أحد المواقع الإخبارية السورية المهتمة بنقل أخبار البلد وأخبار المعارضة ومعارك الكر والفر ومعاناة المواطنين سردت الخبر التالي: (وفاة النجمة اللبنانية الأصل، ممثلة الأفلام الإباحية بحادث سير مرعب، وقد تمكنت من أن تحقق نجاحاً مبهراً في وقت قياسي وقد احتلت المراتب الأولى عالمياً).
بغض النظر عن أن الخبر كان إشاعة فقط لجذب الأنظار للموقع المستحدث، ولكن حقيقة احترت، ذهلت، أين أصبحنا؟ هل مقولة (إذا الجاهلة سمعت بالحرية خلعت ملابسها)، وصلت إلى المتنورين بالبرمجة والنشر الإلكتروني؟! فأصحاب المواقع ينقلون أخبار نجمات الإباحية على نفس المكان والنطاق الإلكتروني الذي تنقل فيها أخبار أصحاب الدماء الطاهرة وأصحاب القضايا الشامخة؟!
حقيقةً لم أكن قبل هذا الموقف أعرف تلك النجمة اللبنانية، وعندما بحثت وجدت أنها احتلت المراتب الأولى في عالم المواقع الإباحية.
ثم أخذني البحث إلى أن وصلت إلى تقارير إحصائية عن العرب والإباحية، حيث صدمت من التقارير التي تشير إلى أن البلدان العربية تحتل مرتبة الصدارة في متابعة المواقع الإباحية عبر الإنترنت، وإذا تعمقنا في التقارير أكثر نلاحظ أن الأعمار ستزيد الصدمة أكثر.
عدت بالذاكرة إلى الوراء قليلاً لأتذكر تجارب مررت بها، وأنا أكلم شاباً صغير السن في أصقاع الغربة هنا أو هناك يهمس بأذني بعد أن يعرف أنني أعمل بالمخابر والتحاليل الطبية، ويقول لي: (أشعر أن معي سرطاناً وأريد أن أجري بعض التحاليل لأتأكد)، وينتهي بنا النقاش إلى أنه يرغب بإجراء تحاليل التهاب الكبد الوبائي والإيدز.
كل ذلك جعلني أتجول بين الأرقام والإحصائيات لأكتشف السر؟
فالبدايات كانت مع مصطلحات مثل: حرية الجسد، وهذا رأيي، وحجابي شيء يخصني، أنا سأقزع أو أدخن أو أجاهر بالمعصية، كل ذلك كان لافتاً للنظر، أما الآن فالمؤدب أصبح لافتاً للنظر في ظل انتشار قلة الأدب.
ومن المصطلحات أيضاً: التعبير عن الرأي، الشماعة التي لطالما علق عليها أصحاب الأخطاء نقاشاتهم مع من تبقى من الآمرين بالمعروف، أعطتنا الثمرة الآن، تلك الثمرة التي بدأت من اللباس غير المحتشم الذي ينتشر، والكثير من المكياج على قليل من أنثى الذي يملأ الإنستغرام، يوحي بالمزيد أيضاً.
عندما تغوص في الأعماق وتبحث عن الأسباب وتقوم بربط النتائج المتصدرة مع الدول والحالات التي تعيشها الدول تصل إلى نتيجة أن مواطني هذه الدول الإسلامية والعربية أو الدول المحافظة هو الضغط الاجتماعي والسياسي وغياب الأفق والأمل.
فاليمن وسوريا والعراق ومصر وليبيا جميعها تعيش أوضاعاً صعبة يلجأ فيها المواطنون إلى هذا المتنفس.
وإذا ما قمنا ببحث أكثر تعمقاً للعلاقة بين الاكتئاب والإباحية على الإنترنت سنصل إلى نتيجة تؤكد الترابط بين الإدمان على الإباحية والاكتئاب:
1- فالميمات الثلاثة هنا في الأفلام اللاشرعية (متاحة)، أي يمكن الوصول إليها بسهولة، (معقولة) التكلفة، (مجهولة) فقد لا يدري أحد من وراء الشاشة يشاهد هذه المواد، وهذا يجعل أجورها بسيطة ومتاحة.
2- وبمتابعة التعمق بإجراء مقارنة بين مشاهدة الأفلام الخلاعية بإدمان وتناول المخدرات، نجد أنه عند استخدام المخدرات القوية مثل الكوكايين أو الهيروين، يتم الإفراج عن كميات كبيرة من الدوبامين، وغيرها من المواد الكيميائية الطبيعية في الجسم في الدماغ عند تناول الدواء، هذا يمنح المتابع إحساساً بالنشوة؛ لأنها تضغط بشكل زائد عن الحد على مركز اللذة في الدماغ، بينما عند إدمان مشاهدة المشاهد الساقطة، فإن كميات كبيرة من الدوبامين، وغيرها من المواد الكيميائية الطبيعية في الدماغ يتم إفرازها عند رؤية الصورة (المحفز)، مما يمنح الإحساس بالنشوة بسبب الكميات الهائلة من الدوبامين المرسلة إلى الدماغ في تلك اللحظة.
3- بالربط بين المجانية وسهولة الوصول والتحفيز والسعادة نعرف السبب، فاليأس يدفع بالناس إلى سلوك طرق ملتوية للحصول على المتعة والهروب من كثرة التفكير والإحباطات.
سلسلة الوقوع في فخ الإدمان:
– عند بدء تشغيل أول عرض للمواد الإباحية، يبدو الأمر أسهل على التوقف، ولكن بسبب التفاعلات الكيميائية التي تحدث في الدماغ، والتي يتشابه تأثيرها إلى حد كبير بـالمواد المخدرة، كلما زاد الاستهلاك كان من الصعب كسر هذه العادات إلى درجة يجعل الإنسان يتلهف إلى الإباحية إلى النقطة التي يفقد السيطرة فيها على نفسه، ويسمى هذا السلوك الإدمان القهري، وهو "فقدان الحرية في اختيار وقف أو الانخراط في السلوك".
– الناس الذين لديهم هذا السلوك القهري، غالباً ما ينفقون قدراً كبيراً من الوقت في التخيل، والتخطيط، أو التفكير في السلوك الجنسي، وقد يتحول إلى هوس بهذا النشاط والطقوس المحيطة به، غالباً ما يدرك المدمن أن ما يفعله ضار، ولكن عندما يسقط في فخ الإدمان، يكون خارج سيطرته، كل ما يمكن التفكير هو إرضاء الشغف الخاص به، يظهر عليه تأثير الانسحاب، مثلما لو كانت المحاولة لإنهاء استخدام المخدرات الكيميائية، وغالباً ما يدرك المدمن خطر هذا على حياته الاجتماعية والأسرية والمهنية، ولكنه لا يستطيع مقاومة إغراء الاندفاع والنشوة المؤقتة التي تمنحه إياها المواد الإباحية.
– يشير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية إلى مجموعة من السلوكيات التي من شأنها أن تؤهل الفرد أن يكون ممن يعانون اضطراب الإفراط الجنسي في الأساس، يشير الدليل إلى أنه – وفقاً للخبراء – إذا وجُد ما يلي:
1- استخدام المواد الإباحية يؤثر على الوقت الذي كان ينفق عادة على الأنشطة الهامة مثل الهوايات، والرياضة، والواجبات المنزلية، والوقت مع الأصدقاء أو العائلة.. إلخ.
2- تستخدم المواد الإباحية بشدة عند الشعور بالحزن، القلق، الملل، أو الغضب.
3- استخدام المواد الإباحية كوسيلة لإدارة وتخفيف الضغط العصبي.
4- المحاولة المستمرة والفشل في إيقاف استخدام المواد الإباحية.
5- الإصرار على الاستمرار في استخدام المواد الإباحية حتى عند التأكد من أنه قد يؤذي الشخص نفسه أو الآخرين (وفقدان فرص العمل، والسلوكيات الجنسية الخطرة.. إلخ).
6- استخدامك للمواد الإباحية يسبب الضيق لنفسك أو الآخرين.
إذا كان الشخص يعاني هذه الأعراض فلا بد أن يطلب العون والمساعدة. "الإنكار يلعب دورا هاماً في السماح للسلوكيات السلبية بالتطور يصبح الفرد في كثير من الأحيان غير قادر على رؤية التطور التدريجي لمشكلة السلوك بسبب التدرج؛ لذلك، طلب المعلومات من مصادر مطلعة، مثل شريك، يكون من المهم جداً في تقييم سلوك الإنسان.
كل ما سبق هو الخمر، فأين العنب؟ إنه في ذلك الأخ التوأم للدوبامين وهو الأندروفين الذي يفرزه الدماغ في الزواج الحلال، وأكثر أمناً وصحة للأجساد من الخمر، ولكن لا أرغب بأن يعلق أحدهم ويقول لي: غلاء مهور، وصعوبة الحياة، وعدم قبول البعض من الأهل والفتيات بنا، فالزواج الحلال يتطلب الكفاءة بالدرجة الأولى، والقدرة على القيام بالأعمال المنزلية والزوجية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.