تختلطُ الألفاظ المعلنة في مناصرة فكرتَي الزواج والطموح، فمثلاً قد يقال: "إن مآل الفتاة لبيت الزوجية"، أو "إن الزواجَ سترةٌ للمرأة ونهاية لمطافٍ طويل لها"، أو يُصدح بالقول: "إن الزواجَ دافن للطموحات وقاتل للسيدات"، أو "إن المرأة الطموحة هي المرأة التي لا تضيق في تفكيرها بقضية الزواج".
وغيرها من المفردات التي لم تُنتج إلا حرباً ضروساً بينَ مفهومي الزواج والطموح، بين العلم والافتتان بالزواج، بينَ العمل والتربية، بينَ كل المتناقضات في فهمنا ووعينا تجاه القضايا والمفاهيم العظيمة لنا ولمجتمعاتنا.
في مفارقات عصية على فهمي تتصارع المقالات والأحاديث في الدفاع عن أحدِ الأمرين دون الآخر، حتى بات الأمر حرباً غير معلنة بينَ أصحاب القضيتين، والسؤال هنا: لمَ يعمدُ هؤلاء لكل هذا الصخب فيما يريدون؟ ولمَ يصروّن على إجبار المجتمع للسير في أحدِ السياقين دون الآخر؟ هل من الممكن أن يُخلق النسيج المجتمعي بالزواج وحده؟ أو هل من الممكن أن يتعالى البنيان للأمة بالطموح وحده؟
في محاولة للإجابة على كل هذا أكتب ما يعنيه كلا المعنين لديَّ:
– الزواج ركنُ القلب القويم، وغايةٌ الاستقرار الداخلي والعاطفي للإنسان، وهو الدافع لتكوين النواة الأولى للمجتمع (الطامح) وهي الأسرة.
– الزواج هو السلسلة المتاحة لتمام دورة هذا الكون وإثماره، فتتويج العلاقات بالزواج هو تتويج صحي ومُنتح لعلاقات صحية ونتائج أكثر صحية، من علاقات الصالونات والفساد المستورد.
– الزواج ليس هو الطموح، ولكنه غايةٌ سامية، شريطة الهيئة السليمة والمعطيات الصحية له.
– أما الطموح فهو الحلقة المغذية لحاجة الوجود الإنساني، فالدافع للوجود لدى أي إنسان هو الشغف والغاية في تحقيق الحلم والوصول لقمة الطموحات.
– الطموح هو الثمرةُ التي نرعاها لتكبر فنقطفها فنعزز حاجاتنا واحتياجاتنا في تحقيق ذواتنا والصعود لأعلى هرم ماسلو.
– وفي الطموح ضمان لتنافسية المجتمع وتلاقي أفكاره وإنتاجيته التعليمية والتربوية والعلمية وغيرها من الأصعدة الضامنة لصحة المجتمع.
هذا ما ملكته في تصوري عن كلا المفهومين اللذين يتناحران بيدِ مناصريهما، لم أستطِع أن أرى المجتمع بلا أحدهما، فأي شكل سيأخذه المجتمع دونَ عقد الزواجِ القويم، وأي ركن سيستند إليه المجتمع متعباً بعيداً عن طموح وعزيمةِ أبنائه؟
المشكلة في كل هذا الصراع هو التفضيل والرغبة بأحد المفهومين دون الآخر، كمن يقول: "أيهما أطول الشجر أم لون السماء؟"؛ لذا فإن الحل -برؤيتي- يكمن في الوعي تجاه هاتين القضيتين، وعدم النداء بأحدهما دون الآخر، أو إحكام القوانين لتعميم ما وافقَ ظروفنا دون النظر في حاجات المجتمع والقلب والغايات، فكم من أنثى رأت الزواجَ استقرارها وعطاءها على المستوى التربوي والمهاراتي؟ فتزوجتْ وأحسنَت البناء الأسري، واستقامت الغايةُ في فعلها وعطائها، وكم من أنثى رأتْ في غاياتها وأحلامها ضرورة أَولى من ضرورات الزواج وغاياته، فاستقامتْ خياراتها في تحقيق طموحها، وأثمرت به عطاءً وجمالاً، ثم أكملتْ تمتم قلبها وروحها بالزواج والحب، وكم من أنثى فاقت قدرتها كل التوقعات فتزوجتْ، وما استغنتْ عن طموحها، فكانت الأم والطموحةَ الناجحة والسيدة والمربية.
في كلٍ حكمة وظرف، وما ينطبق على أحدٍ ليس بالضرورةِ أن يثمرَ مع آخر، فلكل ظرفه وضرورته، ولكل عمل وقتيته وضبطه، فلا نحابي ولا نصارع في تفضيل ما نرغبه تعميماً في المجتمع، بل علينا إنجاز الإدراك في المجتمع حاجةً وضرورة والتركيز في الوقتية والحاجات النفسية والروحية أيضاً، لتمام الغاية لكل مفهوم ومعنى، فلا يغلب الطموح الزواج، ولا يتفسخُ معنى الطموح لصالح الزواج وهيمنته.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.