لا يصوت الإيرانيون للأعوام الأربعة المقبلة، وإنما للأربعين القادمة. هذا أحد الهواجس التي تعتري روح الانتخابات الرئاسية المرتقبة، الجمعة 19 مايو/أيار الجاري، والتي يخشى المرشحون أن تشهد عزوفاً عن التصويت.
فرغم أن قلة فقط في إيران يناقشون علناً من سيخلف المرشد الأعلى للبلاد، إلا أن حقيقة بلوغ المرشد الحالي آية الله علي خامنئي 78 عاماً، وخضوعه مؤخراً للعلاج من مرض السرطان، يجعل الحديث عنه أمراً واقعاً، وفق ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.
المرشد المقبل
إبراهيم رئيسي، أحد المرشحين للرئاسة، يعدّ واحداً من بين أسماء عديدة جرى التحدُّث عنها كخليفةٍ محتملٍ للمرشد. لذا عندما بدأ الحملة الانتخابية، اعتقد الكثيرون أنَّ رئيسي أراد فحسب إبراز ملفه الشخصي العام من أجل الواجهة الخاصة بخِلافة المرشد، وأنَّه سينسحب في الأيام الأخيرة لدعم أحد المُرشَّحين المُحافِظين الآخرين، وهو أسلوبٌ شائع نسبياً في إيران.
لكن بدلاً من ذلك، انسحب المُرشَّحون المحافِظون الآخرون دعماً له. ويرفع ذلك من المخاطر بالنسبة لرئيسي وفريقه، لأنَّ الخسارة في هذه الانتخابات من شأنها أن تضر كثيراً بآماله في أن يصبح المرشد الأعلى.
ويقول الأستاذ في كلية الدراسات الدولية بجامعة طهران، فؤاد إزادي: "لا يمكنك أن تصبح المرشد الأعلى للبلاد إذا ما خسرت انتخاباتٍ رئاسية". وبالتالي فإنَّ حقيقة أنَّ رئيسي لا يزال في السباق تشي بأنَّه وفريقه يؤمنون أنَّ بإمكانه الفوز.
إذاً هذه الانتخابات ستحسم معركةً سياسية أكثر أهمية تتعلَّق بالمرشد الأعلى المقبل لإيران. ولن يكون خليفة كلٍّ من آية الله الخميني وآية الله خامنئي ثالث شخصٍ يقود الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها فحسب، بل وسيكون أقوى شخصٍ في إيران كذلك.
حملة روحاني الانتخابية
في آخر أيامه، يسعى أنصار المرشح الإصلاحي الرئيس الحالي حسن روحاني، إلى استغلال كل لحظة فيها، لاسيما أن المنافسة متقاربة وشرسة مع أحد المنافسين المحافظين (رئيسي).
فتراهم يلقون الملصقات التي تحمل صور روحاني مبتسماً عبر نوافذ السيارات، خصوصاً في أوقات الازدحام المروري الخانقة، داعين أصحابها للتصويت له، وهاتفين في الوقت نفسه بشعارات حملته.
وما زال روحاني يصعّد من حدة لهجته لرئيسي وداعميه، حيث انقتل الأربعاء، 17 مايو/أيار الجاري، في خطابه بتجمُّعٍ انتخابي في مدينة أردبيل شمال غربي إيران، من إدانة رئيسي بسبب دوره في إعدام آلاف من المعتقلين السياسيين في الثمانينيات إلى مهاجمة الهيئات القوية مثل الحرس الثوري.
كما استعطف المعتدلين والإصلاحيين على حدٍّ سواء في محاولةٍ لتشجيع إقبالهم على التصويت.
وقال روحاني لخصومه المُتشدِّدين إنَّهم ليسوا مستعدين لمواصلة جهوده الدبلوماسية. وأضاف: "إنَّكم تقولون إنَّكم ترغبون في التفاوض مع العالم، لكنَّكم لا تعرفون كيف تتحدَّثون اللغة العالمية. ولا تعرفون حتى كيف تتحدَّثون لغة شعبكم".
وحازت هجماته الصريحة على المتشدِّدين وعلى أجزاءٍ من الدولة الإيرانية دعم أعضاء رئيسيين من الحركة الخضراء، وهي الانتفاضة الإصلاحية التي جرت في 2009 بعد الانتصار الانتخابي الخِلافي لمحمود أحمدي نجاد، والتي سحقتها قوات الأمن.
وقد عبَّر العديد من الرموز القيادية في تلك الحركة –من بينهم رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، ورئيس البرلمان مهدي كرّوبي اللذان يخضعان للإقامة الجبرية– عن دعمهم لروحاني.
وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدُّمه، لكن عليه أن يحصل على أكثر من 50% من الأصوات لتجنُّب الانتقال إلى جولة إعادة.
حملة رئيسي الانتخابية
خلال أحدث تجمُّعات رئيسي الانتخابيه، حيث ملأ الآلاف من المصلين قاعةً للصلاة ومركزاً للمؤتمرات، هتف أنصاره: "لا نريد حكومةً الـ4% (كناية عن كبار الأثرياء)".
ويحاول رئيسي على ما يبدو أن يرمي شباكه على نطاقٍ أوسع من ترامب فيما يتعلَّق بادِّعاء حكومة "الـ4%"، لكنَّ غضب أنصاره من انعدام المساواة في إيران سيكون مألوفاً بالنسبة لأولئك الذين غطّوا الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي، كما سيكون هو القوة الدافعة لشعبيته.
وفي هذا السياق، تقول هاجر باكياري، أستاذة الأحياء في جامعة آزاد الإسلامية، والتي كانت في التجمُّع الانتخابي في طهران: "لا يمكن لروحاني أن يُوفِّر المساواة بين الأغنياء والفقراء".
ولا يزال الاتفاق النووي الذي كان أبرز إنجازات روحاني يتمتَّع بشعبيةٍ عبر الطيف السياسي الإيراني، لكنَّه فشل في تحقيق العوائد الاقتصادية الفورية التي توقَّعها الكثيرون.
وقد ترك ذلك فرصةً لرئيسي من أجل مهاجمة انخراط روحاني مع الغرب بعد الاتفاق، مستميلاً بذلك المحافِظين الذين لا يزالون منزعجين من جهود إيران للتودد إلى أعدائها القدامى.
ويقول محمد تقي أنصاري بور، الأستاذ بجامعة الأديان والمذاهب في مدية قُم: "أنا شخصياً أؤمن وأدعم الأفكار التي تثق في قدرات الشعب داخل إيران. أعتقد أنَّنا قادرون على حل مشكلاتنا داخل إيران. ولا أُفضِّل أولئك الذين يعتمدون على دول الخارج".
المخاطر التي تدور في بال الناخبين كثيرة: مستقبل الاتفاق النووي التاريخي في 2015، والتقارب الإيراني الحذر مع الغرب، وتوجُّهات اقتصادها، والسيطرة على حقول النفط، فضلاً عن الحرية الممنوحة للمعارضة.
لذا فلا مفاجأة بأن المنافسة بين المرشحين أصبحت شرسة للغاية، إلى حدِّ تدخل خامنئي للمرة الثانية في مناسبة نادرة، الأربعاء 17 مايو/أيار، لشجب لهجة الانتقادات الشخصية بين المُرشَّحين.