يربكنا الوقت لدرجة أنه يحدد وقْع خطانا، "لقد تأخرت.. "، "من المبكر أن.."، جميعها أحكام مع فارق التوقيت. نظن أننا قد أضعنا الوقت المناسب لفعل ما نريد أو ما زلنا نمتلك منه الكثير حتى نبدأ بفعل ما نريد، في الحالتين توهمنا امتلاك ما ليس لنا.
الوقت لا نمتلكه، نحن فقط نستشعر مروره، فلماذا نجعل رغباتنا، وأفعالنا ووجودنا رهيناً بما لا يمكننا السيطرة عليه؟!
نحن نمتلك فقط "الآن": اللحظة التي تعيشها الآن والتي اخترت أن تمضيها في قراءة هذه الكلمات. نحن نمتلك لحظة الحاضر، فيها يمكننا السيطرة على نسق الأحداث وتوجيهه.
"الآن" كان مستقبلك وسيصبح ماضيك، كنت تتوق إلى اكتشاف ما يحمله لك وقد تصبح تتفادى مروره بذاكرتك.
الخط الفاصل هو تحكُّمك في لحظة الحاضر؛ ففي ظل انشغالك بتوقعات مستقبلك وتحسُّرك على ماضيك تفقد التحكُّم في حاضرك وتعيش مع فارق التوقيت المزمن!
لكن، لماذا نعيش مع فارق التوقيت؟ لماذا نفعل الآن ما يتوجب فعله في وقت آخر، حالة أخرى، وضع آخر؟!
لماذا نفعل ما لا نريد ونريد ما لا نفعل؟! لماذا نرغب في العطاء في فقرنا ونمتنع في غنانا؟! لماذا نكون جبناء في قوتنا ونبحث عن الشجاعة في ضعفنا؟! لماذا نهرب في المواجهة ونواجه في هروبنا؟ لماذا نتشابه في اختلافنا ونختلف في تشابهنا؟! لماذا نحب عندما نكره ونكره عندما نحب؟! لماذا نبحث عما نفتقده ونفقد ما نملكه؟! لماذا نمنح الأشياء قيمة بعد زوالها؟ لماذا لا نكمل ما بدأناه ونبدأ ما لن نكمله؟
لماذا لا نستوعب وضعنا ونتعامل معه ببساطة ونستمتع بجميع تفاصيل يومنا؛ لأنها لن تمنحنا فرصة أخرى لعيشها؟!
إن جميع لحظاتنا غير قابلة للاستهلاك المتكرر، فقط حاول أن تستمتع بيومك: لا تنظر إلى ما فاتك منه ولا تنشغل بتوقُّع ما سوف يفاجئك به الآتي منه، فقط لحظة الحاضر.
ثمِّن ما لديك؛ لأنك لن تحصل على المزيد، لكن إن لم تكتشف ثراءك فقد تجد نفسك تتمنى ما كان أمامك وأضعته!
ولاستمتاعك بحاضرك اجعل هدفك دليلك.. استثمر كل لحظة للوصول إلى هدفك؛ فالعيش لا يمكن أن يكون هدفاً في حد ذاته. لا نستطيع أن نلامس هدفنا في معيشنا، فنحن نحتاج تلك المسافة التي تفصلنا عنه حتى نُستنزف فيها ونقدم قرابين تجعل الطريق مكافأة بلوغنا نقطة الوصول.
لذلك، من جعل العيش هدفه فسيلامسه عندما لا يملكه وسيكتشف أنه استنزف عيشه بحثاً عن مكسب يُختزل في حقيقة: العيش وسيلة تحقق خلودك.
فاترك كل يوم بصمةً تخبر المارين بأنك عبرت من هنا؛ حتى لا تكتشف متأخراً أنك عبرت ذلك الطريق، لا لتصل لنهايته؛ بل لتكن جزءاً منه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.