لمح مساعدٌ رفيع المستوى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء 3 مايو/أيار 2017، إلى إمكانية استهداف القوات الخاصة الأميركية المتمركزة في شمال سوريا بصواريخ تركية إذا ما استمرت في التعاون مع المقاتلين الأكراد على طول الحدود التركية.
جاءت تعليقات إلنور سيفيك، المستشار السياسي رفيع المستوى لأردوغان، في نفس يوم لقاء الرئيس التركي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين للتباحث بشأن خطط توفير مناطق آمنة في سوريا؛ لوقف العنف هناك وهو الاقتراح الذي يدعمه الجانبان.
وتأتي التعليقات قبل أسبوعين من زيارة أردوغان لواشنطن في أول لقاءٍ له مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقاً لما جاء في تقريرٍ لمجلة فورين بوليسي الأميركية.
بضعة صواريخ فجأة بطريق الخطأ
وقال سيفيك في حوارٍ له عبر الإذاعة، إنه إذا استمر الأكراد والأميركيون في التعاون معاً، "فلن نلتفت إلى حقيقة وجود مركبات مدرعة أميركية في المنطقة.. يمكن أن تضربهم بضعة صواريخ فجأة بطريق الخطأ".
وتكشف تهديدات أحد أعضاء حلف الناتو باستخدام القوة ضد القوات الأميركية عن مدى خطورة وتعقيد التدخل الأميركي في الأزمة السورية، ويمكن لهذه التهديدات أن تتسبب في مزيدٍ من تدهور العلاقات بين واشنطن وأنقرة، تلك العلاقات التي تعاني بالفعل توتراً بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا العام الماضي، وفقاً للمجلة.
كان للقوات الخاصة الأميركية وجودٌ ملحوظ في المناطق الكردية شمال سوريا طوال الأسابيع الماضية؛ إذ ظهرت القوات الأميركية في البداية بمدينة منبج، التي تعرَّضت لتهديدٍ من قِبل المقاتلين العرب السوريين المدعومين من تركيا.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، التُقِطت صورٌ أخرى للقوات الأميركية في أثناء انتقالها عبر مدينة القامشلي بالقرب من الموقع الذي قصفته القوات الجوية التركية خلال الأسبوع الماضي؛ ما تسبَّب في مقتل 18 من مقاتلي القوات الكردية المدعومة من قِبل الولايات المتحدة.
ويعد استعراض القوة الأميركي تذكيراً علنياً بدعم الولايات المتحدة للأكراد، الذين يشكِّلون غالبية قوات سوريا الديمقراطية التي تتألَّف من 50 ألف مقاتل من مجموعةٍ من الميليشيات المحلية المسلحة التي تتقدَّم حالياً صوب مدينة الرقة- معقل تنظيم داعش.
وتقول القيادة العسكرية الأميركية إن الأكراد هم الخيار العسكري الوحيد الفعَّال لدحر تنظيم داعش على الأرض في سوريا.
وتشعر أنقرة بقلقٍ بالغٍ تجاه التعاون المستمر بين الولايات المتحدة وقوات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا؛ إذ تعتبرهم تركيا إرهابيين. ويزيد من تعقيدات الموقف تحرَّك بعض القوات الروسية أيضاً إلى شمال سوريا، وكذلك إبرام موسكو بعض الاتفاقات المحلية مع الأكراد؛ الأمر الذي أثار قلق الحكومة التركية.
وقال العقيد جون دوريان، المتحدث باسم التحالف العسكري في العراق وسوريا والذي تقوده الولايات المتحدة، إن نشر القوات الأميركية "جاء بعد ورود أنباء عن اندلاع مناوشات بين القوات التركية والقوات المتحالفة معنا بالقرب من الحدود التركية-السورية"، وإن القيادة العسكرية الأميركية أرادت "تقييم هذه التقارير والتأكد من صحتها؛ حتى نتمكن من تحديد الخطوة التالية الملائمة والتصرف على أساسها".
بوتين وأردوغان
وتزامناً مع هذه التطورات، تناقش ترامب وبوتين بشأن سوريا عبر الهاتف يوم الثلاثاء 2 مايو/أيار 2017، واتفقا على العمل من أجل "إيجاد آليات لدعم وقف إطلاق النار وتمديده والتحكم فيه"، وفقاً لبيانٍ صادر عن الكرملين.
وفي اليوم التالي، وفي أعقاب لقائه أردوغان في مدينة سوتشي الروسية، عبَّر بوتين بمزيدٍ من التشديد عن طموحاته بشأن سوريا؛ إذ دعا إلى إنشاء "مناطق آمنة"، موضحاً أنه ناقش الأمر مع الرئيس ترامب. لكن بيان البيت الأبيض حول المحادثة الهاتفية، التي جرت بين الرئيسين الأميركي والروسي، لم يذكر إجراء أي نقاشٍ بشأن هذا الأمر.
وقال بوتين إن 4 مناطق محددة، غرب البلاد، ستصبح "مناطق حظر جوي"، استعداداً للعمليات العسكرية ضد تنظيم داعش أو الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ولم يحرز هذا الاقتراح أي تقدمٍ خلال مباحثات السلام في كازاخستان بين المعارضة السورية، والنظام السوري، وروسيا، وإيران، وتركيا. وانسحب ممثلو المعارضة السورية من المباحثات الأربعاء 3 مايو/أيار؛ اعتراضاً على استمرار قصف الحكومة السورية المستشفيات واستهدافها المدنيين، والدور الذي تلعبه إيران في الحرب الأهلية السورية.
وقالت المعارضة السورية في بيانٍ لها: "إن إيران دولةٌ مُعتدية وعدوٌ للشعب السوري. إنها جزءٌ من المشكلة ولا نقبل أي دور لها كضامنٍ أو راعٍ لحاضر ومستقبل سوريا".
وتشارك الولايات المتحدة فيهذه المباحثات كمراقبٍ، ويمثلها ستيوارت جونز، القائم بأعمال وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. وقد أكد مسؤولٌ بوزارة الخارجية لمجلة فورين بوليسي أن جونز التقى جميع المشاركين في المباحثات الأربعاء، "باستثناء النظام السوري والإيرانيين".
وعبَّرت روسيا عن آمالها بشأن إمكانية توقيع مذكرة تفاهم لوقف إطلاق النار الخميس 4 مايو/أيار، وعودة المعارضة السورية إلى طاولة المباحثات.
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات نُشرت الخميس 4 أبريل/نيسان 2017، أن خطة موسكو لإقامة "مناطق تخفيف للتصعيد" في سوريا ستسهم في حلِّ النزاع المستمر منذ 6أعوام بنسبة 50%.
وفي حديثه إلى صحفيين أتراك في طائرته، في أثناء عودته من سوتشي على البحر الأسود، أكد أردوغان أن هذه المناطق ستتضمن إدلب، وجزءاً من محافظة حلب والرستن في حمص، إضافة إلى جزء من كلٍّ من دمشق ودرعا.
لكن تقرير فورين بوليسي رأى أنه حتىلو وُقِّعَ اتفاقٌ لوقف إطلاق النار، فلا توجد مؤشرات كبيرة تبشر بأن الاتفاق سيكون أكثر فاعليةً من أيٍ من اتفاقات إطلاق النار الفاشلة السابقة، خاصة مع غياب آلية واضحة تمنع الطائرات السورية من قصف المدنيين.
ويقول تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط: "لا يوجد أي أسس حقيقية تدفع الناس إلى اعتقاد أن وقف إطلاق النار قابل للاستمرار. إنه اتفاقٌ آخر قائمٌ بالكامل على الثقة، ولا توجد ثقةٌ بين القوات المتحاربة على الأرض".
محادثة مروعة
والأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة تتعارض مع تركيا بشدة بشأن استراتيجية محاربة تنظيم داعش. فقد جرت محادثة هاتفية "مروعة" بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون، بعد أن قصفت الطائرات الحربية التركية وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا والعراق يوم 25 أبريل/نيسان؛ ما أسفر عن مقتل 20 مقاتلاً، وفقاً للصحفي بموقع المونيتور أمبرين زمان.
وتحظى قوات حماية الشعب الكردية بدعم واشنطن؛ إذ تراها عنصراً حاسماً في حملتها العسكرية ضد تنظيم داعش، لكن أنقرة تعتبرها امتداداً للتمرد الكردي المسلح داخل تركيا.
وقال مصدر دبلوماسي لموقع المونيتور: "في مرحلة ما خلال المحادثة الهاتفية، قال تيلرسون ما معناه: حسناً، لا يهم، امض فيما تفعله، ونحن سنفعل ما نريده".
ويشعر أردوغان وحكومته بالإحباط تجاه استمرار اعتماد الولايات المتحدة على الأكراد السوريين في حملتها العسكرية ضد الرقة، التي فرضها داعش عاصمةً له كأمرٍ واقع في سوريا، وفقاً لما جاء بصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
يقول أرون لوند، من مؤسسة Century للأبحاث: "إن تمزيق أعلام تنظيم داعش السوداء التي ترفرف فوق مدينة الرقة، يعني أنك تكتب اسمك في كتب التاريخ".
ولا ينوي أردوغان السماح لعدوه الكردي بلعب دور الفارس القادم بدرعه اللامعة لذبح تنين المجاهدين وتحرير الأميرة الغربية، خاصة وسط شكوكه بأنه قد يُكافَأ بحصوله على نصف المملكة السورية.