ربّما تمكّن تنظيم داعش في السنوات القليلة الأخيرة من تسليط الأنظار إليه بقوة، فغطَّى بهجماته الإرهابية التي استهدفت مختلف المدن العربية والغربية على التنظيمات الأخرى المتطرفة. ومع ذلك، فلم يقلل المحللون يوماً من مخاوف عودة تلك التنظيمات، لا سيما القاعدة.
"حمزة بن لادن".. عاد الاسم مجدداً إلى الواجهة، فهو نجل ووريث والده أسامة بن لادن، المؤسس والزعيم الراحل لتنظيم القاعدة.
في الأسبوع الماضي، وقبل أيام من تفجير مانشستر في إنكلترا، انتشر تسجيل صوتي جديد لحمزة بن لادن، يدعو فيه أنصاره إلى "القيام بضرباتٍ ضد اليهود والصليبيين".
فكان ذاك التسجيل كفيلاً بضمان عودة اسم بن لادن لعناوين الأخبار، ولجذب انتباه الأجهزة الأمنية حول العالم.
وأضاف في التسجيل الذي استغرق 10 دقائق، وصدر باللغتين العربية والإنكليزية: "أحسِن اختيار هدفك، لتُثخِن في أعداء الله أكثر".
وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، لم يشر المُحقِّقون إلى أي رابطٍ بين أسوأ هجومٍ إرهابي يقع في بريطانيا منذ 12 عاماً وبين القاعدة.
وقد أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، مسؤوليته عن الهجوم الذي نفَّذه شخصٌ يبلغ 23 عاماً من أبوين ليبيين في بريطانيا.
ويبدو أن هناك مخاوف من استخدام القاعدة حمزة بن لادن كرأس حربةٍ للعودة.
وفي هذا السياق، يقول بروس هوفمان، الخبير البارز في شؤون الإرهاب والمقيم في الولايات المتحدة، ومدير مركز جامعة جورج تاون للدراسات الأمنية، لصحيفة واشنطن بوست الأميركية: "من منظور القاعدة، الآن هو الوقت الدقيق له ليبلغ السن الملائم ويتحمَّل زمام السلطة".
ويُشكِّك آخرون في أنَّ حمزة لديه من الخبرة أو القدرة ما يكفي للعب دورٍ كهذا.
أما أدريان ليفي، المؤلف المشارك في كتابٍ نُشِر مؤخراً حول عائلة بن لادن والقاعدة، فيقول: "يحمل حمزة اسم وشعار أسامة، لكن هذا كل شيء. إنَّه لا يمكنه سوى أن يكون مجرد واجِهةٍ صورية للقوى العسكرية والاستراتيجية الأوسع التي يقودها آخرون أكثر خبرةً، وأفضل ارتباطاً، وأكثر مقدرةً".
وبدلاً من ذلك، يبدو أنَّ النفوذ داخل القاعدة قد انتقل إلى شخصيتين رئيسيتن: أبو محمد الجولاني، الذي يقود فرع القاعدة في سوريا، وسيف العدل، 55 عاماً، وأحد المُتبقين من الجيل الأول من المُتشدِّدين الإسلاميين، والذي اتُّهِم لدوره في تفجير السفاراتين الأميركيتين في شرق إفريقيا عام 1998.
ووصف مسؤولٌ غربي العدل، الذي اعتُقِل في إيران منذ 2002 تقريباً وحتى العام الماضي، 2016، حين أُطلِق سراحه ليسافر إلى سوريا، بأنَّه "أحد أكثر المُتطرِّفين العنيفين النشطين اليوم مقدرةً وخطورةً".
ويناسب الملف الإعلامي الجديد لحمزة بن لادن، الذي صنَّفته الولايات المتحدة رسمياً كـ"إرهابي عالمي" في وقتٍ سابق من هذا العام 2017، كلا الرجلين.
وأضاف ليفي: "حافظ العدل على هدوءٍ شديد. إنَّ تاريخه وخبرته كمُتشدِّدٍ استثنائية… فهو مُفكِّرٌ استراتيجي للغاية، لكنَّه لا يحب الظهور العلني".
أمَّا الجولاني، الذي أصبح واحداً من أبرز الفاعلين في الحرب الأهلية السورية، فلم يُجرِ سوى مقابلاتٍ عابِرة، لكن فيما عدا ذلك فهو يتجنَّب الإعلام. وبذل صاحب الـ43 عاماً جهوداً حثيثة لبناء دعمٍ شعبي جماهيري لتنظيمه الذي غير اسمه مؤخراً إلى تحرير الشام بعد قطع الارتباطات ظاهرياً مع القاعدة.
ويعمل كلٌّ من العدل والجولاني وثيقاً لتأسيس حضورٍ دائم للقاعدة في سوريا. ويُعَد هذا المشروع حاسِماً في محاولة تنظيم القاعدة العودة إلى طليعة حركة الجهاد العالمي بعد سنواتٍ من تغطية داعش عليه، وهو الذي انفصل عن القاعدة قبل فترةٍ قصيرة من إطلاق حملةٍ سريعة لغزو العراق وسوريا وإعلان "خلافةٍ" مقرَّها الشام في 2014.
وقد عزَّزت قدرة داعش على اجتذاب عشرات الآلاف من المُجنَّدين، وكذلك قدرته على التنظيم وتمثيل مصدر إلهامٍ لموجةٍ من الهجمات الدامية في الغرب، من موقفه البارز.
ومع ذلك، حقَّقت القاعدة تقدُّماً في إفريقيا واليمن، وبرهنت على تماسكها في أماكن أخرى.
ويدَّعي كلا التنظيمين أنَّه الوريث الحقيقي للإرث والتفكير الاستراتيجي لأسامة بن لادن. ويجعل هذا من حمزة، الابن الـ15 بين أبناء أسامة، سلاحاً قوياً في التنافس المرير بين التنظيمين.
وقد نشأ حمزة في السودان وأفغانستان، حيث كان والده مقيماً بين 1991 و2002. وظهر مِراراً في مقاطع الفيديو الدعائية للقاعدة حينما كان صبياً ومراهقاً. وكشفت مراسلاتٌ جرى الاستيلاء عليها أنَّه كان يحظى بعلاقةٍ وثيقة مع والداه، لكن ليس هناك سوى القليل من الدلائل التي تشير إلى أنَّه كان يجري إعداده لتولّي دورٍ قيادي.
ولم يُتَّخذ أي قرارٍ رسمي بشأن خليفة أسامة بن لادن الذي قتلته القوات الأميركية الخاصة في منزله، الذي ظلَّ يعيش فيه لعقدٍ من الزمن ببلدة أبوت آباد في باكستان. وقُتِل أحد أبناء زعيم القاعدة، خالد بن لادن، خلال ذلك الهجوم، في حين قُتِل آخر، سعد بن لادن، عن طريق طائرةٍ بدون طيَّار في 2009.
وكان القائد الرسمي للتنظيم منذ مقتل أسامة بن لادن في 2011 هو أيمن الظواهري، 65 عاماً، وهو طبيب أطفالٍ سابق لديه كاريزما ضعيفة.
وحمزة، الذي يُعتَقَد أنَّه مقيمٌ حالياً في المناطق الحدودية المُضطَّربة من باكستان، متزوِّجٌ ولديه ثلاثة أطفال: ابنٌ يُدعى أسامة، وابنةٌ تُدعى خيرية، إلى جانب طفلٍ رضيع حديث. ويُعتَقَد أنَّهم جميعاً موجودون في إيران.
وكان أول ظهور علني لحمزة قبل نحو سنتين، عن طريق رسالةٍ صوتية يدعو فيها إلى هجمات. واتَّبعت رسائله اللاحقة التطوُّر الأوسع في تفكير القادة الراسخين في القاعدة، وذلك عبر تشديده على الوحدة بين التنظيمات المُتطرِّفة، لكن مع تأكيدٍ متزايد على الأعمال الفردية.