الغربة السورية.. تداعيات وتحولات على مستوى الهوية الاجتماعية

رحلة الغربة والتغريبة السورية، وتداعياتها على القيم، والهوية الاجتماعية، وإشكالية التفاعل، خارج البيئة الأصل، هو موضوع إلماحتي وإضاءتي، على المأساة السورية، في أحد وجوهها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/11 الساعة 03:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/11 الساعة 03:02 بتوقيت غرينتش

رحلة الغربة والتغريبة السورية، وتداعياتها على القيم، والهوية الاجتماعية، وإشكالية التفاعل، خارج البيئة الأصل، هو موضوع إلماحتي وإضاءتي، على المأساة السورية، في أحد وجوهها.

تتسع التغريبة السورية؛ لتشمل الداخل السوري، على مستوى المحافظات، والأرياف، والمدن، والقرى، والبلدات، وخارج سوريا، إقليمياً، في دول الجوار العربي، وتركيا، وفي الدول العربية، غير المجاورة، كمصر ودول الخليج والسودان، وبقية الدول العربية، وفي دول اللجوء الإنساني، في القارات الأخرى من العالم، أوروبا أولاً من حيث العدد، وأستراليا، وأميركا الشمالية، كندا، والولايات المتحدة الأميركية، وفي بقية قارات العالم، بأعداد قليلة.

ينقسم المجتمع السوري، كبيئات اجتماعية، إلى العشائري، والحضري القروي، والمديني، كتجمعات سكانية، ذات طبيعة ما، في مأكلها ومشربها، ومصادر عيشها، ومهنة أهلها، وإلى تقسيمات على أسس دينية، كالجماعة الدينية، ومجتمع الطائفة الدينية، وأيضاً إلى تقسيمات، على أسس قومية، كمجتمع الجماعة العرقية، وبإحاطة أوسع سنشمل في تقسيماتنا للمجتمع السوري، نمط الحياة والبعد أو القرب من الموروثات الثقافية، والموقف منها، العقلاني الناقد الجدلي، أم المسلم بها والراضخ، أو المتعصب لها؛ لنجد المنطقة الشعبية المحافظة بتزمت، والأحياء الحديثة المحافظة بعصرية واعتدال، وهكذا وصولاً للطبقات الثرية، صاحبة نمط الحياة العصري، المتغرب، وأخيراً النسب المحدودة، التي تشذ عن الخط العام، لبيئتها داخل البيئة نفسها، في نمط حياتها الاجتماعي، وقيمها، وتتداخل الأسباب في تشكلها، وأهمها التعليم، والعقلنة، والثقافة، والسفر.

كل ما سبق مدخل تعريفي مختزل عن التركيبة الاجتماعية السورية، الغنية، والفريدة، الممتدة على الجغرافيا السورية، ونهدف في التقصي عنها إلى الوقوع على جانب من التداعيات، التي لم يتبين بعد، أو لم يكتمل، مدى أثرها ونوعه، إيجابي أم سلبي، جيد أم سيئ، على المجتمع السوري بعمومه، وحالة الاستدامة الراهنة، بقاء أفراد هذه البيئات السورية، على اختلافها، في بيئات سورية أخرى مختلفة عنها، وبيئات عربية مجاورة، وعربية غير مجاورة وغير عربية مجاورة، وأجنبية غير مجاورة، في قارات أخرى من العالم، وعلى وجه الأخص أوروبا، ولكل فئة وتقسيم من هذه التقسيمات، والفئات البيئية، المعايير القيمية الناظمة، والموجهة للسلوك الجمعي،

الخاص بهذه الفئة أو التقسيم، والتي يعبر عنها بالعرف والتقليد، والمقبول والمألوف، والمعتاد، والمحظور، والمستهجن، والمرفوض، الزواج، شأن المرأة، التربية، علاقة الأبناء بالآباء، علاقة الآباء بالأبناء، الحيف، والشرف، التفاعل الاجتماعي، والحياة الاجتماعية، فض النزاعات أهلياً، والاحتكام للأعيان والوجهاء، وكبار السن، ولما جرى عليه العرف، أنماط وأساليب الحياة المنظومة القيمية ككل، ما هي حالة هذه الخصوصيات الاجتماعية، في ظرف الحرب، بكل ما فيه، من اضطراب، وفوضى، وخلل وتعطل، وشتات؟

ما هي حالة هذه الخصوصيات الاجتماعية، في ظرف النزوح الداخلي، والخارجي، واللجوء، وإقامة عموم هؤلاء الأفراد، الذين ينتمون لتلك الفئات البيئية، على اختلافها، وتعددها، وتنوعها، خارج البيئة، والمنطقة الأصل، والوطن، وغياب ظرف الهدوء، والاستقرار الطبيعي، الذي يسمح بممارسة تلك الخصوصية واستمرارها وسيرها؟

وفي حالات ردود فعل طبيعية، في ظرف كهذا، لتلك الفئات الاجتماعية، كالإحجام عن الممارسة الاجتماعية للذات، بداعي الوجود خارج البيئة الأصل، وخارج ظرف مستقر، وهادئ في الوطن الأم، فما هو البديل عن هذه الممارسة؟ هل هو العرف السائد؟ هل هو القانون؟ أم كلاهما معاً؟ وبفعل طول مدة حالة تعطيل الخصوصية الاجتماعية هل ستتحول تلك الخصوصية، ويخالطها الجديد المكتسب؟ وكم نسبة تلك المخالطة وقدرها؟ وهل سيكون هناك تحول تام مطابق للجديد المكتسب؟ أم ستكون خصوصية مختلطة بالقديم والجديد؟ وهل نحن أمام حالة مؤقتة تفرض الخضوع والانصياع المُكرَه، بداعي الظرف الحالي، إلى حين عودة الفئة الاجتماعية إلى بيئتها الأصل وظرفها الطبيعي بانتهاء الحرب في سوريا؟

وعند عودتها هل ستعود كما كانت في سابق عهدها، عندما خرجت من وطنها، أم أنها ستعود مع مكتسبات جديدة بتغيرات جذرية وجزئية، جزئية طفيفة وسطحية، وجزئية عميقة وجوهرية، متفاوتة ومتعددة، بحسب البيئة المُكسِبَة، وسنشهد حينها تحولات وتغيرات واضحة ومقروءة في الهوية والخصوصية الاجتماعية؟ إضافة إلى تداعيات التغريبة السورية، وكل ما ستحفل به، من عذابات، وآلام، واغتراب، وقهر، والتي يصعب بل يستحيل التنبؤ بطولها أو قصرها، من حيث المدة الزمنية، وبالتالي ليس من الممكن حصر الظروف التي ستحيط وتطرأ على حياة الأفراد، وأثر جملة كل ذلك على الهوية الاجتماعية، وخصوصيتها، الخاصة بكل فئة اجتماعية سورية على حدة، وهل سنكون أمام خارطة بيئية اجتماعية جديدة، على امتداد الجغرافيا السورية؟!

سيحمل قادم الأيام الإجابات عن أسئلتنا، وستكذب تكهنات وتصدق أخرى، بانتظار لطف قدري يعم أرض سوريا في عاجل الأيام ويهب السوريين العودة العزيزة.. والسلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد