منذ نهاية أكتوبر 2016، تاريخ مقتل بائع السمك محسن فكري في شاحنة أزبال في مدينة الحسيمة (شمال المغرب)، والاحتجاجات الاجتماعية لم تتوقف في منطقة الريف بأكملها. احتجاجات يطالب من خلالها نشطاء الحراك، بمحاكمة المتورطين في قضية بائع السمك، والكشف عن حقيقة وفاة نشطاء عام 2011، وإلغاء "عسكرة" المدينة، وإحداث مرافق وتجهيزات أساسية، وتشجيع الاقتصاد في المدينة وإحداث فرص شغل.
وفي حين انتظر المحتجون أن تدرس الحكومة مطالب الحراك الشعبي، خرج بعض ممثلي أحزاب الأغلبية بتصريحات، بعد اجتماعهم مع وزير الداخلية، أغضبت المحتجين.
الأغلبية الحكومية اتهمت بعض نشطاء حراك إقليم الحسيمة، بـ"العمالة للخارج والتشكيك في الوحدة الترابية للمملكة وبتجاوز المطالب الاجتماعية إلى أغراض انفصالية"، ثم صدر بعد ذلك بلاغ للأغلبية الحكومية يستدرك الأمر وتخلى عن هذه الاتهامات.
شرعية القانون
يوضح بلاغ الأغلبية الحكومية، أنه خلال اللقاء التشاوري الذي عقدوه يوم الأحد 14 مايو/أيار 2017، استمعت قيادة أحزاب الأغلبية لعرض تقدم به وزير الداخلية حول الأوضاع التي يعرفها إقليم الحسيمة منذ عدة أسابيع، وتمت مناقشة مستفيضة للحيثيات المرتبطة بتطور الأوضاع في الإقليم.
كما اعتبرت الأغلبية الحكومية، أن "التعبير عن المطالب الاجتماعية أمر مشروع وأن البناء المؤسساتي ببلادنا يوفر من الإمكانات والوسائل القانونية والوسائطية، ما يسهم بذلك في أجواء تجسد الاحترام التام لروح القانون وبنوده، ولكن أحزاب الأغلبية ترفض أي محاولة تستهدف الأمن والاستقرار ومصالح الوطن".
وأضاف بلاغ أحزاب الأغلبية، أن "حق تنظيم التجمعات يبقى مكفولاً لجميع الأفراد والجماعات وفق المقتضيات القانونية المؤطرة لهذا الشأن، وتنبه إلى أن القانون لا يسمح بتحول التجمعات إلى أعمال تمس بأمن المواطنين أو تؤدي إلى تخريب أو إحراق الممتلكات العامة والخاصة". مؤكدة على "أهمية التعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية بما يحقق حاجات الساكنة والتنمية والعيش الكريم".
تهم ثقيلة
بلاغ الأغلبية لم يلق ترحيباً من داخل بعض أحزاب الأغلبية نفسها، إذ بادرت الكتابة الإقليمية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالحسيمة (مشارك في الحكومة) بإصدار بيان للرأي العام، تؤكد فيه أنها "تابعت بقلق شديد تصريحات قيادات الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية بخصوص الحراك الاجتماعي بالريف، والمتمثلة في تلفيق تهم ثقيلة ومجانية تصل حد التشكيك في وطنية أبناء الريف الذين دافعوا عبر التاريخ بالغالي والنفيس من أجل الحرية والوحدة الوطنية لبلادنا".
وأدان حزب الاتحاد الاشتراكي بإقليم الحسيمة بشدة، "كل التصريحات التي ترمي أبناء الريف بتهمة الانفصال وتلقيهم لتمويلات خارجية". كما عبر ذات المصدر، عن شجبه "لكل المحاولات الدنيئة، التي تهدف تمويه الرأي العام الوطني والدولي، بخصوص المطالب العادلة للحراك الاجتماعي عبر تسويق أطروحة الانفصال".
وطالب حزب الاتحاد الاشتراكي بإقليم الحسيمة، "وزير الداخلية الكشف عن أدلة مادية، تثبت ادعاءاته الرامية إلى إلصاق نزعة الانفصال بالحراك الاجتماعي في الريف".
كذلك تبرأ حزب العدالة والتنمية (الذي يرأس الأغلبية)، من اجتماع زعماء الأغلبية الحكومية، إذ أكد سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في تدوينة على صفحته على فيسبوك، أن "الاجتماع المذكور انعقد بدعوة من رئيس الحكومة وبهذه الصفة حضر وترأس الاجتماع، أما حزب البيجيدي فقد تعذر على العمراني الحضور لكون الاجتماع تقرر في آخر لحظة".
نشطاء الحراك دعاة سلم وحوار
من جانبه، دعا ناصر الزفزافي، أحد الوجوه البارزة في حراك الريف، إلى إضراب عام يوم الخميس 18 مايو/أيار 2017، بالإضافة إلى مسيرة حاشدة، وصفها بالتاريخية، رداً على مخرجات الاجتماع الذي عقدته الأغلبية.
وأدان الزفزافي، في فيديو بث على شبكات التواصل الاجتماعي، ما اعتبره "افتراءات توحي بأن نشطاء الحراك لا يستجيبون لدعوات الحوار، مؤكداً أن "نشطاء الحراك دعاة سلم وأهل حوار على أرضية الملف الحقوقي للساكنة وليسوا بمحترفي سياسة".
ودعا الزفزافي الدولة أن "ترفع كل أشكال العسكرة عن الإقليم بشكل عاجل، وأن تطلق سراح كل المعتقلين على خلفية أحداث إمزورن يوم 26 مارس/آذار المنصرم بشكل فوري"، مؤكداً أن "الحراك الشعبي لم يتلق أي دعوة رسمية للحوار".
بدوره، أكد المرتضى إعمراشا، أحد الناشطين في حراك الريف، أنهم تلقوا بلاغ الأغلبية الحكومية، "بصدمة نوعاً ما، لأن الحراك منذ بدايته، دائماً يكرر وينبه إلى أن مطالبهم اقتصادية واجتماعية، وضد المطالب السياسية والتوجهات الانفصالية". مضيفاً أن الحراك "أعلن موقفه الذي يؤكد على الوحدة الوطنية للملكة المغربية".
وقال المرتضى إعمراشا، في حديث لـ"عربي بوست"، "إن مطالبنا نقدمها للمؤسسات، فالناطق الرسمي باسم الحراك، ناصر الزفزافي يكرر دائماً أن مطالبنا موجهة إلى الملك، وهذا اعتراف صريح وضمني بالمؤسسة الملكية".
وعبر الناشط في حراك الريف، عن استغرابهم من أن وزارة الداخلية "رفعت تقريراً مغايراً تماماً للوضع الذي يؤكده الميدان وتصريحات النشطاء دائماً؛ وهو التقرير الذي يتهمنا على أننا انفصاليون وعلى أنه نتلقى الدعم الأجنبي كما يدعون". مشدداً على أن الحراك، "يدعمه النشطاء بينهم، وأن العائلات والأسر الريفية بأوروبا، تدعم أبناء الريف بشكل دائم ومنذ زمن بعيد؛ إنه شكل تضامني اجتماعي معروف في منطقة الريف، ليس بغرض الحراك، ولكن من أجل العيش الكريم، في غياب فرص الشغل في المنطقة".
كما جدد المرتضى أعمراشن التأكيد، على أن "الحديث عن الدعم الأجنبي، هو أكذوبة الدولة لتبرير تدخلها الأمني في المنطقة، إضافة إلى أنه هناك توجه معين، يسعى إلى تصفية حسابات قديمة مع الريف".
ويقول الناشط في حراك الريف، "نحن نرحب بالحوار، وما قيل في بلاغ الأغلبية على أننا نرفض الحوار، هو افتراء على الحراك، لأنه إلى حد الآن لم نتوصل قط بدعوة للحوار، عكس ذلك طالبنا عدة مرات بالحوار".
"نحن لا نريد مواجهة مع الدولة، فقط نطالب بأن تكون هناك تنمية حقيقية للمنطقة وإقليم الحسيمة، التي تحتضن 98 في المائة من الشباب العاطل عن العمل، باعتراف رئيس الجهة نفسه".
هل يستمر سوء الفهم بعد المصالحة؟
هناك سوء فهم كبير بين الدولة ومنطقة الريف على مر التاريخ، خصوصاً بعد استقلال المغرب، وتحديداً منذ سنوات 1958-1959 التي اندلعت فيها شرارة احتجاجات اجتماعية كبيرة، قوبلت آنذاك بتدخل أمني عنيف جداً من طرف الدولة.
أواصر عدم الثقة بين الريف والدولة في المغرب الحديث، تعززت كذلك بعد أحداث سنة 1984 والمعروفة أيضاً بانتفاضة الخبز أو انتفاضة الجوع أو انتفاضة التلاميذ، إذ ساهم توالي سنوات الجفاف وتفشي البطالة والفقر، في تعميق الهوة بين مناطق الريف وباقي جهات البلاد.
وسنة 2004، دخلت البلاد ككل فيما سمي بعهد المصالحة مع تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، تضمن تقريرها الختامي، جملة من التوصيات الهادفة إلى طيّ صفحة سنوات الرصاص في المغرب بصفة نهائية، والانتقال إلى مغرب آخر تُحترم فيه حقوق الإنسان.