انتشرت تقاريرُ على شبكة الإنترنت هذا الأسبوع بشأن زيادة مفاجِئة وغامِضة في أعداد المتابعين لحساب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على موقع تويتر، هذا إلى جانب انتشار مزاعم بأنَّ شيئاً مشيناً يحدث.
فقد نقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن موقع "تويتر أوديت" المختص بتحليل متابعي الحسابات على موقع "تويتر" وتوضيح الحقيقي منها والمزيف، قوله إن نحو نصف متابعي صفحة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مزيفون.
ويزعم الموقع أن 15.1 مليون حساب، من الحسابات المتابعة، لا يوجد فيها تفاصيل أو تحديث، أو حتى إضافة صورة شخصية والإبقاء على الصورة الافتراضية.
ويقول باحثون إنَّ أكثر تلك الادِّعاءات جموحاً -بما في ذلك الإشارة إلى أنَّ ترامب قد حصل على ما يصل إلى 5 ملايين متابع في غضون أيامٍ قليلة وأنَّ ما يقارب نصفهم هم متابعون "وهميون"- هي ادِّعاءات مبالغٌ فيها بوضوح. غير أنَّ العديد من الباحثين الذين يدرسون الشبكات الاجتماعية قد توصَّلوا أيضاً إلى استنتاجٍ مفاده أنَّ شيئاً مريباً ربما يجري مع حساب ترامب، حسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية.
البوت
وبحسب دراسةٍ أعدَّها عددٌ من الباحثين، فإنَّ هذا الشيء المريب قد يتضمَّن الإنشاء الكثيف لـ"بوت"، وهو مُصطلح جامع يشير إلى الحسابات المُنشَأة تلقائياً أو بشكل آلي، وهو ما يعني أنَّ شخصاً بمفرده أو فريقاً بإمكانه إدارة المئات أو الآلاف من الحسابات في الوقت نفسه. ولدى مؤيدي ترامب تاريخٌ في القيام بهذا الأمر بصورةٍ جيدة، بل وأفضل كثيراً من معارضيه السياسيين.
وقال صامويل وولاي، مدير البحث في مشروع الدعاية الحاسوبية بجامعة أوكسفورد: "في رأيي المُتخصِّص، هناك شيءٌ غريبٌ يجري. وهو شيءٌ يتَّسق مع أشياء غريبة أخرى جرت من قبل مع حساب هذا السياسي على تويتر".
أولاً، نعرض بعض الحقائق: لقد ظلَّت أعداد المتابعين لترامب على تويتر، وهو عدد من بين الأكبر في العالم، تتزايد منذ تنصيبه في يناير/كانون الثاني 2017، وبحسب خدمة تويتر كاونتر، وهو موقع متابعات إحصائية، فقد تزايدت هذا الشهر وحده من 28.6 مليون متابع إلى أكثر من 31 مليون متابع. وهذا يعني زيادة قدرها 2.4 مليون متابع، في شهر مايو/أيار 2017؛ أي زيادة بمتوسط يقارب متابع واحد لكل ثانية كل يوم وعلى مدار الساعة".
من هم متابعو البيض؟
بالنسبة لمعظم الناس، فإن هذا العدد من المتابعين يجب أن يكون مثيراً للإعجاب، لكن ليس بالنسبة لشخصٍ يُعَد واحداً من أشهر الرجال في العالم، ناهيك عن شهرته باستخدام تويتر لنقل رسائل فظّة مليئة بالأخبار.
ولفتت واشنطن بوست إلى أنَّ حساب تويتر الخاص بسلف ترامب، الرئيس السابق باراك أوباما، لديه أكثر من 89 مليون متابع، بما في ذلك نسبة كبيرة من الـ"بوت" بحسب تقارير مختلفة.
لكن ها هي المشكلة: توجد نسبةٌ كبيرة من المتابعين لترامب -خصوصاً متابعيه الأحدث- لا تحتوي، وعلى نحوٍ مثيرٍ للاستغراب، سوى على البيانات الأولية للغاية فقط في حساباتهم؛ فلا تُوجَد صورة للملف الشخصي بها، ولديها عددٌ قليل من المتابعين، ودون أي مؤشراتٍ تُذكَر على أنَّ هذه الحسابات سبق وأن غرَّدت في أي وقتٍ من الأوقات. ويُسمَّى هؤلاء بـ"متابعي البيض"، لأنَّه بدلاً من وجود صورةٍ شخصية لهم، عادةً ما يُبقون على الصورة الافتراضية لحسابات تويتر، والتي هي عبارة عن صورةٍ لبيضة بيضاء اللون.
وفي مارس/آذار، تخلّى موقع تويتر عن صورة البيضة التي تظهر للمستخدمين الذين لا يضعون صورةً للملف الشخصي، لكنَّ مصطلح "متابعي البيض" قد استمر بين صفوف الباحثين.
ويقول بعض الباحثين إنَّ ذلك غريب، حسبما نقلت عنهم واشنطن بوست.
فقال جوناثان ألبرايت، مدير البحث بمركزي الصحافة الرقمية بجامعى كولومبيا: "يكون ذلك واضحاً للغاية حين تذهب وتضغط على حسابات المتابعين الجُدُد. إنَّ نوعية المتابعين الجُدد رديئة بحق".
والأسبوع الماضي، ذكرت شركة SocialRank، وهي شركة تحليلات مقرَّها نيويورك، وتعمل مع الخطوط الجوية الأميركية الجنوبية الغربية، ومجموعة لوريال، والدوري الوطني لكرة القدم الأميركية، أنَّه في حين تزايد عدد متابعي ترامب من 24.1 مليون في شهر فبراير/شباط 2017، إلى 31 مليون في شهر مايو/أيار، فإنَّ عدد متابعيه من "متابعي البيض" قد تنامي بقوة أيضاً، من 5 ملايين إلى 9.1 مليون.
وبالنسبة لهذه المجموعة الأخيرة من المتابعين (متابعي البيض)، لم يسبق لأكثر من نصف حساباتها أن غرَّدت، وتمتلك نسبة 4% فقط منها 25 متابعاً لها أو أكثر؛ وبحسب تحليلٍ لشركة SocialRank نُشِر الثلاثاء، 30 مايو/أيار، فقد أنشأ 927 ألفاً من "متابعي البيض" لدى ترامب حساباتٍ جديدة، في شهر مايو/أيار.
وكما ادَّعت بعض التقارير، فإنَّ ذلك لا يجعل من تلك الحسابات "وهمية" بالضرورة. إذ يقول معظم الباحثين الأكاديميين إنَّ تحديد نسبة الحسابات المُتابِعة التي يملكها أشخاص حقيقيون قد يكون صعباً للغاية، ويكون مستحيلاً تقريباً مع حسابٍ يملك مثل هذا العدد من المتابعين الذي يمتلكه ترامب. وأقرَّ موقع تويتر نفسه بأنَّ ما نسبته 8.5% من إجمالي الحسابات الموجودة عليه على الأرجح مُنشأة تلقائياً، على الرغم من أنَّ باحثين مستقلين يقولون إنَّ النسبة الحقيقية قد تكون ضعف هذه النسبة المعلنة. (ولدى موقع تويتر أيضاً فريق يبحث عن حسابات الـ"بوت"، ويغلِقها حين تجد أنَّها قد انتهكت سياسات الموقع).
وهناك تفسيرٌ آخر ممكن للزيادة الغامِضة في متابعي ترامب. إذ قال نيك باسيليو، المُتحدِّث باسم تويتر، إنَّ المستخدمين الأحدث غالباً ما يظهرون دون صورةٍ للملف الشخصي لأنَّهم لم يُكملوا تطوير حساباتهم تماماً، ولم يضيفوا كافة بياناتهم بعد.
ويُظهِر أحدث تقريرٍ لعائدات تويتر أنَّ عدد الحسابات الإجمالي قد زاد بنحو 9 ملايين في الربع الأول من عام 2017، ليصل إلى 328 مليون حساب، وهو ما يعني أنَّ كثيراً من المستخدمين الجُدُد ربما يستخدمون شبكة التواصل لمجرد تصفُّح ما ينشره الآخرون.
وقال ألكسندر تاوب، الرئيس التنفيذي لشركة SocialRank، إنَّ كلتا النظريتين قد تكونان صحيحتين. فربما يجتذب ترامب عدداً غير اعتيادي من "متابعي البيض" الجُدُد، لكن من الحقيقيين في الوقت نفسه. وربما يستفيد كذلك من حملةٍ قوية جديدة لإنشاء حسابات الـ"بوت".
فقال: "إنَّ هناك مزيجاً ربما من كليهما. لكنَّ هناك شيءٌ مريب".
ويجب أن تتذكر الفارق بين متابعي البيض والبوت، فمتابعو البيض هم متابعون مفترضون غير نشطين في الأغلب، لدرجة أنهم لا يضعون صورهم في المكان المخصص بالحساب، بينما "البوت" وهو مُصطلح يشير إلى الحسابات المُنشَأة تلقائياً أو بشكل آلي.
تاريخ ترامب يزيد الشكوك
هنا قد يساعدنا القليل من التاريخ في جعل الصورة أكثر وضوحاً. ففي العام الماضي، 2016، وخلال الحملة الانتخابية، تتبَّع العديد من الباحثين الأكاديميين استخدام حسابات الـ"بوت" على تويتر الداعِمة لترامب، ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وذكروا أنَّ حسابات الـ"بوت" التي تدعم ترامب قد تفوَّقت بشكلٍ كبير على تلك التي تدعم كلينتون، وبفارقٍ وصل إلى 5 حسابات لترامب مقابل حساب لكلينتون في الأيام الأخيرة قبل التصويت.
ووفقاً لدراسةً أعدَّها وولاي وزميلان آخران، هما بينس كولياني من جامعة كورفينوس، وفيليب هاوارد من جامعة أوكسفورد، في نوفمبر/تشرين الثاني، فإنَّه من بين الحسابات التي عرَّفها الباحثون على أنَّها "مُدارة تلقائياً بدرجة كبيرة" -فيما يعني على الأرجح حسابات الـ"بوت"- حملت 81.9% على الأقل منها بعض الرسائل الداعِمة لترامب.
وهذا هو السجل التاريخي، أو جزء منه، الذي يجعل وولاي مُتشكِّكاً في أنَّ الزيادة في متابعي ترامب رببما تستفيد من تطوير قوي لـ"البوت". وقال: "هناك إرثٌ لذلك".
لكن حتى وولاي والباحثون الآخرون المُتشكِّكون في أعداد متابعي ترامب يقولون إنَّه ما من طريقةٍ حاسِمة لتحديد من يقف وراء إنشاء حسابات الـ"بوت" على تويتر، ولا توجد أي طريقةٍ مقبولة لتحديد دوافعهم.
والتفصيلات حول كيفية إنشاء برامج الـ"بوت" على تويتر متاحة على نطاق واسع على الإنترنت، ويمكن شراؤها بالجملة من شركاتٍ مُتخصِّصة في تطويرها.
وقال إميليو فيريرا من جامعة جنوب كاليفورنيا، إنَّ الغش في تحديد المستخدمين لموقعهم، ولغتهم، وصور ملفاتهم الشخصية، وبياناتهم الأخرى في حسابات تويتر أمرٌ سهلٌ أيضاً، وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على إجاباتٍ واضحة.
وقال فيريرا: "إنَّ طفلاً عُمره 13 عاماً لديه الإمكانية للوصول إلى غوغل بإمكانه اكتشاف كيفية إخفاء هُويته الحقيقية".