هل هناك مجموعات سرية متنافرة تدعم مساعي مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبان للوصول لرئاسة فرنسا بشكل يشبه أنشطة الطوائف السرية، في ظل خوفهم من الجهر بمواقفهم المؤيد لهذه السياسية المثيرة للجدل؟
فمع تبقّي أيام قليلة فقط قبل الجولة الثانية الحاسِمة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، لا يزال عددٌ كبير من الناخبين مُتردِّدين بين مُرشَّحة اليمين المُتطرِّف ماري لوبان والشاب الوسطي إيمانويل ماكرون.
ويتفوَّق ماكرون بفارقٍ كبير يبلغ 20 نقطة على منافسته في أغلب استطلاعات الرأي، ومع ذلك هناك إشارات متزايدة بأنَّه في الاقتراع السري قد يكون للمُتعاطِفين الصامتين مع ماري لوبان تأثيرٌ كبيرٌ في النتائج، وفقاً لما جاء في تقريرٍ لصحيفة الإندبندنت البريطانية.
مع وصول المرشح المستقل إيمانويل ماكرون وزعيمة الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبان إلى الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية، يقول آندرو هوسي، كاتب بريطاني مقيم بباريس يعمل في "بي بي سي"، ومؤلف كتاب "الانتفاضة الفرنسية"، إن الفرنسيين عازمون على التخلي عن التركيبة السياسية الرئيسية في بلدهم.
وكتب هوسي في مجلة نيو ستيتسمان مقالاً نقله موقع "24"، قائلاً إنه بينما يصف ماكرون نفسه بأنه يمثل صوت الاعتدال والحس المشترك، ويدافع عن الاتحاد الأوروبي، ومنطقة اليورو، ولا يخجل من كونه ليبرالياً عولمياً- فإنه بحسب هوسي، يصعب تقبّل الرجل الذي يصفه خصومه بأنه "انتهازي يخدم مصلحته، وليس جديراً بالثقة، والأسوأ من ذلك افتقاره إلى خبرة سياسية عريضة".
ويصف الكاتبُ، ماكرون بالسذاجة وحدَّة الطبع، كما كان حاله عندما ظهر على شاشة التليفزيون الفرنسي وهو تحت ضغط هجوم من مارين لوبان، خلال مناظرة رئاسية.
وبحسب هوسي، جاء ماكرون كهدية إلى لوبان. فقد اتهمته بأنه جاهل ولا يدري شيئاً عما كان يتكلم عنه. وحتى أولئك غير المناصرين لحزب الجبهة الوطنية، الذين لا يوافقون بالضرورة على آرائها بشأن الأمن والهجرة، أقروا بأن لوبان أكثر إقناعاً منه. وكما قال أحدهم، وهو ليس مؤيداً للجبهة الوطنية: "كانت لوبان، ليلة المناظرة الرئاسية، السياسية الوحيدة القادرة على التعبير عن آرائها".
ومن هنا، يرى الكاتب احتمال حصول ما كان مستحيلاً أو غير قابل للتصديق: فوز مارين لوبان في الجولة الثانية. وإذا تحقق طموحها، فستصبح لوبان ليست أول رئيسة لفرنسا فقط؛ بل قد تجري تحولاً هائلاً في السياسات الفرنسية، وتزيد الخلل في الاتحاد الأوروبي.
القيم الكاثوليكية
بجنوب باريس، في بلدة فونتين بلو الثرية التابعة (بلدة تابعة تعني أنَّ سكانها يعملون أساساً في المدن المجاورة ويسافرون بصورةٍ شبه يومية)، والمشهورة بقصرها الملكي، وقيمها الكاثوليكية التقليدية، وسُكَّانها من كبار السِن، يُمثِّل الناخبون في هذا المعقل المحافِظ نظرةً على البلاد بشكلٍ عام.
في الجولة الأولى، دعم السكان هناك المُرشَّح اليميني فرنسوا فيون بما يقارب 28% من الأصوات، مُتفوقاً على ماكرون الذي حصل على 20%. لكن مع خروج فيون في الجولة الأولى، لم يُقرِّر الكثيرون منهم بعد لمن سيدلون بأصواتهم في الجولة النهائية من التصويت الأحد المقبل، 7 مايو/أيار 2017.
وعلى الرغم من ترحيب النخب الأوروبية بتفوق ماكرون على لوبان، فإنَّ عملية الاختيار تُوصَف من قِبَل البعض في فرنسا بأنَّها اختيارٌ بين "الطاعون والكوليرا"، حسب الإندبندنت .
ويقول ألان وكريستيان أوجيه، (81 عاماً) و(72 عاماً) على التوالي، والجالسان على طاولةٍ في أحد المقاهي بالميدان الرئيسي، لصحيفة الإندبندنت البريطانية، إنَّهما صوَّتا لفيون بالجولة الأولى. والآن في ظل عدم وجود مُرشَّحين من اليمين التقليدي، فإنَّ الزوجين يشعران بالقلق حيال نتيجة السابع من مايو/أيار.
إبطال للأصوات واحتجاجات ومصير أوروبا على المحك
وقالت كريستيان إنَّها تخشى من إمكانية قيام جولةٍ ثالثة غير رسمية في الشوارع، مُحذِّرةً من احتجاجاتٍ كبيرة في حال انتُخِبَت لوبان رئيسة. ومع ذلك، لا تزال متردِّدة بشأن فكرة التصويت لماكرون.
وأضافت: "إنَّنا عجوزان للغاية، لكنَّنا نُصوِّت من أجل أبنائنا. كنتُ أُفكِّر في إبطال صوتي، لكنَّني لا أعتقد أنَّ ذلك سيساعد أبنائي".
وقالت: "لم أبطل صوتي من قبلُ، لقد قمتُ بالاختيار دوماً، لكنَّني أشعر هذه المرة بحيرةٍ كبيرة. لم يحدث هذا أبداً طيلة حياتي. ولستُ أدري ماذا أفعل! فإذا ما قرَّرتُ التصويت لماكرون، فسأتّخذ هذا القرار يوم التصويت".
اختلف ألان مع ذلك، وقال إنَّه لا يستطيع أن يحمل نفسه على التصويت لماكرون، رافضاً دعم المُرشَّح المُترسِّخ بعمق في القطاع المالي، والذي اتَّهمه بتشجيع العصبوية، بعدما أعلن أنَّه لا تُوجد "ثقافةٌ فرنسية"؛ بل ثقافة مُتنوعة.
وأضاف: "سأترك ورقة اقتراعي بيضاء. ونعرف الكثير من الناس المُتردِّدين أيضاً هنا. وهم لا يريدون قول ذلك، لكن في الاقتراع السري، هناك احتمال كبير بأن يُصوِّتوا لماري لوبان".
وفي السوق، يتجوَّل بضعة مُتسوِّقين بين المتاجر الصغيرة. وقبل أيامٍ من التصويت، لا تُعَد السياسة محادثةً يرغب الناس في خوضها. ويقول الكثيرون في البلدة إنَّهم مُتردِّدون وأن لا أحد يرغب في تخمين ما قد سيحدث.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي، برنار كازنوف، قد حذّر الثلاثاء 2 مايو/أيار 20-7 من "صدمة جديدة" يتعرض لها الاتحاد الأوروبي في حال فوز مارين لوبان بالانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة يوم الأحد المقبل. وقال كازنوف في تصريحات لصحيفة ليبيراسيون، إن "الاتحاد الأوروبي لن يصمد" إذا وصل اليمين المتطرف للسلطة في فرنسا، وفقاً لما جاء في موقع فرانس 24.
سخرية
وأشارت الإندبندنت إلى أنه في يوم الإثنين، الأول من مايو/أيار 2017، واجهت لوبان موجة من السخرية حينما ظهر أنَّها نقلت حرفياً، وبصورةٍ كبيرة، خطاباً لفيون خلال تجمُّعها الانتخابي في بلدة فيلبانت.
وقلَّل مدير حملتها، ديفيد راشلين، من أهمية اتهامات السرقة الأدبية، وصوَّر خطابها على أنَّه شكلٌ من أشكال الإشادة بفيون.
وفضلاً عن السخرية، تُظهِر الحادثة بوضوح، أنَّ لوبان تسعى وراء ناخبي اليمين. وهي تواجه معركةً ضد التيار اليميني المحافظ في أثناء قيامها بذلك؛ لأنَّ فيون نفسه دعا أنصاره للتصويت لخصمها، ماكرون.
موقف اليمين
لكن بالنسبة لأولئك الذين وضعوا ثقتهم بالمُرشَّح المحافِظ خلال الجولة الأولى، ليس الأمر بتلك السهولة.
فقال فرنسوا، (79 عاماً)، وهو ناخبٌ لليمين التقليدي، عاش في فونتين بلو ما يقارب 30 عاماً: "أعتقد أنَّ الجميع منزعِجون. وهناك البعض ممن يريدون إبطال أصواتهم، لكنَّني لا أرى كيف يكون ذلك مفيداً. ومثل الآخرين جميعهم، ما زلتُ مُتردِّداً".
وأضاف: "ماذا سيحدث الأحد المقبل؟ إذا ما فازت لوبان، فلا أعرف إلى أين ستقود فرنسا. والشخص الآخر، ماكرون، لا يزال شاباً بعض الشيء، لكنَّه قد يكون أفضل قليلاً. أنا عجوزٌ وعشتُ حياتي، لكنَّ ذلك من أجل الشباب".
وقال ناخِبٌ آخر أدلى بصوته لفيون: "أنا أنتمي إلى اليمين، لكنني لا أدري ما الذي يدافع عنه ماكرون. سأصوِّت له أو سأبطل صوتي، سأُقرِّر يوم الأحد".
في المقابل، قال أحدهم: "يرغب الناس في التغيير، وسيحصلون على ذلك الآن عبر أي من الطريقين (ماكرون ولوبان)، وعليهم أن يتقبَّلوا النتائج".
ثورة شعبية
وفي المنطقة المحيطة بفونتين بلو، بدائرة سين ومارن، كان الفارق بين ماكرون ولوبان أقل من 2000 صوتٍ فقط في الجولة الأولى.
إيمريك دوروكس، (31 عاماً)، هو سكرتير الجبهة الوطنية في المنطقة، وهو أستاذٌ للتاريخ والجغرافيا بالمدرسة الثانوية المحلية، قال بينما كان يجلس مع صحيفة الإندبندنت، إنَّه يمكن تعويض تلك الفجوة في الأصوات بسهولة.
وسيكون دوروكس، الناشِط المُتحرِّك والنشيط، هو مُرشَّح الجبهة الوطنية بالانتخابات المحلية في يونيو/حزيران 2017، وهو يقول إنَّ التصويت للجبهة الوطنية اجتذب أفراد الطبقتين الوسطى والعاملة، الأمر الذي قد يُنظَر إليه سطحياً باعتباره غير مقبول بالنسبة لسكان البلدة الأكثر برجوازية.
وأضاف: "إنَّ الجبهة الوطنية هي ثورة شعبية. وهي لا تزال تحظى بسمعةٍ سيئة، ولن يقول الكثير من الناخبين المُتردِّدين إنَّهم يفكرون في التصويت للوبان؛ إذ لا يزال البعض ينظر إلى ذلك هنا على أنَّه تصويتُ للطبقة الشعبية، ولا يرغب الناس هنا في ربطهم بذلك".
وأضاف: "غير أنَّ بعض مُمثِّلي اليمين هنا في البلدة جاءوا إليَّ ليقولوا إنَّهم سيُصوِّتون للوبان في الجولة الثانية. لكنَّهم لا يريدون قول ذلك علناً فحسب".
وقال دوروكس الذي يعيش في فونتين بلو، إنَّ أولئك الذين لديهم قيم مسيحية ووطنية قوية يمكن أن يقتنعوا بلوبان. وقال دوروكس إنَّه في حال لم يحدث ذلك في 2017، فإنَّه يعتقد أنَّ لوبان ستكون هي المُعارِضة الرئيسية للحكومة، وستُنتَخَب في 2022.
وقال إنَّ الناخبين الشباب، الذين نشأوا في ظل البطالة وجوٍ من انعدام الأمن، كذلك ينجذبون بشكلٍ متزايد لأفكار الحزب اليميني.
الهولوكوست
ودافع دوروكس عن الجبهة الوطنية، قائلاً: "إنَّنا في الحزب بعيدون تماماً عن أي شكلٍ من أشكال العنصرية، ولا توجد أية عنصرية في الحزب. وعلينا أيضاً أن ندع الحرب العالمية الثانية للمؤرِّخين. أمَّا الهولوكوست فقد كان مأساةً، ونحن بحاجةٍ إلى المُضي قُدماً. ولا تُقدِّم تلك النقاشات بأي شيءٍ يساعد على حل مشكلات الشعب الفرنسي".
ولا يزال الكثيرون لم يتَّخذوا قرارهم النهائي بعدُ، قبل تصويت الأحد. وعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي تشير إلى انتصار ماكرون، فإنَّ الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم بعدُ بشأن ما سيفعلونه في أوراق اقتراعهم قد يؤثِّرون في النتيجة بطريقةٍ أو بأخرى.