تفرض الأزمة الاقتصادية في الجزائر نفسها على أي حديث سياسي في البلاد التي تستعد لانتخابات برلمانية بعد أسابيع فالذين يُديرون الجزائر يواجهون عدداً من التحديات؛ إذ يتعيَّن على النخبة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، التي تُعرف باسم "السُلطة"، أن تُعالج الاقتصاد المترنح وتنتصر على الجهاديين وتتعامل مع جيرانها المثيرين للمتاعب في ليبيا ومالي. وفي بعض الأوقات يتعيَّن عليهم أيضاً التأكيد لعامة الشعب أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لا يزال على قيد الحياة.
ويحكم بوتفليقة، الذي يُبلغ من العمر 80 عاماً، الجزائر منذ 1999، عندما دفع به الجيش إلى الرئاسة. لكنه عانى من نوبةٍ قلبيةٍ واحدةٍ على الأقل خلال الأعوام الماضية ويبدو أنَّه في حالةٍ صحيةٍ سيئة.
في فبراير/شباط، ألغى لقاءً كان مُقرراً مع أنغيلا ميركل، المستشارة الألمانية، وهو ما أدى إلى انتشار التكهنات حول وفاته. ولمواجهة هذه الشائعات، نشرت الحكومة مقطعاً مصوراً لبوتفليقة أثناء أداء عمله. وظهر بوتفليقة أثناء تحديقه ببطءٍ في الأوراق والكاميرا، بينما يتظاهر وزراؤه بالانبهار.
قد لا يكون عقل الرئيس على ما يرام، لكن ظهوره المستمر يُخبرنا بالكثير عن الحالة السياسية في الجزائر، التي ستُقام فيها انتخاباتٌ عامةٌ في الرابع من مايو/أيار. وتتمسك غالبية الشعب، والأهم من الشعب "السُلطة"، ببقاء بوتفليقة، الذي خرج بالبلاد من الحرب الأهلية الدموية التي اشتعلت طوال فترة التسعينيات. ومنذ انتهاء الحرب، والجزائر تتجنب الاضطرابات التي تعاني منها الدول المجاورة. وعلى الرغم من حالته المتردية، يظل بوتفليقة مُحتفظاً بمكانته كقوة استقرار، بحسب صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية.
وللحفاظ على الوضع الراهن، تقول الحكومة إنه يجب على الناخبين التوجه إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات القادمة. وقال جمال ولد عباس، رئيس جبهة التحرير الوطني الجزائرية (حزب الرئيس)، في مظاهرةٍ هذا الشهر: "يجب أن نصوِّت بكثافةٍ من أجل زيادة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد وتقديم الدعم للرئيس بوتفليقة". وتلاعب حلفاء جبهة التحرير الوطني بمعركة الجيش ضد الإسلاميين المتشددين والأزمة الاقتصادية المحتملة ليستغلوها في تعبئة الناخبين.
وبالرغم من بذل الحكومة لأفضل جهودها، قد تكون نسبة الإقبال على التصويت أقل حتى من عام 2012، عندما لم يُدلِ سوى 46% فقط بأصواتهم. ويتنافس 12 ألف مرشح للفوز بـ462 مقعداً، لكن العديد من الجزائريين يفترضون تزوير الانتخابات وفوز جبهة التحرير الوطني وحلفائها بأغلبية المقاعد. وسيطر الحزب على البرلمان منذ أن حصلت الجزائر على استقلالها من فرنسا عام 1962. وعندما فاز الإسلاميون بالانتخابات عام 1991، أبطل الجيش الانتخابات، فاندلعت الحرب الأهلية.
ومنحت التعديلات الدستورية، التي أُقرَّت عام 2016، مزيداً من السلطة للمشرعين، لكنهم استمروا في مزاولة وظيفتهم كختمٍ مطاطيٍ يُوافق سياسات الحكومة. ويمتلك العديد من المرشحين هذا العام علاقاتٍ قويةٍ مع "السُلطة". وتُقاطع العديد من أحزاب المعارضة هذه الانتخابات، وأُمِرت وسائل الإعلام بتجاهلهم. وعلى الأرجح، ستفوز العديد من الأحزاب التي ستقرر المشاركة بعددٍ من المقاعد على الأقل، أو بتعبيرٍ أدق، ستُمنح لها بعض المقاعد؛ إذ تسعى الحكومة للحصول على مزيدٍ من الدعم السياسي لإجراءات التقشف.
نما اقتصاد الجزائر بنسبة 4% العام الماضي، لكنه أُصيب بضربةٍ كبيرةٍ بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي. وتقلَّصت أرباح صادرات النفط للنصف تقريباً منذ عام 2014، بعد أن كانت تُغطي 60% من ميزانية الحكومة. ونتيجةً لذلك، خفضت الحكومة معدل الإنفاق بنسبة 14% هذا العام، بعد خفضه بنسبة 9% في العام الماضي. كما ارتفعت أسعار الوقود المُدَعَّم والكهرباء، وزادت الضرائب، وأوقِف التعيين في الوظائف الحكومية. ورغم ذلك، عانت الحكومة من عجزٍ في الميزانية بنسبة 12% من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي، بينما انخفض احتياطي النقد الأجنبي إلى 114 مليار دولار، من 196 مليار دولار عام 2014.
ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، يزداد غضب الجزائريين. ووصلت نسبة التضخم إلى 7.6% في فبراير/شباط الماضي، مع خفض الدعم وفرض قيودٍ على الصادرات، وهو ما أدى لارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الغذاء. وتزيد نسبة البطالة عن 10%، وليس لدى الشباب الكثير من الفرص. وفشلت الحكومة، التي اعتادت شراء الاستقرار بمنح العطايا السخية، في تجهيز الجزائر لمواجهة الأوقات العصيبة.
يعتمد الاقتصاد الجزائري بشدةٍ على عائدات النفط والغاز، وما زال اقتصاداً شديد المركزية. وترغب شركات الطاقة الأجنبية في الاستثمار، لكنها تشكو من أعباء البيروقراطية المتزايدة. ويُعد الفساد مُشكلةً كُبرى في الجزائر. لذا فإن بعض المرشحين للبرلمان أطلقوا حملاتهم سعياً للحصول على الحصانة من المحاكمة، وهي إحدى مزايا المنصب.
ورغم ذلك، يبدو أنَّ الجزائريين غير مستعدين لتحدي الحكومة تحدياً صريحاً. التهديد الحقيقي لاستقرار الجزائر سيحدث عند وفاة بوتفليقة.
في السنوات الأخيرة، قام بوتفليقة وحلفاؤه بتطهير "السُلطة" من الشخصيات المستقلة، ليمنحوا مزيداً من القوة والنفوذ للرئاسة. ويبدو أنَّ هناك توافقاً على خليفة الرئيس، وهو على الأغلب سببٌ آخرٌ للإبقاء عليه في كرسي الحكم ظاهرياً. لطالما كانت السياسة الجزائرية غامضةً. لكن وجود مؤسسات تتمتع بالقوة والشفافية سيكون أمراً مفيداً، خاصةً في بلدٍ يُقدِّرُ أهمية الاستقرار. ويُمكن أن يكون البرلمان مجرد بداية.