حريم السلطان مصدر المعرفة الدينية والخنازير تُباع بمطاعم الحلال.. هكذا يعاني مسلمو كوبا لممارسة دينهم الجديد

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/01 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/01 الساعة 09:18 بتوقيت غرينتش

في قلب العاصمة الكوبية، هافانا، تستقبل قاعة الصلاة الوحيدة والرسمية في البلاد، كل يوم بضعةً من المسلمين لتأدية شعائرهم.

في الواقع، تمثل هذه القلة القليلة من المسلمين مجتمعاً محافظاً يمارس ديانته التي تختلف تماماً مع الثقافة اللاتينية للبلاد، حسب تقرير لصحيفة لو فيغارو الفرنسية.

تتجول زاكينا، إحدى المسلمات، وسط مدينة هافانا، وهي ترتدي حجاباً بلون أزرق، لتشكل بذلك عنصراً غريباً على مشهد المدينة الكوبي التقليدي. في الوقت ذاته، تخترق شمس آخر أيام الخريف سماء هافانا لتنير التمثال الأبيض للمسيح، الذي يهيمن على كورنيش "الماليكون" الأسطوري، حسب وصف الصحيفة الفرنسية.

أما في ساحة "بلازا دي أرماس"، فيتوقف السياح لمشاهدة الباعة المتجولين، الذين يعرض البعض منهم كتباً قديمة تمجّد وتشيد بإنجازات فيدل كاسترو.

وفي ظل شجرة مزهرة، تتجاذب شابتان تنتميان للديانة "السانتيرية"، التي تجمع بين التقاليد المسيحية والمعتقدات الأفريقية، والتي تنتشر على نطاق واسع في منطقة الكاريبي، أطراف الحديث وهما ترتديان ملابس بيضاء وتحملان مظلتيهما للاحتماء من أشعة الشمس.

تشير لوفيغارو إلى أن ظهور زاكينا في الواجهة قد ساهم في تغيير الصورة التقليدية لهذا البلد على نحو طفيف، وهي تتجه برفقة اثنتين من صديقاتها، اللتين ترتديان بدورهما الحجاب، نحو إحدى الفضاءات التي تطل من فوقها مئذنة صغيرة داخل الحي التاريخي "لهافانا القديمة". فكما هو الحال في كل أسبوع، تقصد زاكينا أول قاعة صلاة خاصة بالمسلمين، والوحيدة من نوعها في المدينة.

السعودية


وأوضحت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أنه تم تدشين هذه القاعة المخصصة للصلاة، منذ سنتين، داخل مبنى حكومي قديم، وقد تمت تهيئتها من قبل الحكومة الكوبية والسعودية. فضلاً عن ذلك، تستقبل القاعة التي يطلق عليها اسم "مسجد عبد الله" يومياً عشرات المسلمين، الذين أعربوا عن سعادتهم بامتلاكهم أخيراً لمثل هذا المكان، حيث أصبح باستطاعتهم ممارسة شعائرهم الدينية.

وتقول إحدى صديقات زاكينا أنه "قبل افتتاح هذا المسجد، كنا نؤدي الصلاة في منزل أحدنا.

داخل قاعة الصلاة، تتوفر نسخ من القرآن باللغتين العربية والإسبانية، التي تمت طباعتها في السعودية. وتقدّم عدة شخصيات وأعضاء من السلك الديبلوماسي، الذي يزورون المنطقة، العديد من الدروس الدينية في هذا المكان.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في حين يكتفي بعض الرجال المسلمين بارتداء السراويل والقمصان، يميل آخرون إلى الحفاظ على لباسهم التقليدي. أما النسوة، فيضعن غطاء رأس بسيط، فيما ترتدي إحداهن الحجاب، في غياب تام للنقاب والبرقع، حسب الصحيفة الفرنسية.

وصرحت زاكينا، متحدثة عن نظرة المجتمع الكوبي للمرأة المحجبة، أن "الأشخاص في الشوارع ينظرون إلينا في بعض الأحيان بشيء من الغرابة".

وأضافت المسلمة، التي تضطر إلى ركوب عدة حافلات من أجل الوصول إلى قاعة الصلاة، أن "الأشخاص هنا يسخرون أحياناً من هذا الأمر، ذلك أن ارتداء غطاء للرأس في ظل درجات الحرارة المرتفعة، ليس بالأمر الهيّن".

من جهتها، لم تُخفِ زوجة سفير توغو، التي تحافظ على ارتداء الحجاب فضلاً عن لباس "البوبو" الأفريقي، امتعاضها وعدم رضاها عن المسلمات الكوبيات اللاتي لا يتبعن "الطريق الصحيح" فيما يتعلق بملابسهن أو معاملاتهن.

حريم السلطان


حسب تقرير لوفيغارو فقد اعتنقت زاكينا، وهي سيدة كوبية كانت تُدعى روزا، الإسلام منذ 6 سنوات.

وقد اعتمدت زاكينا على نفسها للتعرف على تعاليم الدين الإسلامي. وفي غياب المفتين والمفكرين والقادة الروحيين في كوبا، يظل التعرف على ماهية الإسلام وجوهره مهمة صعبة بالنسبة للمعتنقين حديثاً لهذا الدين، حسب التقرير.

ونظراً لأن الدخول إلى شبكة الإنترنت أمر صعب للغاية، يعتمد المسلمون الجدد خلال جمعهم للمعلومات المتعلقة بممارسة الإسلام على ما يتم تناقله شفهياً، أو ما ترويه القلة التي تمكنت من السفر إلى البلدان الإسلامية.

من ناحية أخرى، يلجأ بعض المسلمين في كوبا إلى مشاهدة مقتطفات مأخوذة من المسلسلات التركية، على غرار "حريم السلطان"، التي يتم تحميلها بطريقة غير قانونية وبيعها من خلال وحدات تخزين البيانات "يو إس بي" في السوق السوداء، بهدف معرفة بعض التفاصيل عن هذا الدين، وفقا لما جاء في تقرير الصحيفة الفرنسية.

ومن هذا الواقع، يمكن القول أن لكل مسلم في كوبا طريقته الخاصة في اكتشاف دينه وممارسته، حسب الصحيفة

لماذا اعتنقوا الإسلام؟


من وجهة نظر زاكينا، التي كانت كاثوليكية في السابق، يمثل الإسلام "فكراً جديداً ومثيراً للاهتمام"، حيث أنها تستطيع ممارسته خلال عطلة الأسبوع، كما يساعدها على تكوين صداقات جديدة، حسب الصحيفة.

واعتنقت حفيدة زاكينا، التي تُدعى روزالينا، هي الأخرى الإسلام لتتبع بذلك خطى جدتها. في الحقيقة، ارتفع عدد الكوبيات المعتنقات للإسلام، وخاصة اللاتي ينتمين إلى الطبقات الفقيرة، حيث وجدن في الدين الإسلامي جانباً من الأصالة والأبهة في مجتمع يعيش في عزلة تامة منذ ما يقرب من 6 عقود، حسب صحيفة لوفيغارو الفرنسية.

وفي المقابل، يثير وجود جالية مسلمة في كوبا، على الرغم من قلتها وتحفظها، اهتمام أطياف المجتمع الأخرى، الذين لا يترددون في تفحّص قاعة الصلاة بفضول شديد، عند مرورهم من أمامها.

ولفتت الصحيفة إلى أن كوبا قد ارتبطت تاريخياً بالدين الكاثوليكي، وهو ما تعكسه الكنائس المهيبة التي تزخر بها البلاد، على غرار "كاتدرائية مريم العذراء".

الدين محظور


في حقيقة الأمر، كانت ممارسة الشعائر الدينية محدودة وأحياناً محظورة، في ظل فيدل كاسترو. ونتيجة لذلك، غادر الآلاف من رجال الدين المسيحيين البلاد صوب الولايات المتحدة الأميركية، حسب لوفيغارو.

وفي سنة 1998، أحيت الزيارة التاريخية التي أداها البابا يوحنا بولس الثاني إلى البلاد، ثقة وإيمان الشعب الكوبي المسيحي في دينهم، مما أدى إلى انتشار الكاثوليكية على نطاق واسع، وفقاً للصحيفة.

وتقول صحيفة لوفيغارو أنه حين أن جذور المجتمع المسلم في كوبا لا تزال غير معروفة، ولكن نقطة التحول التي شرعت الأبواب أمام دخول الإسلام إلى البلاد كانت في سنة 2005. ففي أعقاب الزلزال الذي ضرب منطقة كشمير الباكستانية، سارعت كوبا إلى إرسال مجموعة من أطبائها لمد يد المساعدة للضحايا الباكستانيين.

وكرد للجميل، أطلقت باكستان خلال الأشهر التي تلت هذا الحدث برنامج منح دراسية، الذي سمح للشباب الباكستاني بالسفر إلى كوبا بهدف دراسة الطب لـ7 سنوات.

وبفضل انتشار الباكستانيين في مختلف محافظات كوبا بما في ذلك مدينة هافانا، اكتشف الكوبيون الدين الإسلامي، ما دفع الكثير منهم إلى اعتناقه، فيما تعرّف آخرون على الإسلام في وقت سابق وبأشكال مختلفة، حسب الصحيفة.

وجود قديم جداً


في المقابل، يقدم الشيخ يحيى بيدو لازو رئيس جمعية الوحدة الإسلامية في كوبا رواية مختلفة عن صحيفة لوفيغارو بشأن تاريخ الإسلام بكوبا إذ يقول في حوار مع شبكة الألوكة الإسلامية نشر في منتصف عام 2015 إن الجزيرة الكاريبية عرفت الإسلام مع الأيام الأولى للكشوف الجغرافية؛ حيث وصل أحد البحَّارة المسلمين مرافقًا لكولمبوس، ويُدعَى ردر يجودي لب، وبعدها وصل إلى الجزيرة آلاف من المورسكيين "مسلمي إسبانيا" هروباً من الاضطهاد والإبادة على يد محاكم التفتيش التي أجبرت الكثير منهم على التخلي عن عقيدتهم، غير أن هذا السيناريو تكرَّر وبشكل عنيف مع المسلمين الفارِّين من نيرانها.

ويضيف "ثم جاءت الموجة الثانية عندما جلب المستعمرون ملايين العبيد الأفارقة لمساعدتهم على تعمير القارة اللاتينية، وكان المسلمون من عرب إفريقيا يشكلون عدداً كبيراً منهم؛ حيث وصل لكوبا ما يقرب من 100 ألف مسلم، بالتحديد بين عامي 1740 – 1750م، وحرص هؤلاء على الاعتزاز بدينهم، وهو الأمر الذي استشاط معه الإسبان غضباً؛ حيث عملوا على تنشيط البعثات التنصيرية في صفوف المسلمين الذين قاوموا هذه الحملات، وهو ما دفع الإسبان إلى استخدام أساليب التصفية الجسدية والاضطهاد والتهجير؛ لتجفيف منابع الإسلام في الجزيرة اللاتينية، حسب قوله.

إلا أن هذه الأجواء لم توقِف الموجة الثالثة؛ حسب الشيخ لازو فقد وصلت كوبا هجرات شاميَّة من فلسطين وسوريا ولبنان بأعداد وصلت ما يقرب من 10 آلاف مسلم عام 1951، فضلاً عن وصول ما يقرب من 5000 مسلم صيني عملوا على تعزيز الوجود الإسلامي هناك، ويقطُنُ المسلمون في العاصمة هافانا، ومدن: كيفيكان وباوتا وسنتيا وكويتو وأولغين، ويمتاز الوجود الإسلامي في كوبا بالموزاييك؛ حيث يوجد سُنَّة، كما يوجد مواطنون شيعة وعلويون.

ووفقاً للشيخ لازو فقد استمرت معاناة المسلمين مع قيام الثورة الشيوعية عام 1959م، التي رفضت الأديان بشكل صريح، وقامت بتدريس الإلحاد في المدارس، وأغلقت جميع المساجد والمؤسسات الخاصة بالمسلمين، وحظرتْ إقامة أية اتصالات مع العالم الإسلامي، أو استقبال أي كتب ومؤلفات باللغة العربية أو الإسبانية عن الإسلام، ومُنع المسلمون من أداء صلواتهم، باستثناء سماح هافانا بإقامة صلاة الجمعة في إحدى القاعات في البيت العربي، التي يمارس فيها الدبلوماسيون العرب المعتمدون في كوبا، وبعض مسلمي كوبا -سواء من أبناء البلاد الأصليين، ومن قدموا إليها للعمل أو للدراسة- الصلاة.

ومنع النظام الشيوعي وجود أي مدارس إسلامية، أو أية روابط تصل المسلمين بدينهم، وإزاء هذه الضغوط اضطر مئات الآلاف من مسلمي كوبا للهجرة إلى الولايات المتحدة؛ فراراً من اضطهاد الدولة للأديان، سواء أكانت مسيحية أم مسلمة، حسب قوله.

يؤكد الشيخ يحيى بيدو لازو رئيس جمعية الوحدة الإسلامية في كوبا بأن سقوط الشيوعية وانهيار الشيوعية (في معاقلها)- لم يكن له آثار إيجابية على أوضاع المسلمين في كوبا، بالمقارنة بالأقليات الأخرى، وعلى رأسها الجالية اليهودية التي حصلت على اعتراف رسميٍّ من قِبَل الدولة التي واصلت نهجَها المتشدد مع الوجود الإسلامي، حسب وصفه.

ويقر الشيخ لازو أن المسلمين لا يتعرضون لضغوط وقيود بسبب عقيدتهم، ولكنهم يعقدون آمالاً على التغيرات السياسية -التي حدثت في البلاد- في تحسين أوضاعهم، وكذلك يُعوِّلون كذلك على العَلاقات الجيدة التي تربط كوبا بالعالَمين العربي والإسلامي، لنيل حقوقهم.

المسلمون الجدد


وتقول صحيفة لوفيغارو إن اللاعب السابق لكرة القاعدة، أحمد، الذي اعتنق الإسلام منذ سنة 1999، يعد من أبرز المسلمين الذين ساهموا في انتشار الإسلام في كوبا مؤخراً. وفي الوقت الراهن، يعتبر أحمد إمام هذا المسجد، فضلاً عن أنه يتكفل بمسؤولية توجيه المنضمين الجدد للدين الإسلامي.

عموماً، يتشارك أحمد وزاكينا وجهات النظر فيما يتعلق ببناء أساس دينهم الجديد وترسيخها ضمن المجتمع الإسلامي المصغر في كوبا، فعلى الرغم من صدق مساعيهما لتحقيق ذلك، إلا أن الأمر لا يخلو من الصعوبات.

فعلى سبيل المثال، يعمل بعض المسلمين الجدد، على غرار الشاب دانيس (الذي أصبح يطلق عليه اسم محمد علي بعد أن أعلن إسلامه في شهر مارس/آذار سنة 2016) جاهداً على تعلم اللغة العربية عن طريق شريط صوتي أُرسل من قبل السعودية. في المقابل، يستطيع هؤلاء المسلمون حفظ ونطق عدة كلمات باللغة العربية دون فهم تام لمعانيها.

وعند سؤاله عن أكبر أحلامه، أفصح دانيس للوفيغارو، قائلاً: "أن يتم اختياري للسفر إلى مكة"، تحديداً من قبل السعودية.

وترى لوفيغارو أن انفتاح كوبا غير المسبوق، الذي تواترت تقارير الصحافة الغربية بشأنه منذ حوالي 3 سنوات، أتاح للعديد من البلدان الإسلامية فرصة إنجاز وتقديم مقترحات مشاريع استثمارية.

أوباما


وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أنه من المثير للاهتمام أن العديد من الأحداث ساهمت في تعزيز انفتاح كوبا؛ على غرار زيارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما السنة الماضية 2016 للبلاد، فضلاً عن حفل فرقة "الرولينغ ستون" الموسيقي، وعرض أزياء الماركة العالمية "شانيل"، إضافة لوفاة فيدل كاسترو منذ بضعة أشهر.

وعقب زيارة أوباما أعربت شركة جوجل عن استعدادها لتقديم المساعدة فيما يتعلق بتطوير خدمة الإنترنت في كوبا. وفي الاثناء، قد يمثل هذا الأمر خطوة مهمة للمعتنقين الجدد للإسلام حتى يتمكنوا من الاطلاع أكثر على دينهم الجديد في ظل محدودية خدمة الإنترنت حالياً بالبلاد.

أخيراً سيكون هناك مسجد


وبالإضافة إلى مشاركتهم في تهيئة قاعة الصلاة، يمتلك السعوديون بالفعل قطعة أرض شاسعة، حيث كُتب على اللافتة التي ثبتت في الواجهة "هنا سيُقام مسجد، تحت رعاية المملكة العربية السعودية".

في الأثناء، تقف في وجه القائمين على المشروع عقبة كبيرة، إذ أن مصنعاً صاخباً وملوثاً للبيئة يجاور قطعة الأرض، فضلاً عن انتشار بائعي الكحول حولها. وعلى ضوء هذه المعطيات، لم يلاق هذا الوضع استحسان السعوديين، الذين لم يشرعوا في بناء المسجد إلى حد الآن، في الوقت الذي لا يزال موعد افتتاحه مجهولاً.

عدد المسلمين


من ناحية أخرى، يبدو من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً، تقدير عدد المسلمين الذين يقطنون في كوبا بشكل دقيق.

ففي حين قدّر مركز إحصائي أميركي عددهم بحوالي 10 آلاف، تشير عدة صحف فرنسية إلى أن أعدادهم تتراوح بين ستة وثمانية آلاف.

أما بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فقد أوردت أن عدد مسلمي كوبا يبلغ حوالي أربعة آلاف. من جهته، أفاد الإمام، "يحيى" بيدرو سانشيز، رئيس الرابطة الإسلامية بكوبا، المعترف بها رسمياً من قبل الحكومة منذ سنة 2007، أن عدد المسلمين في كوبا لا يتجاوز 1000 شخص.

وفي هذا الإطار، أكد الإمام، وهو كهل في عقده السادس، أن "عدد المسلمين غير مهم، على عكس قوة إيمانهم"، أثناء استقباله لنا في منزله الواقع في إحدى ضواحي العاصمة، حيث يمتلك العديد من المصاحف، وكتب تعليم القرآن، في حين ازدان أحد حيطانه ببساط كبير نسجت عليه صورة مدينة مكة المكرمة. وأفاد الإمام، الذي لم يتوان عن تأدية فريضة الحج، "لقد ذهبت إلى مكة المكرمة في العديد من المناسبات، وذلك تلبية لدعوة المملكة العربية السعودية".

وفي حين يعتبر السفر إلى مكة المكرمة بمثابة مشروع العمر بالنسبة لملايين المسلمين حول العالم، ذلك أن فريضة الحج تتطلب مبالغ طائلة، تُعدّ دعوة السعودية للإمام "يحيى" وتمتعه بفرصة أدائها ثلاث مرات، امتيازاً بالغ الأهمية.

الشيعة


من جهته، يدير رضا المركز الإسلامي الشيعي "مؤسسة فاطمة الزهراء"، الذي يفتح أبوابه أمام المسلمين من أجل الصلاة، فضلاً عن المشاركة في دروس التاريخ القرآني.

واستقبلنا رضا فريق لوفيغارو الذي أمضى عدة أشهر في إيران، وبالتحديد في جامعة "قم"، حيث درس القرآن في الطابق الأرضي من منزله حيث وجدوا العديد من الصور "لآية الله الخامنئي". وقد حول رضا المرآب إلى قاعة للصلاة..

من وجهة نظره، يؤمن رضا أن "جلب مثقفين إسلاميين إلى كوبا حتى يقوموا بإرشاد المسلمين، أمرٌ بالغ الأهمية. ففي ظل ما يحدث في العالم، في الوقت الراهن، أصبح من الضروري الحفاظ على الدين الإسلامي في كوبا، من خلال عدم فسح المجال للمتطرفين، الذين لا علاقة لهم بديننا الحنيف، حتى يبثوا سمومهم"، حسب تعبيره.

وترى الصحيفة في تقريرها أنه على مستويات عدة، يُعتبر الإسلام في كوبا دينا متنزهاً عن الاختلافات، حيث لا علاقة له بالقضايا التي تحدث في العالم الإسلامي على غرار تلك التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال، عند الانتهاء من تناول وجبة الطعام، تتوجه النسوة إلى الجزء المخصص لوضوء الرجال داخل "المسجد"، بغية غسل الأواني. من جانبها، تتردد زاكينا على قاعة الصلاة السنية التي افتتحتها المملكة العربية السعودية، ولا تتردد، في المقابل، في الذهاب إلى المركز الشيعي الذي يديره رضا من أجل المشاركة في الدروس والصلاة.

من جهة أخرى، لم تخفِ شهيدة (التي كانت تُدعى في السابق بيرتا)، وهي عميدة النسوة اللاتي اعتنقن الإسلام في بلادها، خوفها من انفتاح كوبا على التأثيرات الخارجية المحتملة. كما أكدت شهيدة أنها لا تثق بجهاز كاسترو الأمني الشيوعي والقوات الثورية المسلحة على حد سواء.

وأفادت السيدة، التي استقبلتنا داخل شقتها في وسط مدينة هافانا، "كنت أنتمي فيما مضى إلى الرابطة الإسلامية الكوبية التي يقودها الإمام "يحيى"، إلا أنني سرعان ما غادرتها. في الواقع، لاحظت أن يحيى كان مشاركاً في أعمال مشكوك فيها، حيث كانت تُقدّم التبرعات، التي يشوبها الغموض، من قبل دول أجنبية من أجل مساعدة الجالية المسلمة في كوبا، علاوة على ذلك، لم تُجرَ انتخابات لإعادة تعيين إمام آخر عوضاً عن يحيى، الذي لم يتردد في تنصيب جميع أفراد عائلته في المناصب الرئيسية داخل الرابطة"، حسب قولها.

لحم الخنزير


وأشار تقرير لموقع إسلام أون لاين إلى أن التكيف مع الإسلام خلق اختلافاً كبيراً بالنسبة للكوبيين المسلمين، حيث أن الكثير منهم نشأ وهو يأكل لحم الخنزير ويشرب الخمر. وقد تم هذا التكيف من قبل معظم المسلمين الكوبيين تدريجياً. إلا أن عدم وجود دعاة أو أئمة لتوجيههم يعني أن التقاليد القديمة سوف تظل تمارس حتى من قبل الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً.

وفِي هذا الإطار يروي معدو تقرير لوفيغارو قصة غريبة قائلين أنه "أثناء قضائنا بعض الوقت داخل قاعة الصلاة، أصر أحد الشباب هناك على دعوتنا إلى مطعم يقدم أكلاً حلالاً. وعلى الرغم من أن كلاً من زاكينا، ورضا، وشهيدة أكدوا أن المطاعم التي تبيع هذا النوع من الأطعمة غير موجودة في كوبا، إلا أننا قررنا الذهاب برفقة الشاب.

وأردفوا قائلين "من المثير للضحك أننا اكتشفنا أن قائمة الطعام كانت تزخر بأطباق تحتوي على لحم الخنزير، فضلاً عن أن أسعارها كانت مرتفعة للغاية".

وترى الصحيفة أن النهوض بمجتمع ديني، نزيه ومستقل أمر لا يخلو من التحديات في بلد تغلغل فيه الفساد في صلب جميع المؤسسات الحكومية، حسب لوفيغارو، فضلاً عن ذلك، لا تزال لجان الدفاع عن الثورة فاعلة وتفرض رقابتها على السكان، بالإضافة إلى انعدام النفاذ إلى شبكة الإنترنت (حيث أن 5 بالمائة فقط من المنازل الكوبية تتمتع بهذه الخدمة).

ترامب


وتساءلت لو فيغارو كيف ستتطور العلاقات الأميركية الكوبية بعد تولي دونالد ترامب لمنصب الرئاسة، علماً أن ترامب لم يخفِ رغبته في مراجعة كافة المبادرات التي عمل عليها سلفه. وكيف ستؤثر هذه التطورات على المجتمع المسلم الكوبي، الذي لطالما اعتمد على نفسه للاطلاع على تعاليم دينه؟

وترى لوفيغارو أنه في حال نأت الولايات المتحدة بنفسها وأغلقت الأبواب أمام كوبا، فلن تتردد هافانا آنذاك في الالتفات إلى بلدان أخرى أكثر استعداداً للاستثمار داخل البلاد على غرار تركيا، والمملكة العربية السعودية، وإيران. ومن هذا المنطلق، سينتج عن هذه التقاربات الديبلوماسية فوائد جمة تسمح بانتشار الدين الإسلامي وتطوّره داخل كوبا.

وتزعم الصحيفة أن التقارب بين كوبا وبعض دول العالم الإسلامي سيثير مخاوف حكومة ترامب، من انتشار عناصر الإسلام السلفي المتطرف، التي تعمل على تغذية ظاهرة الإرهاب كما تساهم في انتشاره، عن طريق هذه الجماعات وعملياتها الإرهابية التي لا تمت للإسلام السلمي في كوبا بأيِّ صلة.

تحميل المزيد