يستيقظون متأخرين ويأكلون قرب منتصف الليل.. الإسبان يعيشون في منطقة زمنية خاطئة بسبب هتلر!

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/08 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/08 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش

إنها العاشرة مساءً في "لا لاتينا"، أحد أقدم أحياء مدينة مدريد، والشوارع لا تزال تصدح بأصوات الناس وهم يستمتعون بتناول أطباق الجمبري بالثوم وطبق الحُمص الغني المقدم مع لحم الخنزير والحساء المطبوخ من سجق لحم الخنزير.

تعج المطاعم بالحركة في ساعةٍ يستعد فيها معظم الطهاة في غالبية الدولة الأوروبية لتعليق أدواتهم مع نهاية يومهم، حسب تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

هتلر

وبينما قد يعزو المسافرون أسباب تناول الإسبان وجباتهم الغذائية في وقتٍ متأخرٍ من اليوم إلى الطبيعة المزاجية المسترخية لشعوب دول البحر المتوسط، فإن السبب الحقيقي أكثر غرابة، وهو أن الإسبان يعيشون في منطقة زمنية خاطئة، وهم على هذا الحال منذ أكثر من 70 عاماً، وفقاً لتقرير "بي بي سي".

يقول التقرير: "إذا نظرت للخريطة ستدرك أن إسبانيا، التي يتقاطع موقعها مع نفس خط العرض الذي يمر بالمملكة المتحدة، والبرتغال والمغرب، من المفترض أن تكون ضمن توقيت غرينيتش. لكنها تتبع توقيت وسط أوروبا، ما يجعلها متزامنة مع العاصمة الصربية بلغراد، التي تبعد نحو 2500 كيلومتر شرق مدريد".

إذاً، لماذا يعيش الإسبان في توقيتٍ متأخر عن المنطقة الزمنية الجغرافية المُفترض أن يكونوا تابعين لها؟

في عام 1940، غيَّر الرئيس الإسباني فرانسيسكو فرانكو المنطقة الزمنية لإسبانيا وقدَّم توقيتها ساعةً تضامناً مع ألمانيا النازية.

لم يخطر على بال الإسبان، الذين كانوا مُدمَّرين تماماً بفعل الحرب الأهلية، الاعتراض على تغيير التوقيت الزمني؛ استمروا في تناول الطعام في نفس الوقت المعتاد، لكن بسبب تغيير الساعة، باتت وجبات الغداء تُقدَّم في الساعة الثانية ظهراً بدلاً من الواحدة، وباتوا فجأةً يتناولون عشاءهم في التاسعة مساءً بدلاً من الثامنة.

لماذا يرفض البعض عودة التوقيت الطبيعي؟

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تتغيَّر المواقيت قط. غير أن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أعلن في العام الماضي، أن حكومته تعمل على إعداد خطةٍ من أجل تطبيق جدولٍ زمني جديد ليوم العمل كي ينتهي في السادسة بدلاً من الثامنة مساءً.

وكانت إحدى العناصر المهمة في الخطة هي دراسة إمكانية تغيير التوقيت الزمني لإسبانيا من توقيت وسط أوروبا إلى توقيت غرينيتش، الأمر الذي أشعل جدلاً محتدماً عبر أنحاء البلاد.

إن التأخر 60 دقيقة عن التوقيت الزمني الصحيح يعني أن الشمس تشرق وتغرب متأخرةً، ما يمنح إسبانيا أمسيات صيفية طويلة ورائعة وغروب شمسٍ يحلُّ في العاشرة مساءً.

يعتقد مديرو المنتجعات السياحية في إسبانيا أن توافر ضوء الشمس لوقتٍ أطول خلال اليوم يُشكِّل عاملَ جذبٍ للزائرين.

وتعارض الحكومة الإقليمية لجزر البَلْيَار – التي تشمل مايوركا، ومينوركا، وإيبيزا – بشدة العودة للعمل بتوقيت غرينيتش، بل إنها تدشِّن حملةً للعمل بالتوقيت الصيفي طوال العام (وهو تقديم التوقيت الزمني لوسط أوروبا ساعة) للسماح للزائرين بالاستفادة بمناخ الشتاء المعتدل بالمنطقة.

قد يروق لبعض الأجانب صورة إسبانيا التي يتناول فيها الناس غذاءً متأخراً طويلاً والنوم وقت القيلولة وشواطئ بعد الظهر، لكن الواقع بالنسبة لمعظم العمال الإسبان أنه يوم طويل ومفكك، وفقاً لتقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

بالنسبة للعديد من الإسبان، يتسبَّب العيش في توقيتٍ زمني خاطئ في الحرمان من النوم ونقص الإنتاجية. يبدأ يوم العمل في إسبانيا في الساعة التاسعة صباحاً. وبعد الحصول على استراحة الغداء لمدة ساعتين من الثانية إلى الرابعة مساء، يعود الموظفون للعمل حتى انتهاء يومهم في الثامنة مساءً. وتُجبِر ساعات العمل المتأخرة الإسبان على ممارسة حياتهم الاجتماعية في وقتٍ متأخر من اليوم. ولا يبدأ وقت الذروة بالتلفاز إلا بحلول الساعة العاشرة والنصف مساءً.

في الوقت نفسه، لا تشرق الشمس في غاليسيا، وهي منطقة تابعة لإسبانيا وتتمتع بحكم ذاتي، إلا بعد الساعة التاسعة صباحاً في الشتاء، ما يعني أن السكان يبدأون يومهم في الظلام.

تنقل "بي بي سي" عن خوسيه لويس كاسيرو، رئيس اللجنة الوطنية لضبط الجداول الزمنية الإسبانية، وهي منظمة تنظم حملات للضغط على إسبانيا لإعادة العمل بالتوقيت الصحيح منذ عام 2006، قوله: "إن حقيقة عدم تزامن الوقت في إسبانيا مع حركة الشمس تؤثر على الصحة، خاصة النوم".

ويتابع: "إذا غيَّرنا التوقيت الزمني، فإن الشمس ستشرق مبكراً بساعةٍ، وسنستيقظ من نومنا بشكل طبيعي أكثر، وستصبح أوقات تناول الوجبات الغذائية مبكرة بساعةٍ وسنحظى بساعةٍ إضافية للنوم".

أكثر العادات سيئة السمعة

تمكَّن الإسبان من التأقلم بشكلٍ تقليدي مع تأخر ساعات الليل عبر حصولهم على استراحةٍ لتناول القهوة في الصباح وساعتين لتناول الغداء، ما منحهم الفرصة للتمتع بواحدةٍ من أكثر العادات سيئة السمعة في البلاد: القيلولة.

وقد يهدِّد تغيير ساعات يوم العمل عادة القيلولة لدى الإسبان، لكن موافقتهم على تغيير التوقيت الزمني من عدمه لا يزال محل نقاش.

وتوصَّلت دراسة، أجرتها شركة Simple Lógica للأبحاث في يناير من عام 2017، إلى أن 18% من الإسبان ينامون في وقت القيلولة بانتظام، بينما لا يأخذ حوالي 60% منهم أية غفوة. في الواقع، يستمر أصحاب المحال في المدن الإسبانية الكبرى والمنتجعات في العمل خلال استراحة وسط اليوم لتقديم الطعام للسائحين.

في الوقت نفسه، يعبِّر هؤلاء، الذين يأخذون وقتاً للقيلولة، عن إحباطهم عندما يتسبَّب تغيير روتينهم اليومي في منعهم من النوم وسط اليوم.

ولكن هل تنتهي هذه الأمور بما فيها وقت القيلولة وأوقات احتساء القهوة الطويلة في منتصف اليوم.

لقد أوصت لجنة برلمانية برلمانية خرجت قبل 3 أعوام بأن تقوم إسبانيا بتأخير توقيتها ساعة مرة أخرى واعتماد أيام عمل عادية ابتداءً من الساعة التاسعة صباحاً وتنتهي الساعة الخامسة مساءً، حسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، لكن مازال القرار لم يخرج إلى حيز التنفيذ.

يقول كاسيرو: "ينبغي علينا التخلُّص من القيلولة في إسبانيا؛ لأنها لا تتوافق مع الواقع. ومع تغيير التوقيت الزمني، وتقديم الوجبات الغذائية مبكراً، ومنحنا ساعةً إضافية للنوم، سيقل احتياجنا للراحة في وسط اليوم".

بينما ترى الاقتصادية نوريا تشينشيلا، خبيرة التوازن بين الحياة والعمل لدى Instituto de Estudios Superiores de la Empresa، وهي كلية إدارة الأعمال في مدينة برشلونة، إن جودة حياة الإسبان أهم من الحفاظ على ساعةٍ أو اثنتين من ضوء النهار من أجل السياح.

وتقول نوريا: "إذا ما نظرنا إلى الأمر، سنجد أننا نعاني باستمرار من اضطراب الساعة البيولوجية. سيكون السائحون موجودين دائماً، إنهم لا يبالون بتغيير الوقت. ستبقى ساعات الغروب كما هي سواءً كانت هناك ساعةٌ إضافية في الصباح أو المساء".

علامات:
تحميل المزيد