أحمد الفيشاوي والثلاثة يشتغلونها

تابعت -كما تابع الآلاف- الظهور الأخير للفنان أحمد الفيشاوي في أحد البرامج المصرية. في البداية جذبني مظهره الغريب، قميصه المزركش، الحلق في أذنه والوشوم التي تظهر قرب ياقة قميصه وكأنها تقول إن الجسد امتلأ بالوشوم حتى طفح الكيل ولم يعد هناك مساحة متوفرة إلا على الرقبة. لفتني ذلك بالطبع لكن ما شدّني لإكمال الحلقة إلى آخرها هي شخصية الفيشاوي الفريدة باندفاعها وصراحتها المفرطة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/06/05 الساعة 05:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/06/05 الساعة 05:14 بتوقيت غرينتش

تابعت -كما تابع الآلاف- الظهور الأخير للفنان أحمد الفيشاوي في أحد البرامج المصرية. في البداية جذبني مظهره الغريب، قميصه المزركش، الحلق في أذنه والوشوم التي تظهر قرب ياقة قميصه وكأنها تقول إن الجسد امتلأ بالوشوم حتى طفح الكيل ولم يعد هناك مساحة متوفرة إلا على الرقبة. لفتني ذلك بالطبع لكن ما شدّني لإكمال الحلقة إلى آخرها هي شخصية الفيشاوي الفريدة باندفاعها وصراحتها المفرطة.

لم أكن أعرف عن الفيشاوي إلا أنه البطل في فيلم "الحاسة السابعة"، لكن مشاهدتي للحلقة دفعتني للبحث والاستقصاء عن هذا الشخص علّني أفهم شخصيته الغريبة.

ما وجدته أن حياته كانت حافلة بنقاط التحول والانتقال من أقاصي اليمين إلى أقاصي اليسار. ذكّرني كثيراً بفيلم "الثلاثة يشتغلونها" لياسمين عبد العزيز؛ حيث تلعب فيه دور نجيبة التي تنجح في الثانوية العامة بمعدل 101% وتدخل كلية الآثار.

تتعرف خلال الفيلم على ثلاثة شبان لكل منهم شخصية وانتماءات مختلفة ونجدها على مدار الفيلم تتبنى أفكار الآخرين وتتشربها وتعيشها حتى أقصاها.

فعندما تصادق الشلة "الصايعة" تغير شكلها ونمط حياتها وتشاركهم في كل حفلاتهم وسهراتهم.

وعندما تصادق شاباً يدّعي مدافعته عن حقوق الطبقة الكادحة تشارك في مظاهرات حزبه بل وتتصدرها أيضاً، ثم تصادق الشلة "المتدينة" وتصبح من المريدين المخلصين لأحد الدعاة.

ربما لم تكن الغاية من الفيلم إظهار نجيبة بشخصية متطرفة بقدر ما كانت الغاية إظهار أنها تبحث عن نفسها وهويتها التي تقذف بها الرياح في اتجاهات مختلفة قبل أن تستقر وتحدد في أي طريق تريد أن تسير.

لكن في الحقيقة هناك العديد من الأشخاص يتمتعون بشخصية متطرفة ويرون الحياة بمنظور الأبيض أو الأسود ولا يقيمون اعتباراً لدرجات الرمادي، وأظن أن الفيشاوي من هؤلاء الأشخاص؛ فقد تحول الرجل من إنكاره لنزوة أثمرت عن طفلة -تبرّأ منها- إلى رجل يعترف بارتكاب الموبقات دون خجل أو تأنيب ضمير، فما وجهت له مقدّمة البرنامج تهمة إلا وأثبتها على نفسه بدءاً من تعاطي المخدرات إلى شرب الخمر إلى تعدد العلاقات.

في حين أنه صرّح في نفس الحلقة بأنه كان سلفياً وتصوّف فترة من الزمن، وتذكرت هنا أحد المشايخ السلفيين المشهورين الذي ألحد فجأة ولم يكتفِ بإلحاده بل أخذ يؤلف كتباً ومجلدات يشتم فيها الدين، فكان متطرفاً في إلحاده كما كان متطرفاً في إسلامه.

يمكن أن يعزو البعض انقلاب الفيشاوي الدراماتيكي إلى رفض المجتمع الديني له بعد الذنب الذي ارتكبه والفضيحة التي أعقبته وأساءت له ولعائلته، لكن هل يمكن لرفض كهذا أن يؤثر في شخصية الإنسان إلى هذا الحد الكبير؟ هل يمكن لرفض المجتمع أن يعيد تشكيل وصياغة التركيب النفسي للإنسان بشكل جذري؟ الكثير من الناس تعرضوا للنبذ والرفض من مجتمعاتهم لأسباب شتى، لكن الرفض في كثير من الأحيان كان سبباً في قربهم من الله ومن أنفسهم وجعلهم أشخاصاً أفضل.

بالطبع لست في موقع أن أعزو تصرفات الفيشاوي لإصابته باضطراب نفسي فلست طبيبة نفسية ولا علم لديّ بتشخيص حالته، التي يمكن أن تكون طبيعية جداً، ربما تكون مجرد نمط مختلف من أنماط الشخصية، لكن اندفاعه، وتدينه، وتصوّفه، وتطرفه، وإدمانه للمخدرات وللألم الذي يحدثه رسم الوشم على جسده، وفشله في الحفاظ على علاقة عاطفية مستقرة مع زوجاته، كلها أمور ترسم معالم شخصية حدية ومتطرفة بطبيعتها ولا أظنها بحال من الأحوال ناتجة عن رفض المجتمع له.

مما لا شك فيه أن ظهوره في البرنامج لم يكن لائقاً ولا مقبولاً -خاصة في مجتمعنا- لكنه على الأقل لا يؤذي أحداً بالطريقة التي يعيش فيها، وربما لو لم يكن الفيشاوي يعيش تطرفه بهذه الطريقة التي هو عليها اليوم لكان سيعيشه مقاتلاً في صفوف بعض الجماعات المتطرفة.. مَن يدري؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد