بينما تتزايد حدة الاحتجاجات في منطقة الريف شمال المغرب بعد اعتقال زعيم الحراك الشعبي هناك ناصر الزفزافي صباح الإثنين 29 مايو/أيار 2017، يواصل الشباب في تطاوين جنوب تونس منذ حوالي 8 أيام، التظاهر ضد الدولة مطالبين بالوظائف، بعد مقتل شاب صدمته سيارة تابعة للحرس الوطني، أثناء احتجاجات ضد تطالب بتوفير فرص عمل وبنصيب من الثروة النفطية في مدينة تطاوين جنوب البلاد.
أما في الجزائر الجارة، فإن الوضع لا يختلف أبدا، حيث توالت الاحتجاجات وموجات الغضب، وهو ما فسّره الكاتب الجزائري، بوعلام صنصال في حديث مع صحيفة Le point الفرنسية، بقوله إن "الشباب يواجه ضغطاً من قبل الحكومة ورجال الدين، حيث أنه لم يعد يملك ما يطمح إليه بقدر ما أصبحت تتملّكه المخاوف الوجودية. بالتالي، وجد الشباب نفسه في موقف لا يُحسد عليه. ففي الجزائر، بات انفجار الغاضبين عادة يومية، أما أعمال الشغب فيتراوح عددها بين ألفين وثلاثة آلاف سنوياً، ذلك أن النظام ينظر للشباب بعين الازدراء والغطرسة".
حراك الريف المغربي
في المغرب، وبالتحديد في إقليم الحسيمة المطل على البحر الأبيض المتوسط، يمثل الصيد والسياحة مصدري دخل المنطقة الرئيسيين. وقد عاشت الحسيمة على وقع وفاة مشبوهة لبائع سمك خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016، حيث تم سحقه داخل شاحنة جمع النفايات بعد أن صادرت الشرطة بضاعته. ونتيجة لذلك، انطلقت المظاهرات واحتدمت الاشتباكات مع الشرطة.
وأعاد هذا الأمر إلى الأذهان قصة وفاة بائع الخضروات والفواكه في مدينة سيدي بوزيد التونسية محمد البوعزيزي في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، وهو ما أدى حينها لاندلاع أحداث الربيع العربي.
وتماماً مثلما حدث في المغرب، حينما أوقفت الشرطة بائع السمك الريفي وحاولت سحب بضاعته، صادرت الشرطة التونسية مصدر رزق محمد البوعزيزي، بائع الفواكه. وفي غضون شهر فقط، سقط النظام واتجهت تونس نحو الديمقراطية من بابها العريض. لكن في المقابل، تختلف تونس العاصمة عن الرباط والعكس صحيح.
وتتعاقب السنوات على المغرب العربي، لتقف شاهدة على تشابه والتقاء مصير شعوب هذه البلدان، حيث إن مطالب الأمس هي ذاتها مطالب اليوم. فهل سيستمر الحال على وضعه في المستقبل؟
تطاوين، الحسيمة: هل ستكون نفس المعركة؟
منذ أيام، اندلعت من جديد شرارة الاحتجاجات في مدينة تطاوين بالجنوب التونسي، بعد أن لقي شاب حتفه متأثراً بإصابته بعد أن صدمته سيارة للشرطة الإثنين 22 مايو/أيار 2017، ما أثار حنق وغضب الأهالي الذين كانوا يطالبون بتوفير فرص عمل وبنصيب من الثروة النفطية في مدينتهم.
وعلى إثر الاحتجاجات الغاضبة بعد وفاة الشاب تم تدمير الممتلكات العامة التي لها صلة بالمؤسسات الأمنية، بالإضافة إلى الصورة الرمزية التي ارتبطت بتدمير حفنة من الأفراد لصمام بئر نفطية. وبعد مرور 48 ساعة، أطلق رئيس الحكومة التونسية عملية لمكافحة الفساد غطّت على الأحداث الواقعة في جنوب البلاد.
ورغم ذلك، مازالت الاعتصامات التي بدأت منذ حوالي الشهرين في منطقة الكامور، مستمرة. أما في الحسيمة، شمال شرق المغرب، فقد جدّت اشتباكات خطيرة خلال يوم السبت 27 مايو/أيار 2017 حيث أقدمت الشرطة على اعتقال حوالي 20 شخصاً.
بلدان مختلفة للغاية ومتقاربة إلى حد كبير
وعلى الرغم من اختلاف الأنظمة السياسية في كل من الجزائر والمغرب وتونس، وتباين الظروف الاجتماعية بداخلها، علاوة على الفروق الثقافية بينها، إلا أن هذه الدول تلتقي عند نقطة مشتركة، تتمثل في أن جزءاً كبيراً من الشباب قد ضاق ذرعاً بكل ما يحيط به. وفي الحقيقة، فاض كأس الشباب الذي يعتبر حكومته غير عادلة، "عبر حمايتها للجبابرة وسحقها لمن لا حول لهم ولا قوة، من خلال إدارتها السادية".
من هذا المنطلق، أصبحت نوبات الغضب المندلعة خلال فترات منتظمة جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث تثير هذه الأحداث قلقاً في البداية، ومن ثم يتم الحديث عنها بإطناب وتُناقشها البرامج التلفزية، لتدخل بعد ذلك طي النسيان.
وفي الأثناء، يتنامى الاستياء شيئاً فشيئاً نظراً للوضع الراهن. من جهته، يتوقع الشباب أن تلبي الحكومة كافة احتياجاته، فيما لم تعد الحكومة من جهتها قادرة على تأدية هذا الدور.
حل اقتصادي
خلال سنة 1992، خاطب جيمس كارفيل المرشح الديمقراطي آنذاك، بيل كلينتون، قائلاً: "إنه الاقتصاد أيها الأحمق"، في إشارة منه لضرورة تركيز حملة كلينتون الانتخابية وعمله المستقبلي على الاقتصاد، وهو ما يعد مناقضاً لتوجهات جورج بوش. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت عبارة كارفيل بمثابة حكمة سياسية، وسيكون من الجيد أن تتبناها بعض بلدان المغرب العربي، حسب صحيفة Le point الفرنسية.
والجدير بالذكر أن معدلات البطالة في صفوف الشباب، وفقاً لإحصاءات البنك الدولي، قد بلغت نسباً مقلقة، حيث أنها تمثل حوالي 31.8% في تونس، و29.9% في الجزائر، فيما وصلت إلى حدود 38.8% في المغرب، بالنسبة للشباب في المناطق الحضرية.
وفي المغرب راهنت الدولة على القارة الإفريقية لتتحول البلاد بذلك إلى مركز لوجستي، وبنكي، وسياسي بين أوروبا وإفريقيا، وهي استراتيجية سيتم اعتمادها على المدى الطويل. ويقوم لذلك محمد السادس بزيارات مكثفة للدول الإفريقية وتوقع حكوماته والشركات المغربية الكبير الاتفاقيات تلو الأخرى مع تلك الدول رغم أن أوروبا لا تبتعد عنه سوى 14 كيلومترا.
أما في الجزائر، ومن بين أنقاض نهاية حقبة عبد العزيز بوتفليقة، فلا ينتظر الشعب الجزائري سوى نهاية النظام، وهو ما أثبتته الانتخابات البرلمانية التي جرت في الرابع من أيار/مايو 2017، حيث حصل الحزبان اللذان يديران البلاد على أصوات أقل عدداً من أوراق التصويت البيضاء أو تلك التي تم إلغاؤها.
ومن جهة أخرى، يعتمد الاقتصاد الجزائري بنسبة تتجاوز 90% على عائدات المحروقات، فيما يتأرجح سعر برميل النفط بين 49 و52 دولاراً.
أما بالنسبة لتونس، فقد حظيت برضا دولي في أعقاب دخولها رحاب الديمقراطية. في المقابل، دفعت سياستها الاقتصادية، في غضون تعاقب سبع حكومات منذ سنة 2011، بصندوق النقد الدولي إلى توجيه مذكرات عديدة للدولة. وفي هذا الصدد، يقع اللوم بالأساس على غياب الإصلاحات الهيكلية (على مستوى إجمالي رواتب الوظيفة العمومية، والمتاهة الإدارية، وصناديق المعاشات المديونة..).
وفي حال شهدت السياحة انتعاشاً، باعتبار أن القطاع تضرر بسبب هجمات باردو وسوسة خلال سنة 2015، بالإضافة إلى استئناف قطاع الفوسفاط لنشاطه الطبيعي بعد سنوات من الاضطرابات والاختلاس، سيبلغ حينها عدد العاطلين عن العمل في تونس حوالي 650 ألف شخص. بالتالي، يواجه رئيس الحكومة مهمة صعبة، في الوقت الذي يُصرف فيه جزء كبير من الميزانية كرواتب للموظفين العموميين وسداد الديون، ليجد نفسه أمام نطاق تصرّف ضيق للغاية مقابل متطلبات لا تحصى ولا تعد.