نفى الجنرال المتقاعد بشير بن يلس، وجود دور للمؤسسة العسكرية الجزائرية في صنع قرارات الحياة السياسية، وكشف أن المرحلة الوحيدة التي عرفت سيطرة الجيش على مقاليد الحكم، كانت سنوات التسعينات عند انهيار مؤسسات الدولة المدنية وبروز الإرهاب.
وسجل بن يليس، في ندوة صحفية، عرض فيها مؤلفاً له يحمل عنوان، "في دواليب السلطة: 1962-1999، سبعة تدخلات للمؤسسة العسكرية في القرار السياسي منذ الاستقلال، ونادى الجيل الجديد من الضباط الشباب للتعلم من الأخطاء الماضية، وترك الأمر للشعب لاختيار خليفة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
الجيش ليس صانع القرار؟
وشرح رشيد بن يلس، في مؤلفه بحسب صحيفة .lepoint الفرنسية، علاقة العسكريين الجزائريين بالحياة السياسية، والعوامل التي تدفعهم إلى اتخاذ مواقف والإمساك بزمام الأمور لفترة معينة. وقالت صحيفة "لوبوان" الفرنسية، إن المؤلف لم يترك نقاط ظل في شهادته بخصوص الكيفية التي كانت تتم بها اتخاذ القرارات في الجزائر، خاصة ما تعلق بتسيير أحداث أكتوبر 1988، والمنشآت العسكرية الفرنسية الحساسة في الصحراء الجزائرية، وقضية رهبان تبحرين.
ورشيد بن يلس (77 عاماً)، ليس أي شخص، فهو جنرال سابق وقائد سابق للقوات البحرية الجزائرية، شغل منصب أمين عام لوزارة الدفاع الوطني، وكان وزيراً في عهد الرئيس الشادلي بن جديد، وهو عضو المكتب السياسي للحزب الواحد حزب جبهة التحرير الوطني، قبل أن يستقيل من هذا المنصب بعد قمع أحداث 1988، وكان مرشحاً لرئاسيات 2004.
وقال بن يلس، حول دور الجيش في صناعة القرار "لا.. العسكريون في الجزائر ليسوا صناع القرار، بعكس الأفكار الرائجة، لقد كانوا دائما في خدمة المقررين"، ويرتقي هذا الطرح إلى صنع المفاجأة في بلد متعارف فيه على أن النظام السياسي خاضع للجنرالات المعروفين والجيش.
وأوضح القائد السابق للقوات البحرية الجزائرية، الذي نال تكوينه العسكري في الاتحاد السوفيتي، ومصر وفرنسا، أمام الصحفيين "الجيش استعمل في النزاعات من قبل قادة المراحل السابقة".
واستدل بالرئيس الراحل هواري بومدين، قائلاً "مثلاً، بومدين لم يشرك يوماً الجيش في القرارات والخيارات الاستراتيجية على الصعيد الاقتصادي، وقد ذهب إلى حد منع رجال السياسة من الاقتراب إلى العسكريين، نحن بعيدون جداً عن مخططات الديكتاتورية العسكرية، لقد كنا نظاماً سلطوياً أكثر منه عسكرياً".
المرة الوحيدة التي عادت كلمة الفصل للجيش
وتحدث بن يلس دون أية طابوهات أو تحفظات عن كافة النقاط حتى تلك الحساسة منها، وقال: "المرة الوحيدة التي كان فيها الجيش سيد الموقف، كانت بعد استقالة الرئيس الشادلي بن جديد، وبعد اغتيال الرئيس محمد بوضياف سنة 1992".
وأضاف المتحدث: "كانت السلطة بين يدي محمد لعماري قائد أركان الجيش، ومحمد مدين المدعو توفيق (القائدة الأسطورة للمخابرات السرية طيلة 25 سنة). وانتهت هذه المرحلة بعد تنصيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رئيساً للبلاد سنة 1999".
وتابع: "الجيش لا يريد أن يقرر أمام رئيس منتخب، حتى وإن وضعت سطرين تحت كلمة منتخب".
وأوضح الجنرال المتقاعد أن انهيار مؤسسات الدولة المدنية، للرئيس الشاذلي بن جديد، بالتزامن مع تصاعد الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الحزب المنحل في مارس 1992)، وانفجار العنف الإرهابي والتمرد الإسلامي دفع قيادة الأركان، التي كان يقودها محمد لعماري المعروف بعدائه الشديد للتيار الإسلامي، والجنرال مدين مدير دائرة الاستعلام والأمن (المخابرات)، لأخذ المبادرة.
وقال محمد لعماري بشأن تلك الفترة التي تسيد فيها الجيش المشهد "كان ذلك الوقت قوساً وتم إغلاقه"، في إشارة إلى انتهاء دور المؤسسة العسكرية في صناعة القرار بعد مجيء بوتفليقة للحكم.
الجيش جاء ببوتفليقة إلى الحكم
وأفاد رشيد بن يلس، في مذكراته، أن المؤسسة العسكرية تدخلت سنوات التسعينات، وأدارت المرحلة عقب انهيار مؤسسات الدولة، وأن سلطتها انتهت بقدوم الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، الذي أوصله الجيش إلى الحكم سنة 1999.
وكشف بن يلس، أن الجنرال الراحل لعربي بلخير، الذي كان يلقب بالكاردينال وشغل منصب مدير ديوان رئاسة الجمهورية للرئيسين الشاذلي وبوتفليقة، لعب دوراً مفتاحياً في اقتراح الأخير على قيادة الجيش لانتخابات سنة 1999.
وأوضح المؤلف، أن "القوة التي حملت بوتفليقة إلى الحكم تمثل التدخل السابع للجيش في الحياة السياسية، منذ الاستقلال"، مشيراً إلى أن "التدخل الأول كان ذلك الذي عرف مواجهة قيادة الأركان والحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1962".
مفهوم الجيش ومقرِّرو المرحلة
ينادي الجنرال بن يلس في كتابه، بعودة القرار الكامل للجزائريين، ليأخذوا مكان من يسميهم بـ"صناع قرارات المرحلة"، مثلما يسميهم الجنرال السابق.
وبتصفح مذكراته، يتم اكتشاف هوية "مقرري المرحلة"، وهم "قادة أركان الجيش والمخابرات السرية، رجال نافذون في الحاشية مثلما كان الجنرال المتقاعد لعربي بلخير"، ويقول: "في جميع الحالات، لم يكن العسكريون مجرد كتلة مناورة خاضعة لرؤسائهم".
ودعا بن يليس إلى إعادة تعريف مصطلح "الجيش" في التحليل السياسي الجزائري، ويتعلق الأمر في الحقيقة بقادة المرحلة (قائد الأركان وقائد المخابرات)، مدعومين بقوى من الحاشية السياسية والإدارية، ويتدخلون في فترات حاسمة عندما تنهار المؤسسات المدنية".
من سيخلف بوتفليقة
لكن وفي حالة الذهاب الإجباري للرئيس المنهك بسبب المرض، هل سيحاول الجيش اقتراح قائده الحالي الفريق أحمد قايد صالح كمرشح؟ "هو سيناريو محتمل"، يعترف المتحدث، قبل أن يضيف: "ولكن أتمنى أن ننتهي إلى التعلم من أخطائنا الماضية، وأن نترك الجزائريين يقررون".
وفي خاتمة مؤلفه، يشير الكاتب رشيد بن يلس، إلى حصيلة تدخلات كبار قادة الجيش في الحياة السياسية الجزائرية، منذ الاستقلال بالجنرال، ويوجه نداء إلى الجيل الشاب من ضباط الجيش، قائلاً: "إنه لَمن دواعي التمني، أن تستخلص الأجيال الجديدة من الضباط دروس الماضي، مثلما فعل نظراؤهم في أميركا اللاتينية، وأخذ الوعي بأن التدخلات العسكرية في الحياة السياسية لبلد ما غير مسموحة أبداً، يجب أن تعترف وبإخلاص بكل ما يعود إلى الشعب، وأنه المخول الوحيد باختيار ممثليه بكل حرية وديمقراطية".
وتابع بن يلس: "بعض الجيوش الإفريقية فهمت هذا الأمر جيداً، بارتياح كبير لشعبها، وقد حان الوقت لجنرالاتنا ليفعلوا مثلهم، وهذا نابع من مصالحهم وشرفهم ومصير الأمة".