رسالة إلى ابني الحنون “2”

رسالتي السابقة لك بُنَي الحبيب كانت لأنقل لك بعضاً من معاناتي النفسية، وأنا بعيد عنكما، وعن شكل حياتي، لكن خلال هذه الرسالة سأحدثك عن أمور ثلاثة مهمة جداً، حاولت أن أفندها لك قدر المستطاع.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/01 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/01 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش

رسالتي السابقة لك بُنَي الحبيب كانت لأنقل لك بعضاً من معاناتي النفسية، وأنا بعيد عنكما، وعن شكل حياتي، لكن خلال هذه الرسالة سأحدثك عن أمور ثلاثة مهمة جداً، حاولت أن أفندها لك قدر المستطاع.

وهنا أرجو يا ولدي الحبيب أن تسمح لي بأن نتفق أولاً على شيء، وحقيقة هذا الشيء ليست كحقيقة الشمس حين تشرق من الشرق وتغرب هناك في الغرب لا، هذه الحقيقة ستنهار يوماً كما تعلم، لكن هذا الشيء الذي سأخبرك عنه تواً يشبه في حقيقته إلى حد بعيد حقيقة أنك ابني إلى الأبد، هذه الحقيقة التي ستبقى قائمة، ولن تزول حين يزول الكون وينتهي الحساب، هذا الشيء الذي يشبه تلك الحقيقة الفذة ظهر حين اتخذت قراراً سبب لي ألماً شديداً جداً حتى إنني لم أعد أطيق أوجاعاً هائلة لا تزال تتولد، وحزناً غار داخلي في العمق، حتى إنني عجزت عن انتشاله ﻷمنعه من أن يستمر في تغيير خصائصي الجسدية والوجدانية والنفسية، لكن دون جدوى، الشيء الحقيقي الذي نحن الآن في طور الاتفاق عليه هو أنني أوقعت نفسي بهذا كله؛ كي أحافظ على مستقبلكما، وﻷجد لكَ زاوية رائعة تنظر من خلالها إلى نفسك غداً وإليّ.

في الفاتح من تلك الرسالة استأذنتك بني الحبيب قول تلك الحقيقة، أما الآن فأنا أطلب منك أن تتدرب على قبول شيء؛ ليكون حد الوجوب بتأثيره على حياتنا أنا وأنتما، وهو أنني رحلت، لا أعلم بعد كيف سأشرح لك أن تلك الحقيقة، وهذا الواجب بذلت جهداً مضنياً لفصلهما عن بعضهما بتلك الطريقة، ولن تعلم أيضا كم مضت عليَّ من ساعات غاليات ليلاً دون أن أدرك مرور تلك الساعات، وأنا أفكر بالكيفية التي سأخبرك بها عن هذا الفعل الذي أثر على حياتنا جميعاً، وعن تلك الحقيقة التي وراءه؛ ﻷجد نفسي في النهاية لا جدوى من نوم ما تبقى من دقائق قبل أن أستفيق للذهاب إلى العمل.

سأخبرك أمراً بُني الحبيب، لقد بت أشعر أنني كالغبي الذي لا يقوى على فهم أبسط الأمور عندما أجد نفسي أتعمق في التفكير والتخيل، كيف أصبحت بني الحبيب عليه الآن، خاصة بعد تلك الجلسات التي كانت تجمعنا بأمر المحكمة في ذاك المكان البائس الذي لطالما خفت عليكما منه كثيراً، وهي تقع على مسامعك تلك العبارات الفظة والكلمات السيئة التي كانت توجه منها نحوي، بالفعل هذا ما أصبحت عليه بعد مغادرة كل لقاء، وأنا أفكر طويلاً بألا يؤثر عليك هذا الكم الهائل من الهراء الذي كنت أجدك دون أن تعلم أو يكون لك يد بذلك ووقعت بداخله.

كنت بُني الحبيب أجد نفسي في صراع داخلي محموم يغير شكلي وملامحي، ويدخلني في نوبات من الصمت والسكوت وعدم اﻹحساس بمن هم حولي، فأبدأ بمعاناة جديدة من إجابة اﻷسئلة وصناعة الردود المناسبة على تساؤلات ممن هم حولي عن حالي الغريبة تلك، هذا الصراع الداخلي كان بين أني لا أقوى على عدم رؤيتكما أو لمسكما، وبين أنني لا أريدكما في ذات الوقت أن تتواجدا في مكان مماثل وجو مماثل، وأن تستمع أنت بالذات لنقاش غاية في الغرابة والبشاعة بين أبنت وأبيها، لكي أراكما؟!

هل ألغي هذه اللقاءات؟
كيف سأتحمل عدم رؤيتكما من جديد وخاصة أنت؟
إلى متى سأتحمل هذا الكلام والقصص المصطنعة عن أحبابي وسر وجودي وأصولي أثناء وجودي معكما؟
ما الذي سيقال لكما إن ألغيت تلك اللقاءات، والدكما تخلى عنكما مثلاً؟ هذا أقل ما يمكن أن تسمعاه.

هذا الصراع الداخلي والتعب النفسي الذي انعكس مؤخراً على جسدي وقلبي، بت أعتبره عقاباً لي من الله على أن تسببت لكما بهذا الوضع الذي أنتما به الآن، كون أنني لم أتخذ هذا القرار في الرحيل منذ خمسة عشر عاماً مضت -منذ البداية- وأنا راضٍ عن الله وعن عقابه لي، وأنا أيضاً أشكره على النعمة التي أنعم بها عليَّ وهي أنتما، نعم أنتما بني الحبيب أعظم نعمة رزقت بها، وأذكرك بني الحبيب بالواجب الذي تحدثت معك عنه في البداية، وهو وجوب رحيلي، وأذكرك بتلك الحقيقة الفذة وهي أن ذلك الواجب ﻷجل الحفاظ على مستقبلكما، ولتنظر دائماً إلى بُني الحبيب، وإلى نفسك من زاوية رائعة غداً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد