أجلت السلطات الصربية نحو 1200 لاجئ من مُخيّم مؤقتٍ في ثكنة مهجورة بوسط مدينة بلغراد، تاركين المئات -بما فيهم أطفال غير مصحوبين بذويهم- مجهولي المصير.
وذكرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية، الجمعة 12 مايو/أيار 2017 أن مسؤولين لدى المفوضية الصربية للاجئين والهجرة طلبوا من المهاجرين الذين يعيشون في المبنى المهجور أن يغادروا في وقت مبكر من صباح الخميس 11 مايو/أيّار، للسماح بالهدم الفوري للمبنى.
إجلاء عنيف
لكن عملية إجلاء اللاجئين كانت عنيفة، إذ قالت روزي جونسون، وهي متطوّعة لدى مؤسسة سوليداريتيا الخيرية في حديثها لصحيفة إندبندنت: "لقد صَدَمنا كيف كانت عملية الإجلاء غير إنسانية وغير مُنظمة".
وأضافت إن "المفوّضية اقتحمت الثكنات التي ينام بها الناس في الساعة السابعة صباحاً، إذ أيقظوهم بضربهم بأعمدة خيام، وفككوا خيامهم، بينما لا يزال الناس نياماً بداخلها، دون أن يمنحوا أحداً وقتاً لجمع متعلقاته الضئيلة".
وقالت روزي أيضاً إن مسؤولي المفوضية كانوا يرتدون قفازات خلال عملية الإجلاء، وشوهدوا يغسلون أيديهم في نافورة قريبة، على نحو مُتكرر بعد تواصلهم مع اللاجئين.
وتشير الصحيفة إلى أن هذا التصرف أشعر لاجئين بالإهانة، وقال أحدهم يدعى صافي: "أنا لست حيواناً، الصربيون يعتقدون أني حيوان".
لكن إيفان ميسكوفيتش، وهو مُتحدّث باسم المفوّضية الصربية لشؤون اللاجئين والهجرة، قال في تصريح لصحيفة "إندبندنت": إن "المسؤولين ارتدوا قفازات لأنهم اضطروا لإزالة زجاجات ومواد غير غذائية".
وفي تقرير للنسخة الكندية لـ"هاف بوست" يشير إلى أن لاجئين قطعوا مئات وربما آلاف الأميال، ليجدوا أنفسهم محاصرين في مخازن ومبان مهجورة في صربيا، في مواجهة عواصف الشتاء، مهددين بالموت برداً، بانتظار أن يتم اختيارهم بين "العشرة المبشرين باللجوء" يومياً إلى المجر.
وأشار التقرير إلى ما قالته هيومن رايتس ووتش (HRW) في وقت سابق، من أن معظم طالبي اللجوء لا يستطيعون الحصول على المياه، أو التدفئة أو استخدام المراحيض.
مبيدات حشرية
وقالت ليديا غال الباحثة لدى هيومن رايتس ووتش: "تجاهلت الحكومة الصربية عدة طلبات من قبل جماعات الإغاثة في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 2016، بما في ذلك طلب من منظمة أطباء بلا حدود، لبناء مخيمات مؤقتة وشتوية".
ويظهر مقطعٌ صوِّر يوم الأربعاء، وهو اليوم السابق لعملية الإجلاء، ما يبدو أنه أحد المسؤولين مُرتدياً ملابس عمل واقية وقناعاً للوجه، ويرش ما قال مُتطوّعون إنه مبيد حشري سام، داخل أنحاء الثكنة، بينما لايزال اللاجئون ومُتعلقاتهم بالداخل.
وقال طبيب متطوع لـ"إندبندنت" إن الأمر كان اقتحاماً للخصوصية وتجاهلاً تاماً لكرامة اللاجئين، وأضاف: "اقتحموا غُرفَ الجميع، وبدأوا في رش ما يمكن أن يُعد مادة سامة خطيرة، لقد رشّوها على المتعلّقات الضئيلة التي يملكونها، لقد كان الأمر مروّعاً، ووقحاً، ويفتقر للكرامة".
في حين نفت المفوّضية أي دور لها في استخدام المبيدات الحشرية، وقالت أنها "غير مفوضة لإجراء أي نوع من الرش"، وأضافت أنها لا تستطيع تأكيد من قام بعملية الرش.
ونُقِل العديد من اللاجئين، ومنهم عدد كبير من الفتيان والرجال ذوي الأصول الأفغانية والباكستانية، على متن حافلات إلى عدد من المخيّمات ذات المساحات التي تديرها الحكومة بأنحاء البلد، ولكن لم يُعرف مصير ما يصل إلى 400 شخص بينهم حتى حين كتابة هذا التقرير.
وتُقدِّر "أطباء بلا حدود" أنَّ ما يصل إلى 2000 شخص يعيشون في مجموعةٍ من المستودعات والمباني الأخرى المحيطة بمحطة القطارات الرئيسية في مدينة بلغراد. وتُقدِّر أنَّ ما يُقارب نصف المُصابين الذين عالجوهم هم تحت سن الـ18، بحسب صحيفة "الغارديان".
ويشير ستيجن فان دير ليست من برنامج مساعدة اللاجئين في حديثه لـ"إندبندنت" إلى أكثر ما يقلق في الأمر، أن 40 % من مركز إيواء اللاجئين كان يأوي أشخاصاً تحت سن الثامنة عشرة، ما يترك احتمالاً كبيراً لعمليات الاتجار في البشر والاستغلال والإيذاء من قبل المهربين.
وقال أحمد، اللاجئ البالغ من العمر 24 عاماً من أفغانستان، أنه لا يريد مغادرة الثكنة التي كان يعيش فيها لأنه على الرغم من أن الظروف بائسة هناك، أصبحت الثكنة منزله، وأضاف "في هذه المخيّمات، نحن لسنا أحراراً، نحن كالحيوانات"، وتابع "نحن نُطعَم ثم ننام، هذا كل ما نفعله. في الثكنة كان لدينا حياة جيدة، كنا نعيش جميعاً سوياً وكنا أحراراً".
وأعلن عددٌ من اللاجئين إضراباً عن الطعام احتجاجاً على عملية الطرد، والهدم المخطط له، بعد أن حذّرت السلطات الصربية أن جميع المهاجرين المقيمين في مركز مدينة بلغراد سيُنقلون إلى مراكز حكومية في غضون شهر واحد.
ويجري تطهير موقع الثكنات السابق، إذ أنه يشكل جزءاً من مشروعات تطوير بقيمة 3.22 مليار دولار أميركي. وسيتضمن مشروع الواجهة البحرية لبلغراد ناطحات سحاب وشققاً فاخرة، ومراكز تسوّق وفنادق وحدائق عامة.
يذكر أنه قد تم تحديد هُوية أكثر من 7200 لاجئ وطالب لجوء ومهاجر في صربيا في آخر إحصاء، بحسب آخر تقرير لوكالة الأمم المُتحدة لشؤون اللاجئين، والذي نُشر الأسبوع الماضي.