تكثر المقالات ومقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعية الهادفة إلى بث الذعر بين مواطني الدول الغربية من وصول المسلمين أو تزايد عددهم، محذرة من تحول دولهم رويداً رويداً إلى إسلامية، لكن هل تتطابق هذه المزاعم التي يتم تداولها على نطاق واسع مع توقعات استقرائية لمراكز الأبحاث وخبراء في مجال الديموغرافيا.
موقع تاغز شاو التابع للقناة الأولى الألمانية، فنَّد مزاعم واردة في عينة من هذه المواد، وهو عبارة عن مقطع فيديو منتشر على موقع يوتيوب في عام 2013، يسوق بعض الأرقام دون الاستناد إلى مصادر علمية أو الإشارة إلى أدلة.
وبيّن الموقع أن السيناريو الذي يتوقع "سقوط الغرب" ينتشر مراراً وتكراراً على شبكة الإنترنت، ليس فقط في مجموعات موقع فيسبوك المضادة لـ"فناء الشعب"، أو عدد كبير من حسابات تويتر؛ بل من السهولة العثور على أحدها عند البحث عن مواضيع متعلقة بالإسلام بالألمانية، وتحظى بمشاهدات تصل إلى مئات الآلاف.
ويتضمن الفيديو المعنون "الأسلمة الخفية لأوروبا"، لحناً إسلامياً في خلفية المشهد، وصورة مركبة لمسجد إلى جانب برج الإذاعة في العاصمة الألمانية برلين، وعبارات كـ"خلال سنوات قليلة سيهيمن الإسلام على العالم"، و"في عام 2050 ستصبح ألمانيا دولة إسلامية".
وإلى جانب الكثير من تعليقات على شاكلة: "يجب أن يُخرج الإسلام من كل أوروبا، فقط بمحاربتنا الإسلام سيكون لدينا مستقبل".
ويزعم الفيديو أن "النمو الكلي لسكان أوروبا منذ عام 1990، يتكون في 90٪ منه من الهجرة الإسلامية".
كلام فارغ!
راينر كلنغهولز رئيس مؤسسة برلين لشؤون سكان والتنمية، وصف هذا الادعاء بأنه كلام فارغ، موضحاً أن النمو السكاني المذكور نشأ في جزء كبير منه فقط؛ لأن عدد المواليد داخل أوروبا كان أكبر من المتوفين.
وأضاف أنه إلى جانب ذلك، من الصعب حساب عدد المهاجرين المسلمين في أوروبا؛ لأن انتماءهم الديني لا يسجل في السجلات الرسمية، مبيناً أنه ليس هناك بيانات مباشرة عن المسلمين، وإنما يستطيع المرء بشكل غير مباشر جمعها عبر معرفة بلدانهم الأصلية.
ويشير "تاغزشاو" إلى أن تقديرات يمكن الاعتماد عليها، صدرت من "مركز بيو البحثي" الأمريكي، تشير إلى أن عدد المسلمين في أوروبا، ارتفع من 29.6 مليون في العام 1990، إلى 44.1 مليون في العام 2010، أي من 4.1٪ إلى 6٪، وأن نسبتهم في أوروبا بحلول العام 2050، ستكون ما بين 8.4 و 10.2٪، مضيفاً أن مركز "بيو" لا يورد الرقم الذي ذكره الفيديو، وبالأخذ بعين الاعتبار أن ناشر الفيديو لم يذكر مصدراً لكلامه، فلا يمكن التحقق منه.
ولم يذكر الفيديو أيضاً دليلاً على ادعائه أن ألمانيا ستصبح دولة إسلامية، في عام 2050.
تقديرات مكتب الهجرة واللاجئين
بالمقابل، تشير تقديرات مكتب الهجرة واللاجئين الاتحادي الألماني إلى أنه مع نهاية عام 2015 كان عدد المسلمين في البلاد يتراوح بين 4 و 7 ملايين، وبالنظر إلى عدد سكان ألمانيا يصل إلى 2 مليون نسمة، تكطون نسبتهم بذلك ما بين 4 حتى 7% من السكان،تقديرات مركز "بيو" البحثي تشير من جانبها إلى أن نسبة المسلمين في ألمانيا ستبلغ في العام 2050 ما بين 4.9 و10%.
ويمكن لنسبة المسلمين بين السكان أن تزداد على المدى الطويل، إذ تبلغ نسبة الولادات بين النساء المسلمات حالياً، 2.1 طفل، بحسب أرقام "بيو"، فيما تصل نسبة المواليد العامة في أوروبا إلى 1.6.٪، إلا أن الفيديو يزعم أيضاً أن نسبة المواليد بين المسلمين في أجزاء من فرنسا تصل إلى 8.1 طفل لكل إمرأة، وبالنظر إلى عدم ذكر الناشر لمصدره مجدداً، تظهر المقارنة بين هذا الزعم و أعلى نسبة مواليد بين المسلمين مسجلة في العالم بحسب "بيو"، خطأه، إذ تشير إلى أن أعلى نسبة موجودة في النيجر وتبلغ 6.9%.
ويدحض الواقع أيضاً مقولة مزعومة أخرى واردة في الفيديو، تفيد بأن الأبحاث تظهر أنه بالنظر إلى التنامي الحالي للإسلام، سيسود الدين الإسلامي العالم خلال فترة ما بين 3 و5 سنوات، وبما أن الفيديو قد نُشر في عام 2013، تجاوزنا بالفعل الفترة التي تم الحديث عنها، ولم يثبت ما ذهب إليه ناشر الفيديو. تقديرات مركز "بيو" البحثي تتوقع أن تكون نسبة المسلمين والمسيحيين متقاربة في عام 2050.
ولا يقتصر أمر نشر هذه السيناريوهات على أصحاب الحسابات، التي غالباً ما تكون بأسماء وهمية؛ بل يعتقد بصحتها سياسيو حزب "البديل من أجل ألمانيا" المناهض للإسلام والمهاجرين أيضاً؛ ففي اجتماع لقادة فرع الحزب بولاية برلين في شهر مارس/آذار الماضي، وضعوا في صلب برنامجهم للانتخابات البرلمانية المقبلة، قضايا مثل: إيقاف الهجرة، و"الأسلمة" المزعومة، وانتقد غوتفريد كوريو، أحد أعضاء فريقها الانتخابي، بشدة، المستشارة ميركل التي وصفها بـ"ملكة المهربين"، زاعماً أن "جهاد الإنجاب" جارٍ حالياً في بلاده.
وسبق أن قال زميلهم في الحزب بولاية براندنبورغ، رومان رويش، الذي يشغل منصب كبير المدعين العامين، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إنه إذا ما واصلت أحزاب الكُتل نهجها الحالي، ستختفي بلادهم خلال 20 عاماً، وسيُدمر اقتصادهم، وسيتم استيطانها من قِبل غالبية غير ألمانية، وسيكونون في طريقهم ليكونوا جمهورية إسلامية.
ويشير الموقع الألماني إلى أن فيديوهات كتلك التي تم تفنيد ما ورد فيها تتبع نفس النهج، بذكر أرقام اعتباطية، لا يمكن التحقق منها، أو لا يمكن حسابها البتة، لنشر الخوف، ثم يركز ناشروها على رقم محدد ولا يعتمدون على سيناريو آخر سواه.
مذكراً بأنه لا يمكن حساب ما سيحدث في المستقبل أو التنبأ بالوقائع العاصفة التي يمكن أن يشهدها العالم، كالحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية.