قيادة جديدة غير مؤهلة

ومع أن الفارق كبير بين مَن تمرس في مجال السياسة والاقتصاد والخطاب العام، ومن دخل عليها بشكل طارئ، إلا أن حقيقة توجهات المجتمعات الحديثة تتطلب السرعة في إعداد وتوجيه هذه الشرائح القيادية الجديدة لمنحها الفرصة لتقييم وتقويم ذاتها، ولبناء قدراتها القيادية بصورة عامة؛ ليكون حضورها إيجابيا في مجتمعاتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/04/25 الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/04/25 الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش

يقاسي المشرق برمَّته من ظروف الحروب والصراعات والتنازع المصلحي بين القوى العظمى المتنافسة على خيرات الشرق من جهة، وبين القوى الإقليمية والمحلية التي تحاول تعزيز حضورها ونفوذها في المنطقة من خلال القوة العسكرية، وتحريك الحلفاء الموضوعين في ميادين ودول باتت معلومة معروفة، وهذا النمط من الصراع متعدد الأوجه أوجد إلى جانب الدمار الحاصل في المنشآت والبنية التحتية للدول فراغاً ملموساً في القيادة الفعلية التي يمكن لها أن تؤثر فعلاً في قيادة الجماهير في الدول بصورة فاعلة.

هذا الأمر فتح شهية مراكز الدراسات والبحوث في الآونة الأخيرة لدراسة هذه المعطيات، والمتغيرات الفعلية في العلاقة ما بين الجماهير وبين القيادات الكلاسيكية النمطية التي كانت حاضرة خلال السنوات العشر الأخيرة، وقبل اندلاع موجات الثورات العربية.

كثير من هذه المراكز والمعاهد البحثية أشار بوضوح إلى تغيير شامل في نظرة المواطن الفرد لشكل وهوية القيادة المطلوبة في بلاده، فما عاد الإنسان العامي -فضلاً عن المثقف- يقبل بوجود القيادة الروتينية التي عرفها من قبل، ولا بشكل وأسلوب ومفردات الخطاب التي كانت معتمدة من قبل في العمل السياسي والاقتصادي والجمعي، وهو تغيير لا بد من دراسته والوقوف عليه طويلاً لدراسته من قِبل كل معنيّ بالشأن العام.

التوجهات الجديدة لدى الشعوب في منطقة الشرق عموماً باتت تبحث عن التجديد، وعن منطق ولغة القوة، القوة في كل شيء، ومع ضرورة مراعاة الفارق بين الدول المستقرة نسبياً وبين الدول التي تشهد الثورات والقلاقل، وجب أن يتنبه المتابعون إلى حلول القيادات المجتمعية مكان القيادات السياسية الروتينية المعروفة، ودخول عناصر جديدة في دائرة التأثير القيادي لم تكن سابقاً في صدارة المشهد.

فقد أشارت العديد من بيوت الخبرة ومؤسسات الدراسات إلى تقدّم تأثير الإعلاميين وقيادات مؤسسات المجتمع المدني والممثلين ونجوم كرة القدم من حيث التأثير على القيادات السياسية النمطية في كثير من الدول، وأن المجتمعات باتت تتأثر بكلماتهم وسلوكهم وتوجهاتهم الفردية والعامة أكثر بكثير من القيادات السياسية التي يرى كثير من الناس أنها لا زالت متقوقعة خلف خطاباتها التاريخية، أو عجزت عن مجاراة الواقع، أو تتعامل بسطحية قاتلة مع مجريات متغيرة لا تقبل القوالب الجامدة في الفكر والممارسة السياسية.

وإذا سلّمنا بتقدم هذه الشرائح للقيادة في مجتمعاتها، فنحن أمام معطى جديد في شكل تعاملنا مع المجتمع بداية، ومع هذه الشرائح في اليد الأخرى، فهذه الشرائح ليست بطبيعتها معتادة على توجيه التأثير المجتمعي بصورة مباشرة، ودخولها على مجال التأثير السياسي والاقتصادي والمجتمعي بقوة سيضعها في أزمة أخلاقية سلوكية معرفية ليست معتادة عليها، وسيضع الشارع العام أمام نمط غير اعتيادي من التوجهات والتوجيهات من شريحة مرفهة عموماً بطبيعتها، لكنها غدت القادرة على الخطاب العام المؤثر بصورة إجبارية لخلو الساحة من قيادات تُرضي طموح وميول الفرد في المجتمع.

ومع أن الفارق كبير بين مَن تمرس في مجال السياسة والاقتصاد والخطاب العام، ومن دخل عليها بشكل طارئ، إلا أن حقيقة توجهات المجتمعات الحديثة تتطلب السرعة في إعداد وتوجيه هذه الشرائح القيادية الجديدة لمنحها الفرصة لتقييم وتقويم ذاتها، ولبناء قدراتها القيادية بصورة عامة؛ ليكون حضورها إيجابيا في مجتمعاتها.

المسؤولية الكبرى في هذا الصدد تقع على عاتق النخب المثقفة، والمؤسسات والاتحادات والنقابات التي ينتمي لها هؤلاء بصورة شاملة، بأن يشعر هؤلاء بالدرجة الأولى بالمسؤولية الاجتماعية، وأن يبدأوا بسلوك عام يجعل منهم – بالحد الأدنى – قدوة إيجابية صامتة في مجتمعات متعطشة لقيادة إيجابية صادقة وقادرة على التغيير والتأثير.

عندما حلق "ميسي" شَعرَه، وانتشر أسلوب حلاقة شعره في قارات العالم بسرعة فائقة، وبات عشرات آلاف الشباب يقلدونه حتى في هذا الشأن البسيط والهامشي، وعندما تدخل الملابس التي نلبسها كإعلاميين أو كممثلين أو كرياضيين في مصاف الماركات العالمية سريعة الانتشار، فهذا معناه قدرة فعلية على التأثير المباشر في المجتمعات، وهذا معناه بالضرورة أن سلوكنا السلبي مدمر، وسلوكنا الإيجابي بناء، حتى ولو لم نشعر نحن بذلك.

المسألة ليست تأثيراً سياسياً فحسب؛ بل تأثير اقتصادي كبير، وتأثير في التكوين الثقافي للفرد في مجتمعات ربما لا نعرفها، ولذلك، كانت هذه المتغيرات التي أفرزتها الوقائع بحاجة لدراسة شاملة من قِبل الخبراء والمعنيين لتدارك الأثر السلبي وتكوين الأثر الإيجابي على ضوء ما وصل إليه الحال، لا بناء على تصورات هذا الإنسان وتوقعاته أو تلك الجهة أو التيار ورؤيته الذاتية للواقع، فالأرقام والإحصائيات هنا بالغة الوضوح، وتحتاج لبناء استراتيجية تواصل فاعلة من قِبل النخب المثقفة ومؤسسات الثقافة العامة مع القيادة الجديدة للمجتمعات حتى يكون التغيير إيجابياً، ولا تكون قيادة التغيير الجديدة عامل هدم لمجتمعاتنا وأبنائنا وأسرنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد