لنبدأ بكلمة لا أدري؛ لأنني أظنها تصف الحالة النفسية لمن يملك ذلك التعدد القطبي في العقل، وما أقصده بالتعدّد القطبي، أي تنوع الأقطاب الفكرية التي توجه حياتك الواقعية، قناعات مختلفة "غير متناقضة"، وأيضاً "غير منسجمة"، ويوجد فيما بينها فوارق زمنية قد تجعل منها صالحة لفترات لم تأتِ بعد، ولكن يمكن الاعتماد عليها في مراحل أو مواقف معينة.
ما يجعلني أتساءل أحياناً هو ذلك الفرق بين الماضي والحاضر في هذا التعدد القطبي الفكري، وهل هو فعلاً يحقق النجاح أم أنه مجرد ثقل نوعي يغير في بنية العقل ولا نجد له انعكاسات واقعية ملموسة، يقولون إن الاختصاص هذه الأيام هو أساس النجاح، فعندما تختص في أمر واحد فقط وتكون محكم السيطرة عليه فهذا هو أول مفاتيح نجاحك، وغالباً أن هذا يمثل قناعات الكثير من الأشخاص، حتى التعليم الجامعي وما بعده انتهج مبدأ التخصص.
لكن عندما أفكر في سقراط وأرسطو وإقليدس وفيثاغورس وابن سينا، والفارابي، والغزالي، وابن رشد، وابن حيّان، وأبو العلاء المعري وديكارت وكانت ونتشه وبيكاسو ودافنشي وموزارت والمتنبي وجرير والفرزدق ونجيب محفوظ ومصطفى محمود، وغيرهم ممن تعددت أقطابهم الفكرية، فترى في واحدهم الفيلسوف والفلكي والطبيب والشاعر والرسام والمفكر والكاتب ورجل الدين، حينها أرى أن التخصص ما هو إلا ضرب من البلادة الفكرية، وأنّ الأساس هو التنوع.
وأن الإنسان إن كان ممن يفكرون بالنجاح الحقيقي، يجب أن لا ينخدع بتلك النجاحات السريعة كالحصول على شهادة جامعية أو فرصة عمل جيدة أو مشروع استثماري ناجح، هذا هو الطابع العام لغالبية الأشخاص وهو يمثل نجاحاً صغيراً وسريعاً يندثر بسرعة؛ لأن أهم صفة من صفات النجاح الحقيقي هي الاستمرارية، والإضافات وطبيعة التغيير الذي يصنعه، وغالباً ما تكون النجاحات الحقيقية بطيئة واستثنائية تخالف الطابع العام، ولكنها مدوّية في حال حدوثها.
في جولة عامة على الناجحين الحقيقيين عبر الزمن الماضي والحاضر سترى فعلاً أنهم من أولئك الذين تنوعت أفكارهم وتشعبت نظرتهم للحياة؛ حيث نظروا لها من عدة مناظير علمية وفكرية، وبالتالي تكونت لديهم رؤية أكثر دقة وشمولاً وفهماً للواقع المحيط، أولئك الحائرون دائماً الذين يطرحون الأسئلة ويبحثون عن الإجابات، بطرائق مختلفة ومتنوعة رسمت ملامح شخصياتهم التي صنعت التغيير حينها في مكان ما على هذا الكوكب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.