في مساء الأحد الماضي 16 أبريل/نيسان 2017 وقف رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم في شُرفة مقر حزبه العدالة والتنمية، وأثنى على النصر الانتخابي الذي سيطيح به من عمله.
وبدا أنَّ حملة التصويت بـ"نعم" في الاستفتاء التركي، التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان، قد حقَّقت نصراً هزيلاً على حملة التصويت بـ"لا"، وحصلت على نحو 51% من الأصوات.
ووافق الأتراك على التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تغير النظام البرلماني في البلاد، بما في ذلك منصب رئيس الوزراء، لصالح مؤسسةٍ رئاسية ذات صلاحياتٍ واسعة.
وقال يلدرم: "لا يُوجد خاسر في هذا الاستفتاء، لكن هناك فائزٌ واحد: تركيا والشعب التركي الكريم"، بحسب ما جاء في تقريرٍ لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
غير أنَّ الهامش الضئيل للانتصار وصرخات المُحتجِّين من المعارضة تُنبئ بقصةٍ مختلفة، فقد رفض حزبان معارضان رئيسيان الاعتراف بالهزيمة، وطالبا بإعادة فرز الأصوات بعد مزاعم بشأن حدوث عمليات تزويرٍ للأصوات.
وعلى الرغم من بعض العيوب التي تحوم حول الديمقراطية التركية، فإنَّ التصويت الأخير كان نزيهاً في العموم. بيد أنَّ ذلك لم يكن الانطباع في ليلة الأحد، وذلك مع ادعاءات المعارضة بوجود سلوك جانِح من اللجنة الانتخابية في البلاد.
وقال سليم سازاك، الزميل في معهد دلما للدراسات: "حتى اليوم، كانت المعارضة التركية تعتقد دوماً أنَّها خسرت بنزاهة وعدالة. إلّا أنَّ هذا يُعَد تغييراً في قواعد اللعبة".
ويقول منتقدو أردوغان إنَّ التعديلات ستُرسِّخ لحكم الرجل الواحد وتؤسِّس لديكتاتوريةٍ بحكم الأمر الواقع. ويُجادِل مؤيِّدوه بأنَّه بالنظر إلى تاريخ الانقلابات في تركيا، بما في ذلك المحاولة الفاشلة التي وقعت في يوليو/تموز الماضي، والصراعات المدنية، والتحالف السياسي الفاشل، فإنَّ هناك حاجةً إلى سلطةٍ تنفيذيةٍ أقوى. وحينما يدخل النظام الجديد حيز التنفيذ في الانتخابات المقبلة، المُتوقَّع إجراؤها عام 2019، فإنَّ ذلك سيُؤشِّر على أكبر تغييرٍ تشهده السياسة التركية منذ نشأة الجمهورية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى.
ماذا الآن إذاً؟ فيما يلي نُقدِّم مسحاً لردود أفعال المُحلِّلين الذين يُركِّزون على تركيا. ويمكن تفسير انتصار أردوغان بفارق ضئيل بأنَّه إشارة من نوعٍ ما للرئيس التركي، وذلك مع اتحاد المعارضة التي كانت مُمزَّقة في السابق ضده الآن.
وفي ليلة الأحد، طرق بعض المُحتجِّين في أحياء إسطنبول على الأواني ليُظهروا غضبهم من التصويت. وربما يكون أردوغان قد أعلن الفوز، لكنَّه لم يحقق الانتصار الصريح الذي كان يأمله.
وغرَّدت محطة "تي آر تي وورلد" التركية الرسمية قائلةً: "#استفتاء_تركيا: نحو 47.5 مليون مُصوِّت أدلوا بأصواتهم، وصوَّت 51.37% منهم لصالح التعديلات الدستورية. #خيار_تركيا".
#TurkeyReferendum: Some 47.5 million voters cast their ballots – 51.37% of whom voted in favour of the constitution changes. #TurkeysChoice pic.twitter.com/jkOODIeX6N
— TRT World (@trtworld) April 16, 2017
وحذَّر زيا ميرال، الزميل المقيم في مركز التحليل التاريخي ودراسات الصراع في بريطانيا، من حالة عدم اليقين المُقبِلة، فقال:
"سيفسد كلٌ من هامش الانتصار الضئيل والأصوات المتنازع عليها شعور أردوغان بالفوز وسهولة التعامل مع العملية فيما هو آت. ويُقوِّي ذلك المعارضة التركية، لكنَّه قد يعني كذلك أنَّ يكون الفاعلون الدوليون أكثر صراحةً في المطالبة بألا تستمر بعض التغييرات المُقترحة. ويُمكن رؤية ذلك في بيان مجلس أوروبا الذي يطالب بالفعل باحترام استقلال القضاء. وستكون المرحلة المُقبِلة حادّة اجتماعياً وسياسياً، وذلك في ظل احتجاجاتٍ وجدالاتٍ سياسية قاسية".
قال رجب سويلو، مراسل صحيفة "ديلي صباح" التركية في واشنطن، الذي يُعَد مؤيِّداً قوياً لأردوغان، إنَّ التصويت بـ"نعم" كان رد فعلٍ على سنواتٍ من الاضطرابات التي شملت استئناف تمرُّدٍ كرديٍ عنيف، وموجة من الهجمات الإرهابية لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومحاولة الانقلاب الفاشل في العام الماضي، وقال:
"أعتقد أنَّ وسائل الإعلام العالمية قد ركَّزت بصورةٍ أكبر على شخصية أردوغان وبصورةٍ أقل على الاستقطاب الاجتماعي، وما مر به الشعب التركي على مدار السنوات الأربع الأخيرة. وبالنظر إلى كل تلك المشكلات، والأزمات، والصعوبات، اختارت أغلبية المُصوِّتين الاستقرار، واختاروا كذلك نظاماً يمنح الحكومة التركية مزيداً من السيطرة والسلطات التي يمكن أن تكون مؤثِّرةً في منع مزيدٍ من النكسات. ويُنشئ النظام الجديد أيضاً رئاسةً أقوى يمكنها التعامل بسرعةٍ مع الأزمات".
وجادل هوارد إيسنستات، الأستاذ المساعد بجامعة سان لورنس، زميل مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، بأنَّ الحكومة في أنقرة يجب أن تنتبه لقدرة معسكر التصويت بـ"لا" على فرض نتيجةٍ قريبةٍ للغاية.
وقال: "بالنظر إلى حملة "لا"، وحقيقة أنَّ معظم قادة حزب الشعوب الديمقراطي (الداعم للأكراد) لم تتح لهم فرصة المشاركة، مع امتلاك الحكومة وسائل إعلام قوية، فإنَّ حملة "لا" قد أدَّت بشكلٍ جيد للغاية.
أمَّا بالنسبة لأردوغان فإنَّ الفوز يبقى فوزاً. ويُستبعَد أن يُبطئ من عملية توطيد سلطته أو التواصل بصورةٍ بنَّاءة مع المعارضة. وكان قد تعهَّد بأن يؤدي التصويت بـ"نعم" إلى مزيدٍ من الاستقرار واستعادة النمو الاقتصادي".
وأشار عمر تاشبينار، الزميل البارز في معهد بروكينغز، إلى أهمية إخفاق معسكر "نعم" في أكبر ثلاث مدنٍ تركية، بما في ذلك إسطنبول، التي كان أردوغان رئيساً لها في السابق.
وقال: "تُعَد حقيقة أنَّ أردوغان لم يفز في إسطنبول للمرة الأولى منذ 1994 علامةً مهمة على أنَّ حتى بعض مؤيدي حزب العدالة والتنمية الحضريين (سُكَّان المناطق الحضرية) لم يصوتوا بنعم. وتُظهِر النتائج أيضاً أنَّ جبهةً مُوحَّدةً في مواجهة أردوغان لديها فرصة لتقديم بديل. إذ يُعَد انقسام أحزاب المعارضة عائقاً كبيراً في وجه الديمقراطية التركية. وعلى المعارضة المُتحمِّسة أن تبدأ بالسعي إلى الوحدة".
ويرى أيكان إردمير، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أملاً في معارضةٍ تعدُّديةٍ جديدة لأردوغان:
وقال: "إنَّ هذا استفتاءٌ نرى فيه الأكراد في الشرق يُصوِّتون بالطريقة نفسها التي يُصوِّت بها العلمانيون الأتراك في الغرب. وربما يكون ذلك بدايةً لحقبةٍ جديدة".
وتعتقد غونول تول، مديرة مركز الدراسات التركية التابع لمعهد الشرق الأوسط، أنَّ أردوغان ربما عليه أن يتّبع مساراً أكثر اعتدالاً، وأن يستأنف ربما عملية السلام مع الانفصاليين الأكراد.
وقالت: "نتائج اليوم تُظهِر أنَّه خسر جزءاً من جمهور ناخبيه، وأنَّه لم يتمكَّن من حشد القوميين بالقدر الذي كان يرغبه. ويتطلَّب كل ذلك نغمةً مختلفة من أجل الانتخابات الرئاسية المُقبِلة في 2019. وعليه أن يستميل الوسط، وأن يتَّخذ خطواتٍ كبيرة لمعالجة تراجُع الاقتصاد التركي.
وفي هذا السياق، تمتلك مسألة العودة إلى المفاوضات مع الأكراد فرصاً أكبر مما لو كان فاز بنصرٍ ساحق، لا سيَّما بالنظر إلى أنَّه نجح بصورةٍ أكبر مما كان مُتوقَّعاً بين الناخبين الأكراد".
ويرى سونر كاغبتاي، الخبير في الشؤون التركية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، الذي ألَّف كتاباً جديداً عن أردوغان، أنَّ فوز أردوغان بفارقٍ ضئيل يُعَد شيئاً جيداً وليس وصفةً لفوضى طويلة ممتدة، وقال:
"أعتقد في الحقيقة أنَّ تلك هي النتيجة الأفضل. فإذا ما خسر أردوغان كان ذلك من شأنه أن يُطلِق العنان لفترةٍ من انعدام الاستقرار".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Post البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.