تصلني بين كل فينة وأخرى فيديوهات عن معاملة بعض الأهالي لأطفالِهم تشعرني بالغثيان وتستفزني، فأنا أشعر أنني مسؤولة عما يحصل لهؤلاء الأطفال؛ لأنني غير قادرة على حمايتهم من ذويهم، لا أدري أهي عاطفة الأمومة التي تستثار بداخلي؟ وهل أغلب الأمهات مثلي أم أنني طفرة بهذا الزمان؟
قصص الأطفال المعنفين كثيرة، وهناك نماذج يندى لها الجبين كقصة (غصون)، التي توفيت قبل إتمام عامها التاسع بعد تعذيب والدها وزوجته لها فقرر جسدها الضئيل اعتزال الحياة بعد ما عانته من ضرب، وحرق، وكيّ، وجلد وربط بالسلاسل، مبرراً تصرفاته بأنها كانت لتأديبها، "لكن الحقيقة أن ذنبها الذي اقترفته هو أنها تذكار لزواج فاشل، وأب وزوجة أب رغبا بالانتقام من والدتها عن طريقها".
(ركان) قضى تسع سنوات بحضن والديه اللذين لم يرحماه، كحرمانه من الأكل والتعليم، حرقه بطرق مبتكرة وجرحه بأدوات حادة، "ركان" حالياً بدار الحماية؛ القصص كثيرة ولا تكفيها مجلدات هناك مَن يضرب أطفاله بدون سبب وتبرر الأم سكوتها بأنها تخاف من أن يضربها زوجها هي الأخرى، أعتبر مثل هذه الشخصية من أحقر أنواع الأمهات فهي لن تتحمل ضرب زوجها لها لكن أجساد أطفالها الهزيلة ستتحمله!
إن الضرب، والحبس الانفرادي، والاستهزاء، والإهمال هي كلها صور للعنف الأسري الذي يحدث لأتفه الأسباب، قد يكون الدافع وراء هذه تصرفات هو الغل والحقد من زوج أم أو زوجة أب والكارثة عندما يحدث من الأب والأم ضد أطفالهما، والضحية طفل بريء أو طفلة، أجسامهم مشوهة بالضرب أو الحرق، ناهيك عن من لا يحتمل التعذيب فيتوفاه الله، تثير مثل هذه القصص ردود فعل عنيفة بالأوساط التربوية والمجتمع لكن إلى متى ستبقى هذه الردود بدون أفعال؟!
البعض يعتبر العنف الأسري من أصول التربية، فهناك مفاهيم مغلوطة لفكرة التربية، فنجد من يستخدمها مبرراً لقسوتهم، إن تربية الأطفال بالعقاب والثواب مطلوبة لكن بضوابط، منها ألا يكون فيها إيلام نفسي أو جسدي، فالعنف ينعكس بشكل سلبي على حاضر الأطفال ومستقبلهم ويؤدي لأطفال عدوانيين.
أنا أعلم أن لكل أسرة طريقة بالتعامل مع أطفالها لكن ما لا يعلمه البعض أن الطفل الشقي، يكون غير مدرك، فيظن أن العبث بالمنزل هو نوع من أنواع اللعب، وهذا التصرف طبيعي للأطفال، وعدم قيام الطفل بذلك يعد حالة مريضة، من واجبنا توفير الحماية للأطفال من قسوة بعض الأهل الناتجة عن دافع لتصفية حسابات أسرية معقدة على حساب طفل مسكين بحجة أنهم أولياء أمره!
فأصعب شيء بالحياة وجود أطفال يُمارس عليهم العنف، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أو الهروب من هذا الجحيم.
الديانات أجمعت على حماية حقوق الأطفال وكثيرة هي المواثيق والمعاهدات الدولية التي ضمنت حقوق الطفل واحترام آدميته والمحافظة عليه، لكن أين التطبيق؟
أسمع عن استراتيجيات وطنية لحماية الطفولة وإنشاء لجان وطنية لضمان حقوق الطفل، لكني لا أشعر بجديتها؛ بدليل أننا ما زلنا نسمع بهذه القصص، وكل يوم يمر قبل أخذ هذه الحقوق على محمل الجد يعني زيادة مثل هذه القصص؛ كم هو مهم فتح مكاتب لمتابعة هذه الحالات ووجود إجراءات قانونية صارمة تحمي حقوق الأطفال، من الضروري وجود استراتيجية واضحة لمتابعة الأطفال بشكل عام، والأطفال بعد طلاق بشكل خاص، وأن يكون هناك تدخل قوي من مكاتب الإشراف الاجتماعي والمحاكم لوضع حد جذري لهذه القسوة وهذه المهازل المستمرة، فهذه القصص لم تكن أولى القصص، ولن تكون الأخيرة إلا إذا طبقت تشريعات صارمة.
لا توجد إحصاءات دقيقة عن العنف ضد الأطفال بالوطن العربي، والمعلن عنه لا يتجاوز الـ10٪، والـ٩٠٪ الباقية تستتر خلف الأبواب الموصدة فالبيوت أسرار، أجزم بأن الفرزدق لو علِم بهذه الأسرار لما قال:
لا يكتمُ السرَّ إلاّ من لَهُ شرفٌ ** والسرُّ عِندَ كِرامِ النَّاسِ مكتومُ
السرُّ عندي في بيتٍ له غَلَقٌ ** ضلّت مفاتيحهُ والبابُ مردومُ
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.