عدة ملفات على أجندة زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في أثناء زيارته لمصر؛ أهمها وضع الأقباط بعد عمليات الاعتداء الأخيرة التي تعرضت لها عدة كنائس وخلفت عشرات القتلى والجرحى، وأيضاً قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي وُجد مقتولاً مطلع العام الماضي.
وتتوقع عائلة ريجيني أن يبادر البابا بإعادة فتح التحقيق في قضية ابنهم، التي جمدت العلاقات بين إيطاليا ومصر، منذ عام ونصف العام ولم يصل فيها الطرفان، المصري والإيطالي، إلى حقيقة واضحة ومعلَنة حول من قتل ريجيني؟
وسافر ريجيني، من إيطاليا إلى مصر، لإنهاء دراسته في مرحلة الدكتوراه. وخلال ليلة اختفائه، في 25 من يناير/كانون الثاني سنة 2016، كان أصدقاؤه في انتظاره لتناول العشاء، إلا أنه تخلف عن الموعد. وإثر مرور 10 أيام، وُجدت جثة الشاب ملقاة على قارعة الطريق، وقد كان ريجيني شبهَ عارٍ ومشوَّهاً بآثار التعذيب.
وفي أعقاب التبريرات الرسمية التي عرفتها عملية التحقيق في القضية، من الجانب المصري، غادر السفير الإيطالي القاهرة، ولم يعد إلى أراضيها مرة أخرى.
في المقابل، قد تشهد القضية، الجمعة 28 أبريل/نيسان 2017، منعرجاً آخر، وذلك بالتزامن مع زيارة البابا فرنسيس إلى العاصمة المصرية، القاهرة. والجدير بالذكر أنه وقبل سفره إلى مصر، طلبت عائلة ضحية التعذيب في مصر من البابا فرنسيس، أن يخطو خطوة إلى الأمام فيما يتعلق بقضية ابنهم.
في واقع الأمر، شاب الغموض قضية ريجيني منذ الوهلة الأولى، مع العلم أن جثة الشاب الإيطالي لم تكن مرفقة بأي وثائق رسمية، عند العثور عليها. والأسوأ من ذلك، كان من الصعب التعرف عليها؛ إذ إن وجهه كان مشوهاً بالكامل؛ نظراً لتعرضه للضرب قبل وفاته. وقد كان هذا المعطى أبرز ما لفت انتباه والدة ريجيني كما أثار العديد من الشكوك حول القضية، بحسب تقرير لصحيفة البايس الإسبانية.
وفي هذه المرحلة، لسائل أن يسأل: "كيف تعرفت السلطات على جثة الضحية بهذه السرعة؟". في الحقيقة، كانت تصريحات الحكومة المصرية متضاربة. وقد أوردت الحكومة في إفادتها الأولية أن الشاب توفي على أثر حادث مرور. وإثر هذه الادعاءات الملفقة، تواترت تفسيرات حكومية أكثر تضارباً، حيث أقرت السلطات المصرية بأن ما حدث مع ريجيني هو مجرد حادثة سرقة، وقد عُثر على جواز سفره في منزل أحد المشتبه فيهم.
ولم تنته الادعاءات المزعومة للدولة المصرية التي طغت على ملابسات القضية عند ذلك الحد، حيث أفصحت الأبحاث المصرية عن أن "العناصر المشتبه فيهم قد لاقوا حتفهم بطلقات نارية إثر اشتباكات مع قوات الأمن المصرية".
وبهذه الطريقة، اختفى المشتبه فيهم بالقضية ولم يعد بوسع أي أحدٍ استجوابهم والحصول على تفسيرات من طرفهم. وفي ظل هذا الغموض والتضارب في الأقوال، رفضت الحكومة الإيطالية تصديق المعلومات والإثباتات المتعلقة بالقضية التي صدرت عن الحكومة المصرية. وعقب ذلك، سارع السفير الإيطالي إلى مغادرة مصر، ولم يعد إلى هناك لحد الآن.
وفي الأثناء، بادرت السلطات الإيطالية بمطالبة الحكومة المصرية بتحقيق العدالة؛ وذلك في محاولة منها لتهدئة الاحتجاجات الشعبية. ففي تلك الفترة، اجتاحت الملصقات شوارع إيطاليا، وقد تضمنت شعارات تُذكّر الحكومة بالقضية وتطالبها بالتحقيق في حيثياتها. أما والدا الضحية، فقد حشدا الجهات الإيطالية كاملة؛ من أجل مساعدتهما في الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة، بما في ذلك البابا فرنسيس. وأمام هذا الإصرار، أرسلت إيطاليا فريقاً من المحققين إلى القاهرة؛ للبحث في ملابسات الجريمة.
وعلى الرغم من كل هذه التحركات، لم يتم التوصل إلى حل حقيقي فيما يتعلق بالقضية، الأمر الذي أدى إلى استمرار تجميد العلاقات بين البلدين، التي بقيت تحت رحمة النتائج التي ستسفر عنها التحقيقات.
في المقابل، أعادت زيارة البابا فرانسيس، الذي أظهر اهتماماً فائقاً فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان، الأمل إلى والدَي الضحية وحفزتهما لفتح ملف هذه القضية الغامضة من جديد.
والجدير بالذكر أنه وبعد مرور سنة على هذه الحادثة التي أثارت جدلاً واسعاً، ما زالت قضية الطالب الإيطالي تعتبر بمثابة لغز يصعب حله.
من جهة أخرى، كشفت عائلة ريجيني أن الحكومة الإيطالية تملك في حوزتها قائمة تحمل أسماء الأشخاص المتورطين في هذه الجريمة، علماً أن هذه المعلومات الحساسة ما زالت مجهولة المصدر، فبحسب صحيفة إيطالية فإن جهة أمنية ما، أرسلت إلى البريد الإلكتروني لصحيفة "لاريبوبليكا" تقريراً يكشف عملية قتل الطالب الإيطالي وكذلك الأشخاص المتورطين في القضية، ومن بينهم رجال أمن بارزون.
من جهته، أعرب لويجي مانكوني، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الإيطالي، الذي يتابع القضية من كثب، عن عدم تفاؤله بشأن هذه المعضلة. وفي هذا الصدد، أقر مانكوني بأن "التحقيق ما زال في حالة جمود، ولم يشهد أي تطورات".
وأضاف مانكوني أن "السلطات المصرية سمحت للفريق الإيطالي بالاطلاع على جزء فقط من حيثيات التحقيق. ولقد أحجمت مصر عن مدّ المحققين الإيطاليين ببعض الملفات المهمة للغاية، على غرار ملف لقاء النائب العام المصري أفراد عائلات المشتبه فيهم الذين لاقوا حتفهم، فضلاً عن فيديو المراقبة في المكان الذي اختفى فيه الشاب والمكان الذي عُثر فيه على جثته".
وفي السياق ذاته، أورد مانكوني أن "سير التحقيق يسير بنسق بطيء وممل للغاية. بالإضافة إلى ذلك، تخللت التصريحات حول القضية الكثير من المعلومات المغلوطة، لعل أبرزها ما تم تداوله حول تاريخ انطلاق عملية مراقبة الشاب الإيطالي، الذي تغير أكثر من مرة مع تقدم البحث".
وخلال زيارة البابا فرنسيس إلى مصر، التي ستنطلق الجمعة، سوف تُناقش مواضيع من قبيل "بناء جسور التواصل مع الإسلام"، بالإضافة إلى بعث الطمأنينة في نفوس المسيحيين المهدَّدين بمصر، والمشاركة في مؤتمر السلام برعاية جامعة الأزهر في مصر.
وشهدت كنيستان مصريتان؛ واحدة في الإسكندرية والأخرى بمدينة طنطا، تفجيرات خلال "أحد السعف" مطلع الشهر الجاري، وقد خلفت التفجيرات قرابة 70 قتيلاً، وعشرات الجرحى.
من جانب آخر، طلبت عائلة ريجيني من البابا فرنسيس أن لا يسهى، خلال هذه الزيارة، عن التطرق إلى قضية ابنهم. وعلى العموم، من الصعب تحقيق توازن دبلوماسي بين الطرفين، الإيطالي والمصري؛ وما يزيد الأمر تعقيداً، تعالي العديد من الأصوات المحذرة من حساسية هذا اللقاء وتبعاته.
ومن المثير للاهتمام أن هذه الجهات متخوفة من أن تضفي هذه الزيارة الشرعية على نظام السيسي، الذي تم إرساؤه على أثر انقلاب عسكري وسجن الرئيس السابق، محمد مرسي. ولكن من المهم للغاية ألا ننسى أن الشهرة التي اكتسبتها الدبلوماسية الفاتيكانية لم تأتِ من فراغ، بحسب صحيفة صحيفة البايس الإسبانية.