السباق المحتدم بين أبرز مرشحي الرئاسة الفرنسية للوصول إلى قصر الإليزيه، لم يترك لهم من خيار سوى الخوض في عالم الأرقام؛ بحثاً عن إقناع أكبر عدد ممكن من الناخبين.
أرقام عن النفقات العامة للبلاد وعن دينها العام وسياستها الاقتصادية وغيرها من المؤشرات المالية والوعود الرقمية التي طرحها المرشحون، ولاقت انتقادات حادة من قِبل المختصين ممن أظهروا أنها إما مبالغ فيها وإما أنها دون الواقع بكثير.
مارين لوبان
غالباً ما تلاقي مرشحة اليمين المتطرف سخرية لاذعة من قِبل منافسيها؛ لافتقارها إلى الدقة عندما يتعلق الأمر بتقديم الأرقام الموثقة لبرنامجها الانتخابي، وخصوصاً حين وعدت، في حال صعودها إلى الحكم، تباعاً، بتوفير احتياطي نقدي للبلاد بقيمة 96 ثم 80 مليار يورو على امتداد الخماسية، فيما يظهر موقع حملتها رقماً بـ60 مليار يورو.
ووفق المرشحة، فإن توفير تلك المدخرات من شأنه أن يدفع بالعجز العام إلى 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، ثم إلى 1.3% في 2022.
وعود قدمتها لوبان بناء على فرضيات نمو طموحة للغاية قدرتها بـ2.5% في 2021 و2022، غير أنها لاقت هي الأخرى انتقادات حادة من المختصين الاقتصاديين ممن لفتوا إلى التضارب الواضح بين أهداف المرشحة وبرنامجها القائم على العديد من النفقات مثل خفض الضرائب، دون اعتبار تكلفة الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي تنادي به.
وبالنسبة لمؤسسة "تيرا نوفا" البحثية والمقربة من اليسار في فرنسا، فإن الخروج من المنظمة الأوروبية سيتسبب في انفجار الدين العام للبلاد وفقدان القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي الواحد بقيمة 1500 يورو سنوياً.
من جانبه، ذكر معهد "مونتين" (مؤسسة بحثية فرنسية)، أن تراجع الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يصل إلى (ـ 2.3 %) في العام الأول من الخماسية المقبلة، و(ـ 9 %) على المدى المتوسط.
جان لوك ميلونشون
مرشح حزب "فرنسا الأبية" المعروف بتنديده بالتقشف الليبرالي، وعد بالترفيع في النفقات العامة بـ173 مليار يورو على امتداد الخماسية المقبلة، ضمن إجراء دعمه بخطة استثمارية بـ100 مليار يورو، ممولة عبر الاقتراض.
ووفق مرشح اليسار الراديكالي، فإن تبني سياسة مماثلة لا يهدد توازن المالية العامة في البلاد؛ نظراً لتداعياتها الإيجابية على النمو (أكثر من 2 % انطلاقاً من 2018)، وكذلك باعتبار العائدات الناتجة عن إلغاء الثغرات الضريبية (38 ملياراً)، وعن طريق مكافحة التحايل (33 ملياراً).
ميلونشون، تحدث أيضاً عن حمل عجز الميزانية إلى 2.5 % والدين العام إلى 87 % من الناتج الإجمالي المحلي بحلول 2022، وهي الأرقام التي قالت كل من "مؤسسة كونكورد" البحثية (محلية)، و"مركز المراقبة الاقتصادية والأبحاث للإنعاش الاقتصادي وتطوير المؤسسات" (مستقل)، إنها بعيدة عن الواقع.
وبالنسبة للمؤسسة الأخيرة، فإنه في حال خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي، وهو الحل البديل الذي يطرحه المرشح، فإن الدين العام سينفجر ليبلغ 110% من الناتج الإجمالي المحلي.
بنوا آمون
مرشح الاشتراكيين، أعلن بدوره خطة للإنعاش الاقتصادي. ووفق برنامجه، فإنه سيتم ضخ 71 مليار يورو في الاقتصاد الفرنسي بحلول 2022، وسيخصص 35 ملياراً منها لتمويل مشروعه المتعلق بالدخل الشامل (600 يورو)، والذي قال إنه يعتزم منحه لجميع الفرنسيين، لمواجهة الثورة الرقمية التي يرى أنها تسهم بشكل متصاعد في تقليص فرص التوظيف.
ولتأمين تمويل تلك النفقات، ينوي المرشح الحصول على 5 مليارات من خلال فرض ضريبة على "الأرباح الفائقة" للبنوك، و11 ملياراً من مكافحة التهرب الضريبي، و30 ملياراً بعنوان عائدات ضريبية من المفترض أن يدرّها برنامجه، وغيرها من التدابير الأخرى.
بنوا آمون، أعلن متوسط نمو بـ19.5% في الخماسية القادمة، وحمل العجز إلى 2.7% في 2022، ضمن أرقام استشرافية لاقت بدورها انتقادات من قِبل مؤسسات بحثية فرنسية؛ بينها "مركز المراقبة الاقتصادية والأبحاث للإنعاش الاقتصادي وتطوير المؤسسات"، والذي يراهن على أن العجز سيرتفع إلى حدود 8% من الناتج الإجمالي المحلي في 2022، في حال تطبيق برنامج المرشح.
إيمانويل ماكرون
في حال وصوله إلى قصر الإليزيه، وعد المرشح المستقل بأن تبلغ الاستثمارات العامة نحو 50 مليار يورو، فيما ستصل مدخرات البلاد إلى 60 ملياراً، وذلك رغم العديد من الإصلاحات المكلفة التي قال إنه يعتزم القيام بها للحد من البطالة وغيرها من التدابير الأخرى.
ولتجسيد برنامجه، يعتزم المرشح بالأساس الاستغناء عن 120 ألف موظف حكومي.
ووفق المرشح، فإن برنامجه المعتمد على توقعات نمو بدت أكثر حذراً مقارنة ببقية المرشحين (1.8 % في 2022)، سيسمح بدفع العجز العام انطلاقاً من هذا العام تحت عتبة 3% من الناتج الإجمالي المحلي، كما يطالب بذلك الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، وضعت تلك الأرقام الاستشرافية وزير الاقتصاد السابق في مرمى انتقادات المختصين الاقتصاديين في بلاده، ممن قدروا أن خطته الاقتصادية "غير موثقة" بما فيه الكفاية.
وبحسب "مركز المراقبة الاقتصادية والأبحاث للإنعاش الاقتصادي وتطوير المؤسسات"، فإن برنامج ماكرون سيحمل العجز العام إلى 5% من الناتج الإجمالي المحلي في 2018، و3.4% في 2022، في حال تم تطبيقه دون إقرار تدابير تصحيحية.
فرانسوا فيون
مرشح اليمين التقليدي بفرنسا، وعد بإحداث "صدمة" اقتصادية، وذلك عبر اللجوء إلى خفض حاد للضرائب من جهة، ومن خلال إقرار خطة اقتصادية بـ100 مليار يورو تمتد على 5 سنوات، وتتضمن إلغاء 500 ألف موظف حكومي.
ووفق فيون، فإن هذه التدابير ستمكن من تحفيز النمو، والذي "سيتجاوز الـ2%" نهاية الخماسية المقبلة، كما ستمكن أيضاً من خلق توازن بين إيرادات الدولة ونفقاتها.
هدف قال معهد "مونتين" بفرنسا، والمحسوب على اليمين، إنه يرتكز على فرضيات اقتصادية كلية "طموحة للغاية"، معرباً عن تحفظه بشأن هذا البند من برنامج المرشح، في موقف لاقى تأييداً من قِبل "مركز المراقبة الاقتصادية والأبحاث للإنعاش الاقتصادي وتطوير المؤسسات"، والذي يتوقع عجزاً عاما ـ 1.4% نهاية الخماسية المقبلة.
وقدر "المعهد الفرنسي للإحصاء" (حكومي) الدين العام للبلاد في 2016، بنحو 2147.2 مليار يورو، أي ما يعادل 96% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغ النمو 1.2%، والعجز العام 3.4%، في العام نفسه.