الشباب والمستقبل

أكدت لنا الأحداث والتجارب التاريخية والعصرية أن شريحة الشباب هي الفئة الأكثر تأثيراً في جميع جوانب الحياة، وفي كل الساحات والميادين، كما أثبتت أنها الأكثر قدرة على كل شيء، فهي الأكثر قدرةً على التغيير، وعلى التجديد والبناء والتقدم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/05/01 الساعة 01:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/05/01 الساعة 01:35 بتوقيت غرينتش

أكدت لنا الأحداث والتجارب التاريخية والعصرية أن شريحة الشباب هي الفئة الأكثر تأثيراً في جميع جوانب الحياة، وفي كل الساحات والميادين، كما أثبتت أنها الأكثر قدرة على كل شيء، فهي الأكثر قدرةً على التغيير، وعلى التجديد والبناء والتقدم.

لا يخلو حدث تاريخي مهم، أو حدث مفصلي في حياة الأمم، من هذه الشريحة الهامة، ولا يخلو ميدان من الميادين، إلا وكان الشباب عنصراً رئيسياً فيه، وفي جميع الأنظمة والأمم والحضارات، على مدار السنين، ومهما كانت أوجه الاختلاف بين ذاك النظام أو تلك الحضارة، إلا أن هنالك قاعدة استنتجناها، هي أن الشباب في كل مكان، وكل ميدان يمثلون الشريحة الأكبر والأهم.

لم يأتِ ذلك من فراغ، وإنما جاء بسبب صفات تمتعت وتميزت بها هذه الشريحة عن غيرها، فهي الفئة الأكثر حماسةً، والأكبر طاقة، والأشد همّة وجدية، والأكثر إصراراً وسرعة، والأوسع تفهماً وتقبلاً.. إلخ، كل تلك طاقات وصفات جعلت لتلك الشريحة تلك الأهمية، وجعلت منها الأقوى في كل شيء، وصيرتها شريحة ذات أثر أكبر، حتى جعلت الحكومات والأنظمة تخاف وتخشى على سلطتها منها، فهي مصدر الثورات، وبداية التغيير.

رغم كل تلك الأهمية التي تملّكتها فئة الشباب، ورغم خوف السلطات والحذر منها، فإنها لا تزال في كثير من الأماكن والبلدان شريحة مظلومة، وغير ممكنة، وتعاني من الكثير من أنواع الاضطهاد والخداع، وعدم استغلال تلك الطاقات أبرز أنواع الظلم، أو في بعض الأحيان، سرقة تلك المواهب يعد أبرز مظاهر الاضطهاد والخداع، وطمس الشخصيات الشبابية المقتدرة، من أبرز أشكال عدم الاهتمام وأبرز دلائل الحرب على تلك الشريحة.

يحتكر البعض المعرفة والنضج لنفسه، أو للفئة التي هي من عمره، ويرى البعض أن صاحب التجربة لا بد أن يفضل على عديم التجربة، حتى وإن كانت تلك التجربة فاشلة!

ويعتقد البعض أن صفة الحماسة والسرعة صفات سلبية، فيقرر أنه لا بد من أن تخضع الأمور لحكمة المسنين، وتُستبعد كثيراً عن تهور المتحمسين، كما يظن أولئك أن الشعر الأبيض ورجفة اليد، وظهور التجاعيد، دلائل على العصمة، وعلامات الشبيبة، دلائل على قلة الوعي والخبرة.

هذه النظرة المعتادة القاصرة أبرز الأسباب التي أدت إلى مظلومية الشباب، والمظلومية تلك أدت إلى فشل كبير في أكثر المفاصل والأماكن التي عانى الشباب فيها من المحرومية، وما نشهده في الوطن العربي أجمع من فشل ورجعية ما كان إلا كانت تلك المظلومية سبباً رئيسياً فيه، ولا أظن أنه كان ليوجد لو شاركت تلك الفئة في مصدر القرار، أو على الأقل لاحترمت وأخذ برأيها على أقل تقدير.

إن تمكين جيل لا يعني إزاحة الجيلِ الجيلَ الآخر، والإزاحة الجيلية تسبب فشلاً كبيراً أيضاً، فتمكين الكبار والمخضرمين والمسنين فقط، وإقصاء الآخرين هو سبب فشل، أو تمكين الشباب والجدد فقط، وإقصاء الآخرين هو سبب فشل أيضاً؛ لذا لا بد من موازنة حقّة تؤمّن مشاركة الجميع، فالتنوع هو ما سيهدف إلى الحكمة، والتشارك هو ما يؤدي إلى استقرار ونضج.

إن المعاناة التي يشهدها الوطن العربي عموماً، والرجعية السائدة والمنتشرة فيه، لا يمكن أن تتحسن إلا بمواكبة التقدم والتطور، ومواكبة التقدم والتطور بحاجة ماسة لتمكين الشرائح الأكثر قدرة على الانسجام والمواكبة لهذا التطور والتقدم، ولأننا في قرننا هذا شهدنا تطوراً وتقدماً كبيرين وعظيمين، فلا بد من تمكين شريحة الشباب في الدرجة الأساس؛ لأنها أكثر الشرائح قدرة على الانسجام مع التجديد الذي يحدث، مع ضمان مشاركة الشرائح الأخرى طبعاً.

إن التمكين بحاجة إلى وضع خطة خاصة به، ورؤى حقيقية له، ومساعٍ جادة ومعايير سليمة، وضمانات لتوزيع الحقوق بصورة صحية وعادلة، حتى يُمكن للأمة من التخلص من أهم مشاكلها "مظلومية الشرائح"، ولكي تنطلق نحو بر النجاح.

إن للشباب المقدرة على أخذ حقوقهم بيدهم، على ما يملكونه من طاقات وإرادات، وعليهم أن يسعوا لاسترداد حقوقهم بطريقة واعية ناضجة، كما بإمكانهم إن تَفكّروا، أن يمكنوا أنفسهم بأنفسهم، لكنهم بحاجة إلى تكاتف وسعي ودعم وأمل.

العمل السياسي يعد أهم الساحات التي يجب على الشباب إثبات وجودهم فيه، فهو -كما أخبرتنا التجارب- الحل الأمثل لكل شيء، وبه يمكن التحليق للوصول إلى الأهداف، ومشاركة الشباب فيه تُعد ضرورة قصوى تحتاجها الأمة والأوطان، ويجب على شريحة مظلومة منتجة كهذه أن تتجه نحوه بوعي وفهم وإيمان، وأن تصول به لأجل استرداد الحقوق.

إن الشريحة التي تقدم الأفكار، وتطور العلوم، وتسعى للتجديد، وتشارك في البناء، وتطرح الرؤى والمبادرات، وتتمكن من التغيير والمواكبة، وفوق ذلك كله تقدم الدماء، لا بد من أن تصل لها حقوقها، فهي التي تبني وتحمي وتؤسس وتجدد، وعلى من يدعي دعمه لها أن يُثبت ذلك بصدق، وعلى أفراد هذه الشريحة أن تعي، من ذا الذي يدعمها فعلاً ويستغل قدراتها في سبيل الصالح العام ويطورها، ومن هو الذي يستغل قدراتها في سبيل مصالحه الشخصية والسياسية ويسرقها.

لا مستقبل يُمكن أن يُبنى بلا شباب، وبعد هذه الحروب والمشكلات، لا بد من مستقبل فيه بعض الشيء من الاستقرار للأمة، وإن الشباب لهم أمل تلك الأمة، وهم الحل الأساس للخلاص من هذه الزُّهمة، وتكاتف الجهود لأجل تمكينهم، يعني تكاتف الجهود لأجل بناء مستقبل زاهر مزدهر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد