يشحذ الجيش الأميركي إمكاناته العسكرية الموجَّهة إلى كوريا الشمالية. وعبر تغريداته وتحويل مسار حاملة الطائرات "كارل فنسون"، يُرسل الرئيس ترامب رسالة واضحة إلى الصين: استخدموا نفوذكم الدبلوماسي على كيم جونغ أون، أو ستلجأ أميركا إلى الإكراه. وهدف ترامب الإستراتيجي هو تعليق كيم جونغ أون لبرنامج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
إنّها لعبة عالية المخاطر.
يُشير الكاتب جون شندلر إلى الصعوبة البالغة في تقدير إستراتيجية كوريا الشمالية. فلطالما صارع المجتمع الاستخباراتي الأميركي من أجل اختراق مملكة عائلة كيم المحصَّنة المنعزلة. ربَّما أحرزت الاستخبارات الكورية الجنوبية واليابانية نجاحاً أكبر، لكنّها تُصارع هي الأخرى. وتصرفات كيم المُثيرة للجدل، خاصةً الآن، تُشير إلى اضطرابٍ عقلي. هذه ليست مزحة، بحسب تقرير لموقع "ديلي بيست" الأميركي.
نادراً ما كانت الدبلوماسية الأميركية الفاعلة أهم من اليوم.
لكن، في حالة فشل الدبلوماسية وإعطاء ترامب الإذن بالتحرّك العسكري ضد برنامج الصواريخ الباليستية بكوريا الشمالية، يُمكننا تقديم تقديراتٍ أولية فيما يتعلّق بشكل التحرّك المحتمل.
في البدء، ستسعى الولايات المتّحدة إلى تدمير منشآت إنتاج وتطوير الصواريخ الباليستية الخاصة بكوريا الشمالية. تُشير تقارير ذات مصداقية إلى أنَّ الكثير من المنشآت المهمة موجودة في المنطقة الجبلية الشمالية الشرقية، بالقرب من الحدود مع الصين.
تدمير تلك المواقع سيتطلَّب على الأرجح ضرباتٍ جوية تستخدم فيها القوات الجوية الأميركية قنابل GBU-57 والتي تزن أكثر من 13600 كغ، وهي مصممة للاختراق العميق أسفل السطح وإحداث أثرٍ هائل. وتُشير تقارير مفتوحة المصدر إلى جهودٍ في الفترة ما بعد عام 2012 لتمكين إلقاء القنبلة من طائرات B-2 قاذفة القنابل. حالياً، يُمكن لطواقم B-2 المتمركزة في ولايتي فلوريدا وميزوري مهاجمة الأهداف حول العالم، والتزود بالوقود خلال المهمات.
وتدمير عناصر القيادة والتحكّم في الصواريخ الباليستية الخاصة بكوريا الشمالية سيكون هدفاً رئيسياً أيضاً. أدرجت مبادرة الخطر النووي عدداً من المنشآت المعنية على قائمتها، لكن محطة سوهي على الساحل الغربي بكوريا الشمالية مثالٌ واضح. وربّما تستهدف الولايات المتّحدة أيضاً الضبّاط المسؤولين عن الصواريخ الباليستية.
على أي حال، ستكون لتلك الضربات ثلاثة دوافع رئيسية. الأول هو تجريد كوريا الشمالية من قدرتها على نشر صواريخ باليستية فعالة عابرة للقارات معتمدة على الوقود الصلب. والثاني هو ردع محاولات إعادة إنشاء البرنامج ما بعد الضربات. والثالث هو طمأنة كوريا الشمالية إلى أن الضربات لا تستهدف تدمير نظام كيم.
النقطة الثالثة تمثّل التحدي الأكبر للمخططين الأميركيين. ففي النهاية، سيتطلب تنفيذ أي عملية بالضرورة قوة هائلة. ومن أجل حماية طواقم قاذفات القنابل الأميركية وخلق تأثير إستراتيجي ممتد المفعول، تجب توسعة مدى الضربات إلى ما وراء البرنامج البالستي. توجيه الضربات لأنظمة الدفاع الجوي والرادار وأنظمة القيادة والتحكُّم سيكون ضرورياً.
شبكة الدفاع الجوي البدائية
وما يعقِد الأمور أكثر هو شبكة الدفاع الجوي البدائية المتحركة الخاصة بكوريا الشمالية. تركز وحدات الدفاع الجوي الكورية الشمالية على تفادي الاستهداف الأميركي، مستفيدة من درس حرب الخليج، حين انهارت الدفاعات العراقية الثابتة سريعاً تحت وطأة الهجمات الجوية الأميركية. تحديد تلك الأهداف وتدميرها سيتطلب عناصر عديدة من القوات الجوية والطيران البحري. ورغم أنَّ حاملة الطائرات كارل فينسون تُساهم في هذا الصدد، ستحتاج الولايات المتّحدة إلى حاملة طائراتٍ أخرى على الأقل. لكن في حالة استهداف الولايات المتّحدة وحداتٍ بالقرب من المنطقة منزوعة السلاح، فإن كوريا الشمالية قد ترى في ذلك تهديداً وجودياً لعائلة كيم.
بالنسبة للمخططين الأميركيين، الموازنة بين التأثير والتصعيد مهمة للغاية.
من أجل مقاومة خطر التصعيد، ستتطلب الخطة الأميركية حتماً تدخل الرئيس ترامب شخصياً. في حال شنِّ الضربات، سيتعيَّن على ترامب إقناع الحكومة الصينية -وإقناع كيم عن طريقها- بأنَّ أهدافه مقتصرة على برنامج الصواريخ الباليستية. إن اعتقدت كوريا الشمالية بأنَّ الولايات المتّحدة تعتزم الإطاحة بكيم من السلطة، فمن المحتمل نشوب حربٍ شاملة.
وبالطبع لن تكفي الاتصالات الهاتفية والتغريدات في هذا الموقف. قبل التحرُّك، ستشحذ الولايات المتّحدة من الإمكانات العسكرية لقوات الولايات المتّحدة في كوريا. سيتضمّن هذا إنشاءاتٍ ملحوظة في قواعد العمليات بكوريا الجنوبية، واليابان، وعلى جزيرتي أوكيناوا وغوام. ببساطة، القوات المنتشرة حالياً (مثل سرب قاذفات القنابل B-1 في غوام) يُمكنها ردع العدوان الكوري الشمالي، لكن لا يُمكنها هزيمته.
بالمثل، الجيش الثامن الأميركي والقوات الجوية السابعة المنتشرة في كوريا الجنوبية موجّهة للصمود في وجه الهجوم حتى وصول الإمدادات.
وهُناك مُشكلة أخرى. بسبب قُرب سيول من وحدات المدفعية والصواريخ الكورية الشمالية (على بُعد 35 ميلاً)، سيتطلّب التحضير المُسبق للضربات المحدودة نشر الولايات المتّحدة قوات طوارئ متناسبة القوّة بهدف تدمير تلك الوحدات.
مرة أخرى، الموازنة بين نشر القوات وبين بارانويا كوريا الشمالية أمرٌ بالغ الضرورة. في حال نشرت القوات الأميركية على سبيل المثال تشكيلاً عسكرياً إضافياً بحجم جيشٍ كامل في كوريا الجنوبية، فإن بارانويا كيم قد تخرج عن السيطرة.
ولسوف يكون هذا أضخم ما في حياة ترامب كلها.
– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Daily Beast الأمريكي. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.