعَد تمويل قطر لجماعة الإخوان المسلمين، التي يعتبرها السعوديون والمصريون تهديداً خطيراً، حقيقةً لا يخالطها شك، يمكن توجيه هذه التهمة نفسها إلى السعوديين، الذين سمحوا بتدَفُّق أموالٍ لمتطرفين سُنِّيين آخرين.

كذلك يشكو السعوديون من تعاون الدوحة العَرَضي مع إيران. وقد تضاف العلاقة مع إيران إلى الشكوك التي تساور ترامب حيال قطر.

التعاطف مع إيران

بالنسبة للإدارة الأميركية، كان يوم الأربعاء 7 يونيو/حزيران 2017، الذي هاجمت فيه داعش إيران بمثابة تذكيرٍ بأنَّ العالم لا يعمل وفقاً لنظرية "إما أبيض أو أسود" التي استخدمها ترامب أثناء سير حملته الانتخابية وفي تغريداته على موقع تويتر، تلك النظرية التي يُفتَرَض بموجبها أن الدولة الإسلامية ذات الأغلبية السُنِّية ودولة إيران الشيعية هما جزءٌ من سلسلةٍ متصلة من "التطرف الإسلامي الراديكالي".

تقول "نيويورك تايمز" إنه نادراً ما تحدثت إدارة ترامب عن إيران بشيءٍ غير اتهامها بأنَّها راعية الإرهاب الرئيسية في العالم، ودولةٌ تطمح لامتلاك أسلحةٍ نووية.

ولذلك، فحين استيقظ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم أمس، الأربعاء 7 يونيو/حزيران، على صور هجومٍ في إيران من تدبير تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وضعه ذلك في مأزقٍ حاد، فكيف يُدين ترامب العُنف دون أن يبدو متعاطفاً مع الضحايا؟

وقال عدة مسؤولين في الإدارة الأميركية إنَّهم استغرقوا معظم ساعات اليوم في البيت الأبيض للعمل على كتابة صيغةٍ مختصرة وحادة لبيانٍ يهدف إلى إظهار التعاطف مع الرأي العام الإيراني، حتى لو أشار البيان بوضوحٍ إلى أنَّ سلوك القادة الدينيين في طهران هو الذي جعل الشعب الإيراني مستهدفاً، وفقاً لـ"نيويورك تايمز".

وكتب ترامب في بيانه: "نشعر بالأسف، ونُصَّلي من أجل الضحايا الأبرياء للهجمات الإرهابية في إيران، ومن أجل الشعب الإيراني الذي يمر بهذه الأوقات العصيبة. ونؤكد أنَّ الدول التي ترعى الإرهاب قد تسقط ضحيةً للشرور التي تخلقها".

وتوَّج البيان يوماً حافلاً بالأحداث شهد إلقاء ترامب بأيديه في غمار السياسات الفوضوية لبعض دول الخليج العربي، محاولاً أيضاً لعب دور المُصالِح في نزاعٍ شديدٍ بين قطر وبعض جيرانها من الدول المُسلِمة السُنِّية الأخرى، وهو ما هدَّد بشقِّ وحدة الصف في تحالف الشرق الأوسط الذي يحارب داعش.

وقال روبرت مالي، وهو كبير مستشاري الشؤون السياسية في الشرق الأوسط بإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: "هذا مثالٌ على الأولويات المُتنافِسة والتناقضات التي تواجه الإدارة الحالية، التي ستُثبت صعوبة التوفيق بينها".

وأضاف: "لا يمكنك أن تستنفد جميع جهودك ضد إيران، وضد داعش والإرهاب، وتحافظ في الوقت نفسه على مبدأ "أميركا أولاً"، بمعنى آخر، حاول ترك بصمةٍ خفيفة في المنطقة".

وقد أكَّد رد ترامب المتردد على الهجوم الإرهابي الذي وقع في إيران أنَّ العقبات التي تعترض اتباع استراتيجيةٍ موحَّدة تأتي من واشنطن أيضاً.

خلاف حول طهران

وحسب "نيويورك تايمز" فإنَّ إدارة ترامب منقسمةٌ حول كيفية التعامل مع طهران، إذ يشهد البيت الأبيض طوال الأسابيع الماضية رؤيتين متنافستين للسياسة الإيرانية.

وكان البيان المُنقسم بعنايةٍ إلى شقَّين، والصادر عن البيت الأبيض بخصوص الهجوم الذي وقع في إيران، الذي خلَّف 12 قتيلاً و46 مُصاباً، قد صدر قبل الساعة الرابعة مساءً بوقتٍ قصير في واشنطن. وقبل ذلك بأكثر من 3 ساعات، كانت وزارة الخارجية الأميركية قد أصدرت بياناً خاصاً بها لإدانة الهجمات.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت: "نُعرب عن تعازينا للضحايا وأُسَرهم، ونَدعي ونُصلي من أجل الشعب الإيراني. إنَّ فظاعة الإرهاب ليس لها مكانٌ في عالمٍ سلمي ومُتحضِّر".

وكانت إحدى المجموعات في مجلس الأمن القومي الأميركي تضغط لإيجاد سُبلٍ لمعاقبة إيران، على أمل إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، والتي كانت قد رُفعَت بعد الاتفاق النووي الذي حدث بين قوى عالمية والجمهورية الإسلامية عام 2015.

وقد تطيح هذه الاستراتيجية بالاتفاق، الذي يرغب مسؤولون آخرون داخل الإدارة الأميركية، ومن وبينهم ماتيس، ومستشار الأمن القومي الأميركي، الفريق هيربرت ماكماستر، في الحفاظ عليه لمنع إيران من تطوير سلاحٍ نووي بسرعة. وحتى الآن، تلتزم إيران ببنود الاتفاق.

لكن لا يبدو أنَّ هناك فرصةً لأن تحاول إدارة ترامب إيجاد قضيةٍ مشتركة مع طهران بخصوص محاربة تنظيم داعش، ولا يبدو كذلك أنَّ هناك استراتيجيةً محددة حتى الآن لإدارة المنافسة المتزايدة بين السعودية وإيران للسيطرة على الشرق الأوسط، وفقاً لما ذكره مسؤولون في الإدارة الأميركية.

والنتيجة هي أنَّه بينما تجد إدارة ترامب نفسها الآن في وسط النزاع السعودي القطري، قد تجد نفسها عالقةً بين السعودية وإيران قريباً.

وفِي هذا الإطار، أشارت الغارديان البريطانية إلى أن الحرس الثوري الإيراني ألقى باللائمةِ في هذه الاعتداءات، التي تبدو أنها مُنسَّقَة، على السعودية. وبغضّ النظر عن حقيقة تلك الادعاءات، فمن المُحتَمَل أن يكون لها تأثيرٌ سياسيٌ كبير خارج إيران، مع إمكانية تسببها في توتراتٍ بين أميركا والسعودية وباقي دول الخليج.

وقال كريم سجادبور، وهو زميلٌ بارزٌ في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "من مصلحة الولايات المتحدة محاولة إجبار طهران والرياض على معالجة خلافاتهما والتعاون ضد داعش. ولن تُسبِّب الجفوة وانعدام الثقة بين إيران والسعودية سوى وقوع المزيد من الضحايا المدنيين في سوريا واليمن، وتدفُّق المزيد من اللاجئين إلى أوروبا، والمزيد من التطرف السُنِّي الشيعي".

علامات:
تحميل المزيد