كنت على أتمِّ الاستعداد لإجراء المقابلة التي كنت أنتظرها فترة طويلة، عندما وصلت الساعة الثانية ظهراً إلى مكتب مستشار رئيس دولة -لا يهم ذكرها هنا- بعد ساعات من الحسابات والتجهيزات لأي طارئ في ذلك الصباح، من مارس/آذار 2017. حسبت حساب كل شيء في أدق التفاصيل، إلا شيئاً واحداً لا يخطر على بال أحد.
إنها تلك "الشحنة الكهربائية" غير المتوقعة التي تسري من طرف أصبعك عندما تمد يدك للسلام، فتترك الشخص الذي مد يده لك في صدمة تجعله في حالة هو نفسه ربما لا يعرف ما هي، وتكاد ردة الفعل هي نفسها في كل الحالات: يسحب بجسمه للوراء وعيناه متسعتان من الصدمة، ودهشة الشخص الذي يدفع عن نفسه الذنب، وحركة الشفاه التي تتقلب ما بين الابتسامة والمفاجأة والحزن.
هذه كانت تماماً حالة المستشار وحالتي أيضاً عندما انطلق ذاك الصوت الخفيف للتماس الكهربائي؛ حتى إنني ظننت أن المقابلة قد انتهت قبل أن تبدأ، ولكن أحمد الله أنها لم تكن كذلك.
أذكر أني اعتذرت كثيراً حينها، وسعيت بجهد أن أصبَّ تركيزي في المقابلة "المشحونة"، محاولة ألَّا أتشتت في معرفة سبب ما حصل، أكان السبب معطف الصوف الذي كنت أرتديه، أم ربَّما بسبب الحذاء كما قال لي مديري في العمل مرةً.
فمن أين تأتي هذه الشحنات التي تُسبب لنا جمعياً الحرج وكيف نتجنَّبها؟
انتهى اللقاء، وقبل أن أكتب ملاحظاتي حول المقابلة على جهازي المحمول، سارعت فوراً إلى البحث في الإنترنت عن صدمات الشحنات الكهربائية الساكنة التي أتعرَّض لها، سواء عند لمس الباب أو السيارة أو حتى أثناء التسوق.
علمت أن ظاهرة الكهرباء الساكنة، تنتج من تكون شحنات موجبة وسالبة غير متساوية بين جسمين أو مادتين، وتكون في حينٍ آثارها ضئيلةً جداً لا نشعر بها، وفي حين آخر قد نشعر بجهد كهربائي عالٍ.
وتابعت القراءة في دراسة نشرها موقع Electrostatics البريطاني حول هذه الظاهرة، التي تطرقت فيها إلى أسباب هذه الصدمات، وكيف يمكن تجنُّبها، فكانت على الشكل الآتي.
التعرُّض لصدمات الشحنات الساكنة عند لمس الباب
تُصنع معظم الأحذية الحديثة من مطاطٍ عازل أو بواطن بلاستيكية. وحين نسير لفترةٍ طويلة، تتراكم الشحنات الساكنة على باطن الحذاء، وتولّد بدورها شحنة ساكنة داخل أجسادنا. ويحدث ذلك إذا كانت الأرضية عازلة أيضاً.
التعرضُّ للصدمات أثناء الجلوس أو النهوض من على المقعد
عندما نكون جالسين، يمكن للتلامس بين ملابسنا وبين المقعد أن يولِّد العديد من الشحنات الكهربائية الساكنة على ملابسنا، وإذا انحنينا للأمام وابتعد ظهرنا عن ظهر المقعد، أو إذا نهضنا من على المقعد، نشعر حينئذٍ بالشحنات الكهربائية الساكنة معنا.
التعرض للصدمات أثناء استخدام المكنسة الكهربائية
حين ينتقل الغبار في الهواء أثناء امتصاصه عبر المكنسة الكهربائية، يصطدم بجدران الأنبوب، وبالأجزاء الداخلية الأخرى، ما يولِّد شحناتٍ ساكنة على جسيمات الغبار وعلى جدران الأنبوب، والتي بدورها ستتسبب في حدوث صدماتٍ ساكنة، لا سيما إذا كانت مصنوعةً من البلاستيك أو المواد العازلة الأخرى.
التعرُّض للصدمات عند الخروج من السيارة
تتولد الشحنات الكهربائية الساكنة أثناء الجلوس في السيارة بين المقعد وأجسادنا، وذلك بسبب التلامس بين الملابس والمقعد، والاحتكاك الذي يحدث بينهما. وحين نخرج من السيارة نأخذ معنا نصف هذه الشحنات، فيرتفع الجهد الكهربائي لأجسادنا، وبالتالي عند لمس باب السيارة، تُفرَّغ الشحنات الكهربائية الساكنة، ونتعرض للصدمة عند اقتراب يدنا من الباب المعدني.
ويمكن تجنُّب تراكم الجهد الكهربائي بالإمساك بجزءٍ معدني من إطار الباب أثناء النهوض من على المقعد، وهو ما يُوفِّر مساراً لتبديد الشحنات المتراكمة في الجسد.
التعرُّض للصدمات أثناء التسوق
إذا كنتَ تسير داخل المتجر وأنت تدفع عربة التسوق، يمكن أن تولِّد عجلات العربة شحناتٍ كهربائية ساكنة، فضلاً عن الشحنات المتولدة في الحذاء كما ذكرنا سلفاً، مما يُكسب جسدك جهداً عالياً، وحين تلمس شيئاً ما، تتعرض لصدمة.
ولتجنُّب ذلك، يمكنك حمل أحد المفاتيح ولمس الأرفف المعدنية به لتفريغ الشحنات الكهربائية الساكنة بلا ألم، قبل لمس المُنتجات المعروضة عليها بيديك.
وهناك بعض الأشخاص الذين جرَّبوا ارتداء "أساور" مضادة للشحنات الساكنة.
لماذا أتعرَّض للصدمات بينما لا يتعرَّض لها زملائي؟
أولاً تزداد حساسية بعض الناس للصدمات عن غيرهم.
ثانياً ربما تزيد كمية الكهرباء الساكنة التي يخزنها جسدك عن الآخرين، ويعتمد ذلك على حجم جسدك وقدميك وسُمك بواطن أحذيتك.
ثالثاً ربما تُولِّد شحناتٍ أكثر من الآخرين، ويتوقف ذلك على المادة المصنوع منها باطن الحذاء، وأفضلها لتجنب هذه المشكلة هو الجلد.
لماذا لا أتعرَّض لصدمات الشحنات الساكنة عند لمس بعض الأجسام مثل الحائط والأبواب؟
لا نشعر بالصدمات عادةً إلا إذا كان الجسد مشحوناً بأكثر من 4000 فولت، ولمستَ شيئاً يتميز بالقدرة على توصيل الكهرباء مثل المعادن والماء والأشخاص الآخرين.
هل يؤثر الطقس على الكهرباء الساكنة؟
يزداد معدل تراكم الشحنات الساكنة حين يكون الجو جافاً. ولذلك، نُلاحِظ المشكلات والتأثيرات المتعلقة بالشحنات الساكنة خارج المنزل، مثلاً عندما يكون الجو جافاً جداً والطقس بارداً، أو داخل المنزل، حيث تُسبِّب أنظمة التكييف أو التدفئة المركزية ظروفاً جوية جافة جداً، وهو ما يعزز نشاط الكهرباء الساكنة.
هل تُسبب صدمات الكهرباء الساكنة مخاطرَ صحية؟
لحُسن الحظ، ليست هناك مخاطر متعلقة بتفريغ هذه الشحنات الكهربائية الساكنة. فلا تُمثِّل في أغلب الأحيان إلا بعض الإزعاج، ويتمثل أكبر مخاطرها في احتمال وقوع إصابةٍ عَرَضية، عندما نسحب على سبيل المثال ذراعنا فجأةً لدى الشعور بصدمةٍ ساكنة، فتصطدم بشيءٍ آخر.
كيف يمكننا تجنُّب التعرُّض لصدمات الشحنات الساكنة؟
لسوء الحظ، إن معالجة هذه المشكلة ليست سهلةً دائماً، ولكن يمكنكم فعل التالي:
- تجريب رفع رطوبة الهواء إلى نسبةٍ تتراوح من 40 إلى 50% باستخدام جهاز ترطيب.
- استخدام أحذية ببواطن مصنوعةٍ من الجلد، كالتي تستخدم في مجال صناعة الإلكترونيات، والمناطق المُعرَّضة لخطر اندلاع الحرائق.
- استبدال الأرضيات بأخرى مصنوعة من مواد غير مبلمرة، مثل الإسمنت أو الخشب.
- قد تصعُب معالجة المفروشات ومقاعد السيارات، لكن هناك بعض عبوات الرش المضادة للشحنات الساكنة، التي يمكنكم تجربتها.