عام مضى، وعمرٌ دنا من أجله، في حياة هي الأولى، لا يدوم لها حال، دائمة الكر والفر، فلا تغتر بخيرها ولا تحزن لشرّها، ذلك أن أخلاق الأيام سنّة قد خلت، والقضاء مقدورٌ لا مفر منه، فكفكف دموعك واسترِح.
تعودت أن أتحسس قلبي في كل يومٍ من حياتي الماضية، وما النبض عندي بعلامة حياة، ولا الزفرات المنبعثة من أعماقه، أو الدم المائج في باطنه، المضطرب ارتفاعاً وهبوطاً بفعل الضغوطات دليل استمرار.
علامة حياتي تكمن في الحب، في دمعة متعلقة بمقلة مشفق، ناظر مسكيناً أفقرته الحاجة، منعه الحياء من سؤال الناس.. آية حياتي تكمن حينما أبكي لبكاء مظلوم، أراهُ منزوياً في ركن معتم، لا يسكن صدره من أنين، ولا يفيق من حزن وألم.. تكون في العطاء حيث جوهر الحياة وهدفها السامي، وما الحبّ إلا شفقة وعطاء وإحساس والتزام ووفاء.
ولقد أخذ هذا اليقين مكانه في قلبي حتى أضحيتُ داعياً إلى الحب، أحاول مخاطبة القلوب؛ حيث فيها نظام إرشاد معصوم من الخطأ والكذب، فالقلوب منصتة، لا تقاطع ولا تجادل، وإن كان قلبي يلمّ به من الهم ما يلمّ بغيره من القلوب، وتغمره أمواج من الحزن والكآبة، والضيق والكراهة، إلا أنه آثر أن يكون مصدراً للحب، ولا غرابة في ذلك؛ إذ يولد النور من سواد حالك.
وبالحديث عن الحب في ذكرى مولدي، خاطبني والدي اليوم بكلمات كالماء الرقراق، أربكت خطوات قلمي وحركت مشاعري، في رسالة باذخة العواطف كان قد خطها من وجدان قلبه، بعثت في داخلي سروراً ضاعف من نشوة سعادتي بيوم مولدي، وردمت كل المسافات الجغرافية الفاصلة بيننا، ونقلتني روحاً إلى بيتنا المسكون مودة، فتراءى لي أننا نتحاور فيما يخص اهتمامتنا وهمومنا وأحلامنا ومشاريعنا، وليس غريباً أن تلامس كلماته أعماق قلبي، فروح والدي هي روحي وأحاسيسه تعيش بداخلي.
ومما جاء في رسالته "لا تنزعج، فالبوح بالحديث أهون بكثير من كتمه أو دسه في خلجات النفس الأمارة بالسوء، شوقي إليك كبير أيها الابن المشاغب"، هنا توقفت، وسكنت حائراً في أثير صمت الذهول، حاولت مجاراة أبي، ولكن مطر كلماته أرهقت أحرفي، فهو صاحب علم وافر، وحكمة بالغة، ومصدر للحب، به أقتدي وإليه أصبو.. فلا حرمني الله وصله ورزقني الرحمن برَّه.
الحب، هو لفظة مرهفة، تخفي بين طياتها عديد المعاني، هو الإخلاص والتوله والمودة والهيام، هو إحساسٌ مناقضٌ لكل معاني الشقاء والوحشة، طاردٌ لهما؛ الحب عفيفٌ وطاهر، يتحسسُ صدق القول وكذبه، فلا يعطى لكاذب، ولا يناله لئيم، ولا يتذوقه ظالم، هو شعور مستعصٍ عن المتملقين، مستنكف وإن كان معسراً، الحبّ واهبٌ ومنجد، الحُب مروءة!! لا يناله إلا من أتى له بقلب سليم.
جامعة القول.. اجعل للحب سبيلاً إلى قلبك، عدد له الطرقات، وعبّد له المسالك، تعود تقبيل رأس أبويك، واخضع لهما قولاً وفعلاً، عبّر عن مشاعرك لحبّ حياتك وزهوها، "خطيبتك، زوجتك" قل لها إني أحبك، وإن الحياة لا قيمة لها من دونك، أطلق لسانك بعبارات الود لأبنائك، اشرح صدراً، وفرج كرباً، وساعد محتاجاً، وطبطب على المغبون والمهضوم، تجد ضالتك من الراحة والطمأنينة والسكون.. فذاك هو الحب، وإن تعددت وجوهه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.